Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
انتهاكات حقوق الإنسان

البحرين.. تسامح إعلامي وممارسات قمعية على الأرض

مرة أخرى، تعود السلطة في البحرين لترويج نفسها كمنارة للتعايش والتسامح، مستندة إلى خطابات ملكية وبيانات إعلامية رسمية تدّعي أنها تصون الوحدة الوطنية وتكافح خطاب الكراهية وذلك للتغطية على ما يجرى من جرائم وممارسات قمعية على الأرض.

ففي جلستها بتاريخ 4 تشرين الثاني/نوفمبر، أقرّ مجلس الوزراء البحريني مشروع قانون يهدف إلى “إرساء منظومة تشريعية متكاملة لتعزيز التعايش ومكافحة خطاب الكراهية”.

بموازاة ذلك أعلنت جمعية “تعايش” عن مبادرة تكريم شخصيات وصفتها بالإسهامات النوعية في التعايش بين الأديان والثقافات. كل ذلك في خطاب رسمي جميل على الورق، يبدو وكأنه نسخة معدّة خصيصًا لتصدير صورة إيجابية عن المملكة إلى الخارج.

لكن الواقع في البحرين يختلف تمامًا عن هذه الصورة الوردية. السلطة التي تدّعي اليوم التزامها بقيم التسامح هي نفسها التي تميّز بشكل واضح ضد فئة أساسية من المواطنين، متجاهلة مبادئ المساواة والعدالة.

إذ أن هذه التمييزات الطائفية تُمارس علنًا، من خلال التضييق على الشخصيات المؤثرة، وحصار العمل الخيري والتطوعي، والضغط على المجتمع المدني بشكل عام، في حين تُستثمر شعارات التسامح كأداة دعاية خارجية لا أكثر.

وتكشف الاستراتيجية البحرينية الرسمية تناقضًا صارخًا: الحكومة تتحدث عن مكافحة خطاب الكراهية في الوقت الذي تحتكر فيه المنابر الإعلامية، وتغلق المجال العام أمام أي صوت معارض، وتفرض قوانين صارمة تحد من حرية التعبير والتجمع.

في المقابل، تُسجن عشرات المواطنين والناشطين السياسيين لمجرد انتقاد السياسات الحكومية أو المطالبة بالإصلاح. أي تسامح هذا الذي يُقام على أساس الصمت القسري والخوف؟

وتثبت تجربة السنوات الماضية أن الخطاب الرسمي عن الوحدة الوطنية والتعايش يُوظف غالبًا لأغراض خارجية، بينما الداخل يعيش حالة من القمع الرمزي والممنهج.

فالحكومة البحرينية تمنع الجمعيات السياسية المعارضة، وتبقي آلاف المعتقلين السياسيين خلف القضبان، بينما يواصل الإعلام الرسمي تسويق شعارات التعايش، وكأن المواطنين مجرد أدوات لإضفاء شرعية خارجية على النظام، وليس شركاء حقيقيين في صياغة مجتمع ديمقراطي ومتسامح.

والتناقض يتجسد أيضًا في السياسة اليومية: تروّج الدولة لمفهوم التسامح، لكنها تمنع المشاركة السياسية الفعلية، وتقيّد الفضاء العام، وتفرض قيودًا صارمة على الأنشطة الاجتماعية والثقافية المستقلة.

فالمحاكمات السياسية، والملاحقات الأمنية على خلفية الرأي، والإجراءات التعسفية ضد الجمعيات المستقلة، كلها تؤكد أن السلطة في البحرين ليست مهتمة فعليًا بإنشاء مجتمع متساوٍ ومفتوح، بل بمجتمع صامت يخضع لسيطرة سياسية مركزية مطلقة.

أسئلة كثيرة تُطرح على الخطاب الرسمي: كيف يمكن لدولة أن تدعي التسامح بينما تمنع أي نشاط سياسي أو جمعوي مستقل؟ كيف يمكن الحديث عن وحدة وطنية في ظل اعتقالات سياسية واسعة، وملاحقة المعارضة، وغياب المساءلة القانونية؟ هل يريد النظام فعلاً مجتمعًا متسامحًا قائمًا على العدالة والمساواة، أم مجتمعًا خاضعًا لصمت شعبي مفروض؟

الجواب يبدو واضحًا عند النظر إلى ممارسات السلطة اليومية: التسامح في البحرين ليس أكثر من شعار إعلاني، بينما على الأرض تُمارس سياسات تقوّض هذا المفهوم. القوانين الرمزية والمبادرات الدعائية لا تُعوّض عن غياب الإصلاح السياسي، ولا يمكن أن تصنع مجتمعًا مستدامًا إذا بقيت الفجوة بين الخطاب والممارسة قائمة.

ويؤكد مراقبون أن ما يُعرض على الملأ من تشريعات أو جوائز رمزية للتعايش، لن يكون له قيمة حقيقية ما لم يُترجم إلى خطوات ملموسة: حرية تعبير حقيقية، مساواة أمام القانون، إشراك المواطنين في الحياة العامة، وتفكيك المنظومة التمييزية الطائفية التي تمنع المساواة. حتى اللحظة، فإن كل حديث عن التسامح أو مكافحة خطاب الكراهية في البحرين يبدو مجرد ستار دعائي يخفي واقعًا قمعيًا يزداد حدة عامًا بعد عام.

في النهاية، يمكن القول إن البحرين تواجه مأزقًا مزدوجًا: خطاب إعلامي يقدّمها كدولة متسامحة، وواقع داخلي يُظهر استمرار الانتهاكات، والتمييز، والاضطهاد السياسي.

وبحسب المراقبين ما لم تتخذ السلطة خطوات جذرية لإصلاح بنيتها السياسية والاجتماعية، فإن كل مشاريع التعايش والوفاء والمبادرات الإنسانية ستظل أدوات لتلميع صورة النظام، لا لبناء مجتمع متسامح حقيقي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ستة + ثلاثة عشر =

زر الذهاب إلى الأعلى