Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
أخبار

المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان في البحرين بين التبعية الرسمية وأزمة الثقة

أعادت التعيينات الملكية الأخيرة في المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان في البحرين الجدل حول موقع هذه الهيئة في المشهد السياسي والحقوقي المحلي، وحول مدى استقلاليتها عن أجهزة الدولة التنفيذية والأمنية.

فبدلاً من أن يُنظر إليها كجسم وطني مستقل قائم على الكفاءة الحقوقية والخبرة الميدانية، يرى مراقبون أنّ المؤسسة باتت تُدار بمنطق المحاصصة الاجتماعية والسياسية، لتتحول إلى واجهة سياسية هدفها تحسين صورة النظام خارجيًا في مواجهة الانتقادات المتزايدة لسجل البحرين الحقوقي.

وانتقد الحقوقي السيد يوسف المحافظة بحدة آلية اختيار الأعضاء، واعتبرها أقرب إلى “تعيينات تشريفية” تستند إلى الولاءات العائلية والقبلية، بعيدًا عن أي عملية انتخابية شفافة أو اعتماد معايير موضوعية تتعلق بالتخصص والخبرة الحقوقية.

وأشار المحافظة إلى أن المجلس الجديد يضم في معظمه تجارًا، عسكريين سابقين، وسياسيين ودبلوماسيين، يفتقرون إلى أي رصيد حقوقي أو ارتباط فعلي بالمجتمع المدني المستقل. وبرأيه، فإن هذا التوجه يعمّق الفجوة بين المؤسسة وبين الدور المنشود منها كهيئة وطنية مستقلة منوطة بحماية الحقوق وضمان المحاسبة.

سجل ضعيف في الاستقلالية والمحاسبة

منذ إنشائها، تعرضت المؤسسة لانتقادات بسبب ضعف أدائها واستقلاليتها.

فقد وثّقت تقارير دولية أنّ المؤسسة عجزت عن معالجة الشكاوى بشكل فعّال، وأن بياناتها تفتقر إلى مبدأ المحاسبة. كما أنّ تقاريرها عن زيارات السجون اتسمت بالهشاشة والسطحية، ما كشف عن غياب الشفافية في تعاملها مع ملفات الانتهاكات.

ويؤكد المحافظة أن المدخل لإصلاح هذه المؤسسة يبدأ من الالتزام بمبادئ باريس، وهي الإطار المرجعي الأممي لإنشاء المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان.

وهذا الالتزام يقتضي توسيع صلاحيات المؤسسة لتعمل خارج هيمنة جهاز الأمن الوطني ووزارة الداخلية، بحيث تتحول إلى جهة رقابية تساند الضحايا وتدافع عن الحقوق الدستورية والدولية، بدلاً من الاكتفاء بتبرير الانتهاكات أو الصمت عنها.

محاصصة دينية وطائفية

أما الحقوقي ناجي فتيل، فقد رأى أن التشكيل الجديد لمجلس مفوضي المؤسسة – الصادر في 12 أغسطس/آب 2025 – يعكس بوضوح منطق المحاصصة الدينية والطائفية أكثر مما يعكس رؤية حقوقية.

وضرب فتيل مثالاً برئيس المؤسسة السابق علي أحمد الدرازي، وهو مهندس معماري لا صلة له بالعمل الحقوقي، وكذلك الدكتور مال الله جعفر الحمادي الذي بدأ مسيرته في السلك العسكري قبل أن ينتقل إلى المجال الأكاديمي.

وبرأيه، فإن هذه الخلفيات المهنية تثير تساؤلات حول مدى ملاءمتها لتحمل مسؤولية الدفاع عن حقوق الإنسان.

وأضاف فتيل أنّ غالبية الأعضاء الجدد بلا سجل مهني معلن أو خبرة حقوقية واضحة، وهو ما يثير شكوكًا عميقة حول جدية المجلس وقدرته على القيام بمهامه.

تبنّي الرواية الرسمية

وجهت منظمات دولية مثل هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية انتقادات متكررة للمؤسسة، معتبرة إياها أداة لتلميع صورة النظام أكثر من كونها آلية رقابية مستقلة.

فالمؤسسة لم تُظهر – بحسب هذه المنظمات – سوى تبنٍّ لرواية الحكومة الرسمية، وغياب أي مساءلة حقيقية لمسؤولي الأمن أو الأجهزة الحكومية المتهمة بانتهاكات واسعة.

ويرى فتيل أن المؤسسة فقدت أي رصيد حقوقي مستقل، وتحولت إلى منبر رسمي لتأييد السلطة، بدلًا من لعب دورها المفترض في مراقبة الأداء الرسمي وحماية حقوق المواطنين.

أزمة ثقة متجذرة

تكشف المواقف الحقوقية أنّ المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان في البحرين تواجه أزمة ثقة عميقة تتعلق ببنيتها وآلية عملها.

فبينما يطالب المحافظة بإعادة هيكلتها على أسس مهنية مستقلة، يعتبر فتيل أنها باتت غير قادرة أصلًا على إصلاح نفسها، لأنها مشبعة بالمنطق الرسمي ومكبلة بالولاءات والمحاصصات.

هذه الأزمة تتجلى في التباعد الواضح بين توقعات المجتمع المدني المحلي – الذي يبحث عن جهة تحمي حقوقه وتراقب السلطة – وبين واقع مؤسسة تُستخدم كورقة سياسية أمام المجتمع الدولي لإظهار التزام شكلي بالإصلاحات.

التحدي المستقبلي

مع استمرار الانتقادات الدولية، يبقى التحدي الأساسي أمام المؤسسة هو قدرتها على كسر قيود التبعية الرسمية والتحول إلى كيان وطني مستقل يعكس أولويات حماية الإنسان لا اعتبارات السلطة السياسية.

لكن هذا التحول يتطلب:

آلية شفافة لاختيار الأعضاء على أساس الكفاءة والخبرة الحقوقية.

استقلال مالي وإداري يحمي المؤسسة من ضغوط الأجهزة التنفيذية والأمنية.

صلاحيات فعلية للرقابة والتحقيق في الانتهاكات، مع ضمان حق الضحايا في الوصول إليها.

دون هذه الإصلاحات، ستظل المؤسسة عرضة للانتقادات بوصفها واجهة سياسية أكثر من كونها هيئة وطنية مستقلة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اثنا عشر + تسعة عشر =

زر الذهاب إلى الأعلى