دراسة: هرولة النظام الخليفي للتطبيع مع إسرائيل ينطلق من أزمة داخلية
خلصت دراسة صادرة عن مركز “البيت الخليجي للدراسات والنشر” إلى أن هرولة النظام الخليفي للتطبيع مع إسرائيل ينطلق من أزمة داخلية ومخاوف إقليمية في ظل ضعف مكانته.
وجاء في الدراسة أنه: لم يكن تطبيع العلاقات بين بعض دول الخليج وإسرائيل أمراً مفاجئاً، كان لهذا التطبيع بوادر واضحة منذ سنوات.
ورغم وجود الرغبة لدى الحكومات، لم يكن متوقعًا أنها ستقدم على خطوة كهذه بلا مبررات كافية، خصوصاً أنها ستجعلها في مواجهة مباشرة مع شعوبها الرافضة للتطبيع في غالبيتها.
وبدون الإسهاب في عرض تاريخ تجارب التطبيع العربي، إلا أن أكثرها كانت لأسباب ظاهرية أو منفعة واضحة ومباشرة على الأقل، وهذا ليس تبرير بل توصيف لها، مثل استعادة مصر والأردن لأراضيهم المحتلة وإيقاف حالة الحرب الدائمة.
أو سعي المغرب لإثبات سيادته على الصحراء الغربية وكسب الاعتراف الدولي، أو محاولة السودان شطب اسمه من قائمة الدول الداعمة للإرهاب.
وبعيداً عن الاختلاف أو الاتفاق مع مواقف هذه الدول إلا أنه يمكن فهم الدوافع التي أدت بها للتطبيع.
في المقابل، ليست دول الخليج من دول الطوق، ولم تكن في حرب مباشرة مع إسرائيل لتعلن السلام معها، وهي دول تتمتع بعلاقات جيدة مع الغرب، وفي أوضاع سياسية واقتصادية مستقرة مقارنة ببقية الدول العربية؛ مما يجعلها غير مضطرة لتوقيع هذه الاتفاقيات.
إذا هي مسألة اختيارية لا اضطرارية، وبمنطق المصلحة لا الضرورة.
وتناولت الدراسة تحليل رهانات التطبيع ومآلاته في المنطقة، وتعرض الدوافع والمكاسب والخسائر المتوقعة من عمليات التطبيع في الخليج. وهي لا تعبر عن الموقف الأخلاقي للكاتب من القضية الفلسطينية وإنما تقدم تحليلاً واقعيا للأحداث لا أكثر.
في 15 سبتمبر/أيلول 2020 وقعت كل من الإمارات والبحرين بوساطة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب اتفاقية تطبيع كاملة مع إسرائيل تحت مسمى “الإتفاق الإبراهيمي“.
وهذه لم تكن المرة الأولى التي يتم فيها التطبيع – بدرجات متفاوتة – بين بعض دول مجلس التعاون الخليجي وإسرائيل، حيث كانت قطر وسلطنة عمان أول من أقام علاقات تجارية مع إسرائيل منتصف التسعينيات مع زيارات رسمية ولقاءات متبادلة.
السعودية أيضاً لم تستبعد خيار التطبيع مع إسرائيل من الطاولة، فهو كان أساس العرض المقدم من قبلها في مبادرة السلام العربية.
الفارق أن المقترح السعودي كان يعبر عن تطبيع مشروط مبني على منطق تفاوضي؛ بمعنى تقديم تنازلات متمثلة في التطبيع لكنها مرهونة بوقف الاستيطان والعودة لحدود 1967 وإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية، وكان ذلك المقترح دون الخروج عن الإجماع العربي وبتأييد من جامعة الدول العربية.
كان التعامل قائما على منطق العصا من خلال عدم الاعتراف إسرائيل واشعارها بأنها كيان “غير طبيعي” من جهة، وتقديم الجزرة عبر إقامة علاقات وإعلان السلام والتطبيع في مقابل الشروط السابق ذكرها، من جهة أخرى.
اليوم، ُمنحت إسرائيل الجزرة دون مقابل، فالتطبيع في الحالة الخليجية لا يقتصر على الصعيد السياسي والدبلوماسي – مثل مصر والأردن – بل يُراد له أن يكون على مختلف المستويات عبر تعزيز التبادل التجاري والثقافي والتعاون الأمني والعسكري بل والتحالف في مواجهة قوى إقليمية أخرى مثل إيران.
ورغم فشل رهانات مبادرة السلام العربية إلا أن التجربة الحالية كذلك لديها رهاناتها المُعلنة مثل ايقاف عمليات التوسع في الضفة الغربية، ولكن من الواضح أن لا نية لإسرائيل في الاستجابة لأي مطلب، فقد حصلت على كل ما تريد مقدما.
من الواضح أن ما قدمته كل من الإمارات والبحرين من رهانات بأن تطبيع العلاقات مع تل أبيب سيدفع الأخيرة إلى تحسين سلوكها لا تقوم على أرضية صلبة، تخالف الأحداث في الواقع هذه الرهانات، وهو ما لا يخفى على صناع القرار في الدولتين.
إذاً، ما الذي قد يدفعهم إلى التطبيع؟ الأسباب المبطنة، غير المعلنة، هي الأقرب للفهم والواقع، منها، شعور هذه الدول بالخطر نتيجة انسحاب الولايات المتحدة تدريجياً من المنطقة.
كذلك تعاظم النفوذ الإيراني والتركي في منطقة الشرق الأوسط وتراجع القوى العربية التقليدية مثل مصر والعراق وسوريا، وفي ذات الوقت، يجب إلى الإشارة إلى الشعور بالتهديد من حركات الإسلام السياسي واحتمالية عودة موجات الربيع العربي إلى المنطقة.
كل هذه المتغيرات تُشعر بعض دول الخليج أنها في حاجة لتأسيس حلف بديل وعلاقات مع إسرائيل باعتبار أن لديها يد عليا وتفوقاً عسكرياً وأمنياً وتقنياً ومخابراتياً لحفظ توازنات القوى في المنطقة، ولكسب تأييد القوى الغربية من خلال استخدام اللوبيات “جماعات الضغط” الإسرائيلية في الخارج.
بدرجة أقل، تستخدم دول الخليج ملف التطبيع كمانع عن إنجاز أي تطور ديمقراطي بالاعتماد على قاعدة أن أي تحول ديمقراطي في الخليج يعني بالضرورة التراجع عن التطبيع بل ومعاداته كما هو الحال في الكويت.
ولذلك، تستخدم هذه الدول التطبيع كورقة ضغط على الحلفاء الغربيين كمبرر لسياساتهم الداخلية.
وعليه، يلبي التطبيع المخاوف الخليجية من الفراغ السياسي في المنطقة ويؤمن هذه الدول من خلال تشكيل تحالف استراتيجي بديل، يبرر كذلك كثير من سياساتها الداخلية ويقلل من ابتزاز وضغط الحلفاء الغربيين عليها.
يبدو فشل كل مشاريع التعاون والعمل العربي المشترك مثل جامعة الدول العربية ودول مجلس التعاون الخليجي كسبب من أسباب التوجه للتطبيع. لم تفشل هذه المشاريع في تحقيق أهدافها فقط بل إن نسبة كبيرة من الدول تعيش حالة من العداء والقطيعة.
يشمل هذا عجز دول الخليج – ككتلة – عن تشكيل علاقات صحية ومتكافئة مع دول مؤثرة مثل تركيا وإيران.
من الملاحظ أن تحسين العلاقات بين الدول الخليجية والعربية والإقليمية هو في الغالب يقوم على تصور مزاجي غير مستدام.
هذا الجو الضبابي يجعل الرهان على إقامة علاقات مع إسرائيل خياراً معقولاً لهذه الدول حتى مع كونه لن يحل أياً من المشاكل السابقة والمشاريع المتضاربة بل قد يؤزمها أكثر.
السماح لإسرائيل بالتواجد أمنياً وعسكرياً في الخليج لا يجعل دول الخليج أكثر أمناً بل يجعل إيران تعيش حالة من الشعور بالخطر والتهديد المباشر ما قد يدفعها بالمقابل لاتخاذ خطوات أكثر حدةً تجاه دول الخليج.
وفي المقابل، تمثل التدخلات الإيرانية في المنطقة وانتهاكها لسيادة الدول الأخرى عاملاً محفزاً لتحالف هذه الدول مع عدو إيران (إسرائيل) أملاً في تحقيق التوازن.
تسعى إسرائيل لتحقيق التفوق على كل دول المنطقة وليس من مصلحتها أن تحصل أي دولة على أسلحة أو تقنيات أكثر تقدما منها أو مساوية لها حتى إن كانت حليفة لها أو مطبعة معها.
الشواهد عدة، منها طريقة إسرائيل في ضبط علاقاتها مع مصر والأردن بعد التطبيع وعرقلتها لبعض صفقات الطائرات العسكرية التي كانت تسعى الإمارات والمغرب للحصول عليها من الولايات المتحدة.
ورغم تحفظات إسرائيل المتعلقة بالتفوق العسكري في منطقة الشرق الأوسط، إلا أنها تستخدم هذه الورقة كوسيلة لإقناع بعض الدول بالتطبيع فيما يعرف بـ “الدبلوماسية السيبرانية”، أي تحقيق الأهداف السياسية والدبلوماسية من خلال توفير بعض الخدمات التقنية السيبرانية في القطاعات الأمنية للدول الأخرى.
مثال ذلك، تقديم برامج للتجسس ومراقبة شخصيات من دول أخرى والمعارضين السياسيين، كذلك توفير أنظمة أمن وحماية تم بيعها لمعظم دول الخليج تقريبا مثل برنامج بيجاسوس.
تُشعر عمليات البيع لهذه التقنيات دول الخليج التي لم تطبع بالخطر خصوصاً مع احتمال أن تستخدم الدول الخليجية المطبعة هذه التقنيات ضدها، وهو ما يجعلها العواصم الخليجية في سباق للتطبيع وفي تعميق علاقاتها الاستراتيجية مع إسرائيل.
من جانب آخر، تواجه الدول المطبعة أزمات داخلية مع شعوبها التي تطرح أسئلة محورية حول شرعية أنظمة الحكم وعن خلفية اتجاهها نحو التطبيع.
خصوصاً وأن القضية الفلسطينية لها قدسيتها لدى الشعوب لارتباطها بالمقدسات الإسلامية في القدس، ولكونها أيضاً، قضية ظلت تمثل حالة من الإجماع في الُمخيلة العربية لعقود طويلة، غني عن البيان أن أي خرق لهذه المسلمات في الذهنية الخليجية يمثل نوعاً من الخيانة – على الأقل – بالنسبة لشريحة واسعة من المجتمع.
يجدر الإشارة إلى أن خطورة التطبيع، في الفهم المجتمعي ومدى تقبله خاصة، أنه يأتي بالتوازي مع تراجع دول الخليج عن دولة الرعاية الاجتماعية الخالية من الضرائب وفق سردية ملخصها أن الشيوخ – الحكام – سيوفرون مجانية التعليم والصحة ودعم الحصول على سكن وفرص وظيفية في الحكومة وسيحافظون على الهويتين والثقافتين العربية والإسلامية في مقابل تفردهم بالحكم وإدارة الشأن العام.
كانت هذه العلاقة الضمنية بمثابة العقد الاجتماعي في دول الخليج. الجديد هو أن هذه الدول بدأت في فرض الضرائب ومن المرجح التوجه نحو فرض ضريبة الدخل بالتزامن مع بدء الحكومات رفع الدعم عن الوقود والكهرباء والمياه بنسب متفاوتة.
تزامن التطبيع مع تغيير طبيعة العقد الاجتماعي يمثل تهديداً لاستقرار هذه الدول داخلياً. لذلك، يبدو أن ثمن المكاسب المتوقعة من التطبيع أكبر مما يبدو وأن معالجتها أصعب.
وما بين سلة الحوافز والمكاسب المتوقعة والتحديات الماثلة أمام دول الخليج من المؤمل أن تكشف الأشهر والسنوات القليلة المقبلة تفاصيل المشهد بشكل أوضح وما إذا كان تطبيع علاقات البحرين والإمارات مع إسرائيل هو نهاية قطار التطبيع أم أنه البداية فقط