Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
انتهاكات حقوق الإنسان

الصوت الآخر محجوب في البحرين: قمعٌ مقنَّن تحت غطاء القوانين

في البحرين، لا يُعتبر حجب الصوت الآخر وتكميم الأفواه مجرّد سياسة طارئة أو إجراءً ظرفياً، بل هو خيار استراتيجي للدولة، جرى تغليفه بسلسلة من التشريعات التي تُظهر نفسها كـ”حامية للنظام العام” لكنها في جوهرها تُعيد إنتاج القمع وتمنع أي مساحة للتعبير الحر.

فقد تحوّلت حرية الرأي، المكرّسة في النصوص الدستورية، إلى حبرٍ على ورق أمام ممارسات الأجهزة الأمنية وتفسيرات القضاء الموجّه، ما جعل البحرين تُصنَّف بين الدول الأكثر تضييقاً على الصحافة والإعلام والمعارضين السياسيين في المنطقة.

النصوص الدستورية: وعود فضفاضة تُجهضها القيود

ينص الدستور البحريني في مواده (23 – 26) على حماية حرية التعبير والصحافة، لكن هذه المواد تُفرغ من مضمونها عبر اشتراطات فضفاضة مثل:

“عدم مخالفة أسس العقيدة الإسلامية”.

“عدم المساس بوحدة الشعب”.

هذه العبارات تُحوِّل النص الدستوري إلى سيف مسلّط على أيّ صوت معارض. فمن السهل على السلطات تفسير أي رأي سياسي أو اجتماعي ناقد باعتباره “مساساً بالوحدة” أو “تهديداً للقيم الدينية”. وهكذا يصبح الدستور ذاته أداة للقمع، بدل أن يكون ضمانة للحقوق.

قوانين العقوبات: تجريم الانتقاد

إلى جانب الدستور، يشكّل قانون العقوبات البحريني لعام 1976 أحد أبرز أدوات كبح الحريات. فقد نص على تجريم:

“إهانة الملك”.

“إهانة مؤسسات الدولة”.

“إهانة الدول الصديقة”.

وهذه المواد لا تقتصر على حماية رموز الدولة، بل تُجرّم أي انتقاد قد يوجَّه لسياساتها الداخلية أو الخارجية. لقد استُخدمت هذه النصوص مراراً لمحاكمة ناشطين وصحفيين لمجرد كتابتهم مقالات أو تغريدات تنتقد الفساد، أو تناقش الخيارات السياسية للحكومة.

قانون الصحافة والنشر: إلغاء الإعلام المستقل

في عام 2002، صدر قانون الصحافة والطباعة والنشر، الذي زاد الطين بلة. فالقانون يُعطي الدولة الحق في حجب أو معاقبة أي وسيلة إعلامية إذا نشرت ما تعتبره الحكومة “مهدداً للأمن” أو “منافياً للقيم” أو “مخالفاً للنظام العام”.

والنتيجة أن البحرين أصبحت بلا صحافة مستقلة حقيقية، إذ جرى إخضاع الصحف والقنوات المحلية بالكامل لتوجّهات الدولة، فيما أُغلقت الأصوات المستقلة أو أُجبرت على الهجرة، ليبقى المشهد الإعلامي أحادياً وموجهاً.

قانون الجرائم الإلكترونية: ملاحقة في الفضاء الرقمي

مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، سعت السلطات البحرينية إلى السيطرة على هذا الفضاء الجديد عبر قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية لعام 2014.

ويُستخدم هذا القانون بانتظام لملاحقة المغردين والمدونين، حيث تُعتبر أي مشاركة أو تعليق ينتقد الحكومة جريمة قد تصل عقوبتها إلى السجن لسنوات.

بهذا تحوّل الفضاء الرقمي، الذي كان منفذاً أساسياً للتعبير الحر، إلى مصيدة قانونية. العشرات من النشطاء الحقوقيين والطلاب والمواطنين العاديين وجدوا أنفسهم خلف القضبان بسبب تغريدة أو منشور على فيسبوك.

أدوات القمع: الاعتقال والتعذيب والترهيب

لا تقتصر الممارسات على القوانين وحدها، بل تمتد إلى الآلة الأمنية التي تُنفّذ هذه النصوص بقبضة من حديد. الاعتقالات العشوائية، المحاكمات غير العادلة، التعذيب النفسي والجسدي، كلها باتت ممارسات موثقة من قبل منظمات دولية مثل هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية.

ويُضاف إلى ذلك سياسة الترهيب ضد العائلات، حيث تُستخدم الضغوط الاجتماعية والاقتصادية لإسكات ذوي المعتقلين، مما يخلق مناخاً عاماً من الخوف يمنع الناس حتى من التفكير في التعبير عن آرائهم.

البحرين: سجن كبير بلا إعلام مستقل

غياب الإعلام المستقل يُشكّل أحد أعمدة هذا القمع. فمنذ إغلاق صحيفة “الوسط” المستقلة في 2017، باتت الساحة الإعلامية البحرينية خالية تماماً من أي منصة يمكن أن تنقل صوتاً آخر. كل ما يُتاح هو إعلام رسمي يروّج لرواية واحدة، فيما تُكمَّم الأفواه الأخرى بالقانون أو بالتهديد.

هذا الوضع جعل البحرين تُصنَّف في المراتب الدنيا عالمياً في مؤشرات حرية الصحافة، حيث تُذكر جنباً إلى جنب مع الدول الأكثر قمعاً في المنطقة.

خطاب رسمي يُشرعن الصمت

المفارقة أن الحكومة البحرينية تحاول باستمرار تقديم صورة “الإصلاح والديمقراطية” أمام المجتمع الدولي، بينما على الأرض تُستخدم القوانين لإلغاء أي شكل من أشكال النقد. الخطاب الرسمي يتحدث عن “حماية القيم”، لكن الواقع هو إنتاج مناخ خانق لا يتيح سوى صوت واحد: صوت السلطة.

ويؤكد مراقبون أن مشهد حرية التعبير في البحرين اليوم مخزٍ بحق، إذ تضافرت النصوص الدستورية المشروطة، والقوانين العقابية، والآلة الأمنية لتكوين نظام كامل يحجب أي صوت معارض.

من يريد أن يكتب أو يتحدث، عليه أن يختار بين أحد طريقين:

الإذعان والخضوع ضمن الخطوط المرسومة من الدولة.

أو الملاحقة والسجن وربما التعذيب، لمجرد ممارسة أبسط حقوقه.

في النهاية، البحرين قدّمت نموذجاً صارخاً لكيف يمكن أن تتحول القوانين إلى أداة لخنق المجتمع بدل أن تكون إطاراً لحمايته. الصوت الآخر في البحرين ليس مرفوضاً فحسب، بل هو مجرَّم ومحوكماً، في بلدٍ يُصرّ على أن الصمت هو اللغة الرسمية الوحيدة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

19 + 16 =

زر الذهاب إلى الأعلى