Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
فساد

معدلات البطالة في البحرين… أزمة تتفاقم وفساد يبتلع فرص المواطنين

تواجه البحرين واحدة من أعقد أزماتها الاقتصادية والاجتماعية خلال السنوات الأخيرة، مع تصاعد معدلات البطالة وسط عجز حكومي متواصل عن تقديم حلول فعّالة، مقابل ازدهار نفوذ العمالة الأجنبية في السوق المحلي.

ورغم محاولات السلطات تصوير الوضع على أنه “تحت السيطرة”، تكشف الأرقام الرسمية الصادرة حديثًا عن عمق أزمة مزمنة باتت تهدد استقرار المجتمع ومستقبل الشباب البحريني.

ففي ردٍّ على أسئلة برلمانية تتعلق بملف التوظيف والعمالة الوافدة، قدّم وزير الشؤون القانونية ووزير العمل بالوكالة يوسف خلف اعترافًا غير مسبوق بحجم المشكلة، مؤكدًا أن نحو 60% من الباحثين عن عمل هم من حملة شهادة البكالوريوس فأعلى، في مؤشر صارخ على فشل سياسات الدولة التعليمية والتوظيفية في آن واحد.

أما الأكثر صدمة فهو أن 28% من العاطلين ظلّوا مسجّلين على قوائم البطالة لأكثر من أربع سنوات متواصلة—نسبة تكشف انهيار منظومة التشغيل بالكامل، وتحوّلها إلى ما يشبه “طابور انتظار بلا نهاية”.

أرقام رسمية تفضح الواقع

بحسب الأرقام الحكومية للعام 2024، يبلغ عدد المسجّلين كباحثين عن عمل 17,402 بحرينيًا، بينهم 4,852 ينتظرون منذ أكثر من أربع سنوات.

وهذه الفئة، التي تُشكّل ما يقارب ثلث مجموع العاطلين، تضم في معظمها خريجين جامعيين وشبابًا يمتلكون مؤهلات لا يُستفاد منها داخل السوق الوطني.

وبذلك، تتحول سنوات الدراسة والإنفاق على التعليم إلى استثمار ضائع لا ينعكس على تحسين معيشة الفرد أو رفد الاقتصاد بكفاءات تحتاجها البلاد.

في المقابل، تظهر بيانات هيئة تنظيم سوق العمل أن نحو 99,279 عاملًا أجنبيًا جرى تجديد تصاريح عملهم أكثر من مرة.

وتسلط هذا الرقم، الذي يتجاوز عدد الباحثين عن عمل بعدة أضعاف، الضوء على اختلالات عميقة في الممارسات الحكومية، وعلى غياب أي التزام حقيقي بسياسات “البحرنة” التي تتباهى بها الجهات الرسمية في كل مناسبة.

سوق عمل مختل ومؤسسات عاجزة

رغم تأكيد الوزير أن الوزارة “تراقب” التزام الشركات بنسب التوطين المعتمدة، إلّا أن الواقع يشي بعكس ذلك تمامًا.

إذ يتساءل المواطنون عن سبب استمرار توظيف الأجانب في قطاعات يفترض أن تكون مخصصة للبحرينيين، وعن سرّ غياب المحاسبة للمؤسسات التي تلتف على القوانين عبر عقود صورية وعمليات نقل كفالات مشبوهة.

ويرى خبراء اقتصاديون أن أزمة البطالة في البحرين ليست نتاج نقص في المؤهلات كما تحاول الحكومة الإيحاء، بل هي نتيجة مباشرة لضعف الرقابة وانتشار المحسوبيات والفساد الإداري، بالإضافة إلى غياب رؤية اقتصادية واضحة تتناسب مع حجم التحديات.

ويشير هؤلاء إلى أن سوق العمل بات أسيرًا لسياسات قصيرة النظر ساهمت في استنزاف الفرص المتاحة، وفتحت الباب واسعًا أمام توسع العمالة الأجنبية على حساب المواطنين.

الإحباط يتصاعد… وثقة المجتمع تتراجع

تنعكس هذه الأوضاع سلبًا على المجتمع البحريني، إذ تتزايد معدلات الإحباط بين الشباب الذين لا يجدون مكانًا لهم في سوق العمل رغم حصولهم على شهادات عليا.

كما يدفع طول فترة الانتظار، التي قد تصل إلى أكثر من أربع سنوات، الكثيرين إلى إعادة النظر في مستقبلهم داخل البلاد، في ظل غياب برامج جدية للتأهيل، أو مبادرات اقتصادية قادرة على خلق وظائف مستدامة.

وتبرز أيضًا مفارقة مؤلمة: فالتعليم الجامعي الذي كان يُعدّ قبل سنوات طريقًا مضمونًا نحو الوظيفة، لم يعد اليوم سوى شهادة قد ينتهي بها المطاف إلى درج المكتب أو في خانة “غير مستفيد منها”. وهذا يهدد بتآكل الثقة في النظام التعليمي نفسه، ويؤشر إلى أزمة أعمق في التخطيط الاستراتيجي للدولة.

وعود حكومية… بلا أثر

رغم أن الحكومة أعلنت في مرات عدة عن خطط لـ”تعزيز التوظيف” و”رفع نسب البحرنة”، وعلى رأسها المبادرة التي أطلقها ولي العهد سلمان بن حمد قبل أشهر، فإن المواطنين لم يلمسوا أي تغيير ملموس.

وما تزال الفجوة واسعة بين الخطاب الرسمي والواقع الميداني، إذ تُحقق الأرقام الحكومية “إنجازات” على الورق فقط، فيما يعاني الشباب من شحّ الفرص وتفضيل الشركات للعمالة الأقل كلفة، حتى لو كانت على حساب جودة العمل أو أمنه الوظيفي.

وبات السؤال الملحّ في الشارع البحريني: لماذا تستمر الدولة في تجديد عشرات الآلاف من رخص العمل للأجانب بينما يقبع آلاف الشباب المؤهلين على قوائم الانتظار؟ ولماذا لا يُحاسَب أصحاب النفوذ الذين يديرون شبكات التوظيف العشوائي ويدعمون اقتصاد العمالة الرخيصة؟

إعادة هيكلة شاملة… لا ترقيع مؤقت

إن أزمة البطالة في البحرين لم تعد قابلة للمعالجة عبر حلول ترقيعية، بل تتطلب إعادة نظر شاملة في منظومة سوق العمل، تشمل:

مكافحة التوظيف العشوائي والحد من تجديد رخص العمالة الأجنبية دون مبررات واضحة.

تصميم برامج تدريب فعّالة ترتبط باحتياجات الاقتصاد الحقيقي لا بالشعارات.

فرض رقابة صارمة على الشركات والمؤسسات الحكومية والخاصة للالتزام بالبحرنة.

وقف المحسوبيات والفساد الإداري الذي يضعف ثقة المواطنين ويهدر الفرص.

الاستثمار الجاد في مجالات تخلق وظائف ذات قيمة مضافة، بدل التركيز على القطاعات منخفضة الأجور.

وعليه تعيش البحرين اليوم مفترق طرق حقيقي فيما يتعلق بمستقبل شبابها وسوق العمل. فالأرقام الرسمية لم تعد قابلة للتجميل، والبطالة لم تعد مجرد “إحصاءات”، بل أزمة وجودية تمسّ كل بيت تقريبًا.

وبينما يتوسع نفوذ العمالة الأجنبية بفضل تراخي الدولة، يبقى المواطن البحريني هو الخاسر الأكبر، في ظل غياب إرادة سياسية وإدارية جادة لوقف النزيف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

3 × 5 =

زر الذهاب إلى الأعلى