Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
انتهاكات حقوق الإنسان

إصلاحات شكلية تحت ستار قانون الصحافة البحريني لعام 2025

استراتيجية جديدة للرقابة الناعمة

منذ إعلان البحرين عن قانون الصحافة والإعلام الإلكتروني لعام 2025، جرى الترويج له باعتباره خطوة إصلاحية تهدف إلى تعزيز حرية التعبير وتحسين البيئة الإعلامية.

لكن عند تحليل بنود هذا القانون، يظهر تناقض صارخ مع هذه الادعاءات، حيث يظهر كأداة لإحكام السيطرة على الفضاء الإعلامي من خلال أساليب “رقابية ناعمة” تبدو متطورة لكن في جوهرها تمثل تقنينًا للممارسات القمعية.

الرقابة الناعمة: قمع من خلال القوانين المالية والإدارية

يُروج المسؤولون في البحرين للقانون على أنه تقدم نحو حريات إعلامية أكبر، لا سيما في ما يتعلق بإلغاء الحبس الاحتياطي للصحفيين. لكن قراءة متأنية تُظهر أن القانون يعتمد على رقابة مالية وإدارية صارمة لا تقل فتكًا عن الأساليب القمعية السابقة.

فالمواد التي تفرض غرامات مالية باهظة على الصحفيين والمؤسسات الإعلامية، مثل المادة 16 التي تفرض غرامات تصل إلى 10 آلاف دينار بحريني على مخالفات إدارية بسيطة، تسهم في تقييد الصحافة المستقلة. هذه الغرامات تمنع حتى الصحفيين المبدعين من العمل بحرية، حيث تشكل عبئًا ماليًا يمنع ظهور منصات إعلامية جديدة.

أيضًا، المادة 75 التي تسمح بحجب المواقع الإلكترونية لمدة تصل إلى عام دون رقابة قضائية حقيقية، تُعتبر بمثابة أداة جديدة لإسكات الأصوات المستقلة. وإذا أضفنا إلى ذلك المادة السابعة التي تفرض على المواقع الإعلامية تعديل أوضاعها خلال ستة أشهر، يصبح واضحًا أن هذا الإجراء قد يؤدي إلى إغلاق العديد من المنصات التي لا تستطيع التكيف مع هذه التعديلات.

الترخيص المسبق: مدخل للقمع الرقمي

يُعيد القانون الجديد إحياء نظام “الترخيص المسبق” لإنشاء أي منصة إعلامية رقمية، مما يقيد حرية إنشاء وسائل إعلامية جديدة. فالمادة 67 مكرر 2 تعطي الوزير صلاحية مطلقة في تحديد شروط الترخيص، وهو ما يعزز الهيمنة الحكومية على الفضاء الرقمي.

هذه المادة تخلق بيئة قانونية تميز ضد الصحفيين غير البحرينيين، مما يعرقل أي محاولة للابتكار أو المشاركة من قبل الصحفيين الأجانب أو المقيمين.

وما يزيد من تعقيد الصورة هو المادة 67 مكرر 3 التي تفتح الباب للتفسير الغامض لمفهوم “الحقوق المدنية”، ما قد يُستخدم لاستبعاد المعارضين السياسيين أو النشطاء من المشاركة في الإعلام الرقمي، ويُضعف التعددية الإعلامية.

الغموض التشريعي: أداة لزيادة الرقابة

واحدة من أبرز سمات هذا القانون هي الغموض في العديد من مواده، ما يتيح للسلطات تفسيرات تعسفية وفضفاضة. المواد 78 و85 و87 تذكر عبارات مثل “تهديد الأمن الوطني” و”المصلحة الوطنية” دون تعريف دقيق، مما يمنح السلطة التنفيذية صلاحيات واسعة لتطبيق الرقابة على المحتوى الإعلامي.

هذا يسمح للحكومة بحجب المواقع والمنصات التي لا تتوافق مع الرؤية الرسمية، ما يخلق بيئة قانونية غير مستقرة.

المادة 78، على سبيل المثال، تمنح المحكمة صلاحية حجب المواقع بناءً على “رؤية المحكمة” حول ما “يهدد الأمن الوطني” دون تحديد واضح للمعايير، ما يجعل التفسير تعسفيًا ويُحول القضاء إلى أداة رقابية تحت تصرف الحكومة.

الملاحقة القضائية للنشطاء الرقميين

أحد أكبر التحولات في قانون الصحافة والإعلام البحريني لعام 2025 هو توسيع الرقابة لتشمل الأفراد في فضائهم الشخصي على الإنترنت.

فالمادة 3 من القانون تعرّف “المحتوى الإعلامي” بشكل فضفاض ليشمل جميع ما يُنشر أو يُبث، ما يعني أن التغريدات أو المنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي قد تُلاحق قضائيًا إذا تم تفسيرها على أنها تشكّل تهديدًا للأمن الوطني أو المصلحة العامة.

هذا التوسع في تعريف “المحتوى الإعلامي” يجعل المواطن العادي تحت طائلة القانون، ويُحوّل منصات الإنترنت من فضاء حر للتعبير إلى ساحة مراقبة وقمع. حيث تتضمن المادة 87 إلزام المواقع بنشر البلاغات الرسمية المتعلقة بالشأن السيادي أو العسكري، ما يفتح المجال لتوظيف الإعلام كأداة دعاية رسمية للدولة.

استبعاد الصحفيين والمجتمع المدني

قانون الصحافة البحريني لعام 2025 يعكس غياب التفاعل مع المجتمع المدني والصحفيين المستقلين خلال صياغته، مما يعكس غياب إرادة حقيقية في إجراء إصلاحات تشريعية تعزز من حرية التعبير. عدم إشراك هذه الأطراف في عملية التشاور يعزز الطابع الأحادي للقانون ويُقوّض مبدأ الشفافية.

ورغم أن القانون ألغى الحبس الاحتياطي في قضايا النشر، إلا أنه في المقابل أضعف الحماية القانونية للصحفيين، مما يفتح المجال أمام ممارسات تعسفية ضدهم. فالتعديلات على المادة 81 تتسبب في إضعاف الضمانات القانونية، حيث تُلغى بعض الإجراءات المقررة لحماية الصحفيين من التعسف.

توصيات للإصلاح

من أجل ضمان بيئة إعلامية حرة في البحرين، يجب أن يتبع القانون الإصلاحات التالية:

إلغاء المواد التي تجرّم النقد العلني مثل المادة 69، واستبدال العقوبات الجنائية بعقوبات مدنية.

إلغاء نظام الترخيص المسبق واستبداله بنظام الإخطار اللاحق.

وضع تعريفات قانونية دقيقة للمفاهيم الفضفاضة مثل “الأمن الوطني” و”المصلحة العامة”.

خفض العقوبات المالية وجعلها أكثر تناسبًا مع الدخل الوطني.

حماية حرية التعبير على وسائل التواصل الاجتماعي وعدم إخضاع المحتوى الشخصي للقانون.

تعزيز الرقابة القضائية المستقلة على قرارات حجب المواقع.

إنشاء هيئة مستقلة لحماية حرية الإعلام تضم ممثلين من القضاء والمجتمع المدني.

ضمان الحماية القانونية للصحفيين من الملاحقات التعسفية.

إنشاء صندوق دعم قانوني للصحفيين المستقلين في حال تعرضهم للملاحقة.

في الختام، يُظهر قانون الصحافة والإعلام الإلكتروني البحريني لعام 2025 كيف يمكن استخدام التشريعات لتغليف الممارسات القمعية بأقنعة من الإصلاحات الشكلية.

وعلى الرغم من ترويج الحكومة لهذا القانون كخطوة تقدمية، إلا أن نصوصه تكشف عن استراتيجية مُمنهجة لتقييد حرية التعبير عبر أدوات قانونية ومالية وإدارية. إن أي قانون يقيّد حرية الإعلام ويُقمع الأصوات المستقلة لا يمكن أن يُعتبر إصلاحًا، بل هو محاولة جديدة لإعادة إنتاج القمع في ثوب أكثر مرونة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اثنا عشر + 7 =

زر الذهاب إلى الأعلى