المعلّقات في البحرين.. نتيجة لواقع سياسي مرتبك في البلاد
قال مركز “البيت الخليجي للدراسات والنشر” إن ملف المعلّقات في البحرين يمثل نتيجة لواقع سياسي مرتبك في البلاد، مشددا على الحاجة إلى قانون مدني يحمي المرأة ويضمن الحقوق.
وبحسب المركز تتجاوز قضية النّساء المعلّقات في البحرين وسم ” #معلّقات_ينتظرن_الإنصاف” الناشط على منصة التواصل الاجتماعي “تويتر”.
وتسلّط القضية الضوء على معاناة أعداد كبيرة من البحرينيات ممن لجأن إلى القضاء من أجل إنصافهن وإنقاذهن من حياة كرهن مشاركتها مع أزواج تقطعت سبل المحبة وحسن المعاشرة بينهم، فكان القضاء أكثر جوراً عليهن. هي معاناة تطورت في بعض الحالات لتصبح مآسي انتهت ببعضهن إلى الانتحار أو محاولته.
ولتوضيح قضية النساء المعلّقات في المحاكم الشرعية في مملكة البحرين، والتي لقيت تفاعلاً وجدلاً من قبل رواد مواقع التواصل الاجتماعي، لابدّ من الإشارة في بادئ الأمر إلى أن المرأة المعلّقة عموما هي تلك التي تقدّمت إلى المحكمة بطلب طلاق لكن لم يتمّ البتّ في قضيتها بعد.
أما المرأة المعلّقة محور الحملة التي تشنها نساء البحرين والمدافعون عن حقوق المرأة فهي الزوجة التي لم تستطع إثبات الضرر الواقع عليها من زوجها فلجأت إلى “خلعه”، لتتواجه مع مادة قانونية تخص المتقاضيات وفق القانون الجعفري من قانون الأسرة البحريني الذي ينص على ضرورة أن تدفع المرأة ” بذلا” لزوجها، بمعنى أن تدفع مبلغا ماديّا نظير ما دفعه من مصاريف أثناء فترة الزواج مقابل منحها حريتها.
تتحدث تجارب عن انتهاكات تتعرض لها بعض النساء في البحرين، فمن جهة، يبرز الجهاز القضائي الذي يرجع تقييم الضّرر الحاصل على الزوجة إلى تقدير القاضي الشرعي.
ومن جهة أخرى ظلم الزوج الذي كثيرا ما يفجر في الخصومة فينتقم من زوجته ويحرمها من حقها في إنهاء الزواج واختيار طريق جديد لحياتها، في مساومة واضحة على حريتها ومتاجرة لا إنسانية بحياتها ومستقبلها.
المرأة المعلّقة في البحرين، امرأة جار عليها الزمن والزوج والقانون والنظام الإداري، يستغلها زوجها ليعيش رغد العيش بعد الانفصال عنها مطالبا إياها بأن تدفع مقابل حريتها كل دينار صرفه عليها.
وهي امرأة ظلمها القضاء الذي يوكل مهمّة تحديد الضرر الواقع عليها إلى القضاة وقناعاتهم، تتوقف حياة المرأة المعلّقة وترهن بالرجوع إلى بيت الزوجية أو دفع مبالغ طائلة مقابل حريتها، وهو ما يعتبر انتهاكا لكل المواثيق الدولية التي تكرّس منح المرأة حقوقها كاملة، وأهمّها الحرية في مختلف تمظهراتها، بل إنّه يرقى إلى مستوى الجريمة الإنسانية.
قضية النساء المعلّقات ليست بجديدة، فهي ما انفكّت منذ سنوات طويلة تظهر إلى السطح فترة، ثم تعود لتركن ملفات هذه القضايا على رفوف المحاكم في انتظار حلول فرديّة تتمحور في أغلبها حول توفير المبالغ التي يطالب بها الأزواج.
وفي ما عدا ذلك فإن عجلة الزمن تتوقف بهؤلاء النسوة، في بلد يرفض حتى تغيير عنوان سكنهن ويلحّ في كل مرّة يحاولن فيها ذلك، على تذكيرهن بأنهن مازلن على ذمّة رجل يتحكم بمصائرهن.
يمثّل اقتراح مقدم لدى مجلس النواب لتعديل المادة (٩٥) من القانون رقم ١٩ لسنة ٢٠١٧ بشأن قانون الأسرة، أحد أبرز الحلول التي قدّمت للبتّ في هذه القضايا التي تؤرق العديد من الأسر البحرينية وتضجّ مضاجعها.
ويتلخّص التعديل في حذف عبارة “رضى الزوج” من البند (٢) من المادة (٩٥) والتي تؤكّد وفقا للفقه الجعفري بأنه يحقّ “للزوجة أن تطلب إنهاء عقد الزواج بالخلع ببذل منها ورضى من الزوج”.
وبالتالي يكون للقاضي القرار بالحكم بالخلع مقابل بدل لا يزيد عن الصداق بمعنى قيمة المهر والشبكة التي قدّمها لها، وهو ما من شأنه أن يمنع الممارسات الابتزازية التي يلجأ إليها بعض الأزواج.
من جهة أخرى، يعتبر العديد من القانونيين والحقوقيين أنه قد آن الأوان للعمل على تطوير الجهاز القضائي في البحرين ليواكب متغيرات العصر ويعتبرون أنه من غير المقبول أن تكون الأحكام القضائية مرهونة بتقديرات القضاة وأهوائهم وحتى قناعاتهم.
وهو ما يسبّب ضررا وظلما كبيرين للمتقاضين الذين يلجؤون إليهم بغية إنصافهم، إذ لابدّ أن يحتكم الجميع إلى القانون ونصوصه.
ومن هذه المنطلق يعتبر هؤلاء أن الخطوة الأولى في طريق تطوير الجهاز القضائي تستوجب تعيين قضاة خريجي كليات الحقوق بدلا من شيوخ الدّين.
وهو تقريبا ما نادى به الاتحاد النسائي في البحرين من خلال مطالبته بـ”رفد القضاء بشقيه السّني والجعفري بالمبادئ الأساسية والمواد القانونية المراعية للمتغيرات الحياتية والمواكبة لتطبيقات العدالة داخل الأسرة، وصولاً إلى ضبط الأحكام الشرعية في أجلٍ مُناسب، محققاً للعدالة والإنصاف لكل أفراد الأسرة”.
على أنه وبالنظر إلى تفشي هذه الظاهرة والتي تتّخذ من الشرع والقانون غطاء لها، وباعتبار حجم الظّلم المسلط على المرأة البحرينية على الرغم من كل الحقوق التي تتمتّع بها اليوم وبالنّظر إلى تمكّنها من إثبات ذاتها ونجاحها في اعتلاء أرقى المناصب، فإنّه من الإجحاف ومن المسيء أن تقبع بعضهن في ركن بعيد متألمات ومجروحات بأمر القانون والشرع أيضا.
الإشكالية الكبرى تتمحور في عدم وجود قانون موحّد، أو ما يمكن أن نعتبره قانونا محايدا تكون المواثيق والمعاهدات الدولية ملهمه الأول. وليكن للبحرينيين الحق في اختيار القانون الذي يحتكمون إليه، سنيا كان أو جعفريا أو مدنيا.
فبالنظر إلى طبيعة المجتمع البحريني، الذي تنتصر فيه كل طائفة لفقهائها وشيوخها وهو ما نتج عنه هذه النسخة من قانون الأسرة أو قانون الأحوال الشخصية الذي أقرّ في العام ٢٠٠٩ وامتنعت فيه آنذاك الطائفة الشيعية عن الارتباط به خشية أن يتحوّل تنظيم الأحوال الشخصية وسيلة لتدخّل الدولة في الشّأن الديني الخاص.
وفي العام ٢٠١٧ صدر القانون الموحّد للأسرة والذي تضمّن العديد من البنود التي تختلف فيها الأحكام الخاصة بالطائفة السّنيّة عن تلك التي تخصّ الطائفة الشيعية.
ما يجعل من هذا الملف مربكاً هو أنه لا يرتبط بإشكاليات فقهية وحسب، بل تمتد فضاءات الجدل إلى تداعيات الواقع السياسي في البحرين المرتبك في البحرين.
تظهر هنا تصريحات رجال الدين والقضاة الذين اعتبروا كثيراً من خطابات المنتقدين لهم مبالغاً فيها ومتورطة في أجندات سياسية.
في هذا السياق، تبدو المؤسسة الدينية (الشيعية) في البحرين أكثر تردداً ومحافظة في القبول بأي تدخل في القضاء الشرعي الذين يعتبرون المساس به مساساً بالطائفة كلها.
على أي حال، أثبتت تجربة السنوات الأربع التي تلت إقرار قانون الأحوال الشخصية، وجود هنات كثيرة سواء كان ذلك فيما يتعلّق بالشقّ السّني أو الشقّ الشّيعي.
وبما أنّ القوانين تتغيّر وتتطوّر لتواكب المتغيّرات يبدو الأولى إقرار قانون مدني موحّد لكل البحرينيين على اختلاف مذاهبهم وطوائفهم، على أن يكون للزوجين الحرية في اختيار القانون الذي يقبلون التقاضي به.
البحرينيون اليوم لابد أنهم باتوا أكثر وعياً في اتخاذ القرارات بعيداً عن العواطف التي كانت تتحكّم في اختياراتهم، خصوصا وأن قضية المعلّقات لامست عائلات عدة، وأن هنات القانونين، السّني والجعفري، أصبحت مكشوفة للجميع.