العمال المهاجرون في البحرين.. استغلال يرقى إلى العبودية الحديثة

في قلب الطفرة الاقتصادية التي تعيشها البحرين، يقبع آلاف العمال المهاجرين الأجانب تحت ظروف قاسية توازي ما يرقى إلى العبودية الحديثة.
فبينما تتباهى البلاد بمشاريعها العمرانية العملاقة واستثماراتها في قطاعات السياحة والمال والطاقة، يكشف واقع العمالة الأجنبية الوجه المظلم لهذا النمو، حيث يعيش هؤلاء العمال في مساكن مكتظة، ويعملون ساعات طويلة تحت حرارة مرتفعة، ويتعرضون لانتهاكات جسدية ونفسية وجنسية، مقابل أجور زهيدة لا تكفي للحد الأدنى من المعيشة.
وأشارت تقارير متطابقة لمنظمات حقوقية إلى أن المساكن المخصصة للعمال غالباً ما تفتقر إلى أدنى معايير الصحة والسلامة، إذ يتكدس عشرات الأشخاص في غرف ضيقة بلا تهوية أو مرافق صحية مناسبة. بعض العمال ينامون على الأرض أو يتناوبون على الأسرة في ما يعرف بـ “نظام النوبات”.
وتؤكد تلك المنظمات أن هذه الظروف لا توفر الراحة الضرورية بعد أيام عمل قد تتجاوز 12 ساعة متواصلة في مواقع بناء مكشوفة لحرارة الصيف القاسية.
ويتحدث العمال أنفسهم عن نقص الغذاء والرعاية الطبية، حيث يُترك المصابون بإصابات عمل أو بأمراض مهنية لمصيرهم دون علاج مناسب. في بعض الحالات، يواجهون خطر الطرد من السكن إذا طالبوا برعاية صحية أو اعترضوا على ظروفهم.
نظام الكفالة: أداة للسيطرة
القضية الأكثر إثارة للقلق تظل استمرار نظام الكفالة، الذي يمنح أصحاب العمل سلطة شبه مطلقة على العمال الأجانب. بموجب هذا النظام، لا يستطيع العامل تغيير وظيفته أو مغادرة البلاد إلا بإذن خطي من “الكفيل”، ما يخلق بيئة مثالية للاستغلال.
هذا الوضع يسمح بممارسات واسعة تشمل: مصادرة جوازات السفر فور وصول العمال وحجز الأجور لشهور، أو دفعها جزئياً وحرمان العمال من الإجازات أو أي فترات راحة منتظمة فضلا عن التضليل في العقود عبر وعود برواتب عالية وظروف جيدة في بلدهم الأم، ليتفاجؤوا بعد وصولهم بأعمال شاقة وأجور أقل بكثير.
والنتائج على العمال كارثية. كثير منهم يُدفع إلى الفقر المدقع بسبب الأجور المتأخرة أو المقتطعة. محاولات “الهروب” من أماكن العمل غير الإنسانية غالباً ما تنتهي بعقوبات قانونية أو الترحيل القسري.
كما أن بعضهم يتعرض للسجن بتهمة “العصيان”، في حين يتعرض آخرون لمضاعفات صحية خطيرة أو حتى الوفاة في ظروف يصفها الناشطون بـ “الغامضة”.
ورغم فداحة هذه الممارسات، يواصل أصحاب العمل استغلال العمال بإفلات شبه تام من العقاب، مستفيدين من ضعف التشريعات أو من غياب الإرادة السياسية لإنفاذها.
العبودية الحديثة في قلب الاقتصاد
تشير منظمات حقوق الإنسان إلى أن الطفرة الاقتصادية في البحرين، بما في ذلك مشاريع البنية التحتية الضخمة واستثمارات السياحة، قامت على عرق هؤلاء العمال الذين يعيشون في ظروف استعبادية.
ومن دون هذه العمالة الرخيصة والمستضعفة، كان من الصعب إنجاز مشاريع الموانئ والفنادق والمجمعات السكنية التي تُعرض كرموز للتقدم.
لكن الثمن الإنساني لهذه الطفرة باهظ. فالمكاسب الاقتصادية للدولة والمستثمرين تأتي على حساب حياة وكرامة مئات الآلاف من العمال، الذين يفتقرون لأي حماية فعالة من الانتهاكات.
انتقادات دولية ومحلية
منظمات مثل هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية سبق أن دعت البحرين مراراً إلى إلغاء نظام الكفالة وتعزيز القوانين العمالية لتتوافق مع معايير منظمة العمل الدولية. كما طالبت بضمان حرية تنقل العمال، وتوفير قنوات لتقديم الشكاوى دون خوف من الانتقام.
داخل البحرين، بدأت أصوات محدودة من ناشطين محليين وأكاديميين تنتقد الوضع علناً، معتبرة أن استمرار هذه السياسات يسيء إلى صورة البلاد الدولية ويعرّضها لاتهامات بارتكاب “العبودية الحديثة”.
بدورها الحكومة البحرينية أعلنت في أكثر من مناسبة عن نيتها إصلاح نظام الكفالة أو استبداله بآليات أكثر عدالة. لكن هذه التصريحات غالباً ما بقيت حبراً على ورق، أو جاءت بقرارات جزئية لم تُترجم إلى تحسين ملموس في حياة العمال.
في المقابل، يرى مراقبون أن التردد في تنفيذ إصلاحات جوهرية يعود إلى اعتماد الاقتصاد البحريني على العمالة المهاجرة الرخيصة، وإلى النفوذ الواسع لأصحاب الشركات الذين يستفيدون من بقاء النظام الحالي.
وبالمحصلة فإن استغلال العمال المهاجرين في البحرين يتجاوز مجرد انتهاكات عمالية إلى منظومة ممنهجة من العبودية الحديثة، حيث تُسلب الحقوق الأساسية ويُختزل البشر إلى أدوات عمل بلا كرامة ولا حماية.
وبينما تستمر المشاريع الاقتصادية الفاخرة في التوسع، يظل آلاف العمال يعيشون في الظل، يكدحون بأجور زهيدة وظروف غير إنسانية، لتبقى قصة نجاح البحرين الاقتصادية مرهونة بمعاناة بشرية لا يجوز تجاهلها.