Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
أخبار

قرارات تُفقر المواطن: البحرين تمضي في تحميل الشعب كلفة أزمتها المالية

أثارت المقترحات الحكومية البحرينية المتعلقة بمراجعة دعم تعرفة الكهرباء والغاز عاصفة من الانتقادات السياسية والاجتماعية، وسط تحذيرات من أن هذه الإجراءات تُفقر المواطن وتمسّ جوهر الاستقرار المعيشي وتضرب الطبقة الوسطى في صميمها.

فقد أعلنت سبع جمعيات سياسية بحرينية رفضها القاطع لما تم تداوله عقب الاجتماع المشترك بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، معتبرة أن الحكومة اختارت الطريق الأسهل والأكثر كلفة اجتماعيًا: تحميل المواطن فاتورة الأزمة المالية.

وأكدت الجمعيات، في بيان مشترك، أنها لا تقلل من خطورة التحديات التي تواجه المالية العامة للدولة، لكنها شددت على أن معالجة العجز لا يمكن أن تتم عبر تقليص دعم الخدمات الأساسية، وفي مقدمتها الكهرباء، التي تمثل حاجة حيوية لا غنى عنها في بلد يتسم بمناخ قاسٍ ودرجات حرارة مرتفعة معظم أشهر السنة.

ورأت أن قصر دعم التعرفة على الشريحتين الأولى والثانية يعني عمليًا دفع غالبية الأسر البحرينية تلقائيًا إلى الشريحة الثالثة ذات الكلفة المرتفعة، من دون أي إسراف أو سلوك استهلاكي غير مسؤول.

ويتجاهل هذا الطرح الحكومي، بحسب الجمعيات، الواقع الاجتماعي للأسر البحرينية، حيث تعيش في كثير من الحالات أكثر من أسرة في منزل واحد نتيجة تأخر المشاريع الإسكانية وارتفاع تكاليف المعيشة.

ومع بقاء آلاف الطلبات الإسكانية عالقة لأكثر من عشرين عامًا، بات التعايش القسري داخل المنازل أمرًا واقعًا، يرفع الاستهلاك الكهربائي بشكل حتمي. ومع ذلك، تُصر الحكومة على معاقبة المواطن بدل الاعتراف بفشل السياسات الإسكانية وتحمل مسؤولياتها.

والقلق لم يقتصر على الجمعيات السياسية. فما إن تسرب خبر مراجعة ملف دعم الكهرباء، حتى بدأ المواطنون بحساب السيناريوهات الأسوأ، خصوصًا في فصل الصيف، حيث تتضاعف فواتير الاستهلاك.

ورأت مصادر اقتصادية أن المقترح الحكومي قد يكون جسّ نبض، تمهيدًا لإقراره إذا لم يواجه رفضًا شعبيًا واسعًا، وهو ما يفتح الباب أمام مواجهة اجتماعية جديدة بين الشارع والسلطة.

وفي هذا السياق، يبرز دور المجلس النيابي بوصفه الحلقة الأضعف في المعادلة. فبحسب المصادر، لم يتقدم النواب بأي بدائل أو مقترحات عملية خلال الاجتماع المشترك، مكتفين بدور المتفرج أمام مبادرات حكومية تمسّ حياة المواطنين اليومية.

ويعكس هذا التلكؤ النيابي وفق مراقبين، أزمة تمثيل حقيقية، حيث يغيب الصوت المدافع عن المواطنين في لحظة مفصلية تتطلب جرأة سياسية لا مجاملات.

اقتصاديًا، تكشف قراءة أعمق لجذور المشكلة أن العبء المالي الضخم لدعم الكهرباء والماء لا يعود إلى استهلاك المواطنين بقدر ما يرتبط بخيارات الخصخصة.

فالدولة، وفق المصادر، تشتري الكهرباء من الشركات الخاصة بسعر مرتفع يصل إلى 29 فلسًا للكيلوواط/ساعة، ثم تبيعها للمواطنين بأسعار مدعومة تبدأ من 3 فلوس.

الأمر ذاته ينطبق على المياه، حيث تتحمل الخزينة العامة فارقًا هائلًا بين سعر الشراء وسعر البيع. ورغم ذلك، بدل مراجعة عقود الخصخصة أو إعادة النظر في بنية الإنتاج، يجري توجيه السهام نحو المستهلك النهائي.

ولا يتوقف الأمر عند الكهرباء والماء. فالمقترحات تشمل أيضًا رفع دعم الغاز عن الشركات والمصانع الصغيرة والمتوسطة، ما ينذر بارتفاع تكاليف الإنتاج وانعكاسها مباشرة على أسعار السلع والخدمات. وهو ما يعني أن المواطن سيدفع الثمن مرتين: مرة عبر فاتورة الكهرباء، ومرة عبر غلاء المعيشة.

وترى المصادر الاقتصادية أن الحلول البديلة موجودة، لكنها غائبة عن الطرح الرسمي. من بين هذه الحلول: إعادة محطات إنتاج الكهرباء والماء إلى ملكية الدولة، بما يخفف كلفة الشراء من الشركات الأجنبية، ويخلق فرص عمل جديدة للمواطنين، ويعزز إيرادات التأمين الاجتماعي.

كما تقترح الجمعيات فرض ضرائب عادلة على الشركات الكبرى وأصحاب الثروات العالية، ورفع أسعار الغاز على القطاع الصناعي الكبير بدل حماية أرباحه على حساب جيوب المواطنين، إلى جانب فرض ضرائب على الأراضي البيضاء غير المستغلة وتقليص الترهل الإداري.

والأخطر، بحسب تحذيرات الجمعيات، هو الحديث عن توحيد شرائح الكهرباء بسعر واحد يبلغ 18 فلسًا، ما يعني عمليًا مضاعفة الفواتير في أشهر الصيف. مثال بسيط يوضح حجم الصدمة: فاتورة صيفية بقيمة 75 دينارًا قد تقفز إلى أكثر من 150 دينارًا، وهو عبء لا تستطيع غالبية الأسر تحمله.

في المحصلة، ترى الجمعيات السياسية أن ما يجري ليس إصلاحًا ماليًا، بل نقلٌ للأزمة من دفاتر الدولة إلى بيوت المواطنين. وهي تحذر من أن الاستمرار في هذا النهج سيقوض الثقة المجتمعية ويعمق الفجوة بين السلطة والشارع.

والإصلاح الحقيقي، كما تؤكد، يبدأ من العدالة الاجتماعية، لا من جيب المواطن، وينتهي بسياسات شفافة تتحمل فيها الدولة مسؤولية خياراتها قبل أن تطلب من الناس شدّ الأحزمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ثلاثة × 2 =

زر الذهاب إلى الأعلى