Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
فضائح البحرين

البحرين بين حماية البيانات والمراقبة البيومترية: حقوق الإنسان في مرمى السيادة الرقمية

على مدار العقد الماضي، شهدت دول الخليج طفرة في سنّ قوانين حماية البيانات الشخصية، كجزء من مساعيها لتقنين جمع ومعالجة معلومات الأفراد في سياق رقمي متسارع.

البحرين، من بين هذه الدول، سارعت إلى تبني تشريعات متقدمة تهدف إلى تنظيم البيانات الشخصية، وخصوصًا البيومترية، لكنها في الوقت ذاته تواجه تحديات كبيرة تتعلق بضمان حقوق الإنسان وحق الأفراد في الخصوصية.

ويشكل القانون رقم (30) لسنة 2018، الذي دخل حيّز التنفيذ في عام 2019، حجر الزاوية في منظومة حماية البيانات في البحرين.

إذ يفرض القانون عقوبات جنائية تصل إلى السجن لمدة عام وغرامات مالية كبيرة على أي معالجة غير مصرح بها للبيانات الشخصية، بما في ذلك البيانات البيومترية والوراثية.

كما يلزم القانون بالحصول على تفويض خطي من الجهة المختصة قبل أي معالجة لهذه البيانات، ما يجعل البحرين من الدول الخليجية القليلة التي تفرض هذه الدرجة من التنظيم القانوني الصارم على استخدام المعلومات البيومترية.

في ظاهر الأمر، يبدو هذا القانون خطوة متقدمة لتعزيز خصوصية الأفراد، لكنه يفتح الباب لتساؤلات عميقة حول فعاليته على أرض الواقع، خاصةً في ظل استثناءات واسعة تسمح للسلطات بجمع البيانات دون موافقة أصحابها تحت مسمّى “الأمن القومي” أو “المصلحة العامة”.

وتمنح هذه الصياغات الفضفاضة النظام الخليفي هامشًا واسعًا لتوظيف البيانات البيومترية لأغراض المراقبة، بما في ذلك مراقبة النشاط السياسي والاجتماعي للمواطنين، وهو ما يثير قلقًا متزايدًا لدى نشطاء حقوق الإنسان.

وقد وسعت البحرين، مثلها مثل دول خليجية أخرى، استخدام التقنيات البيومترية، لا سيما التعرف على الوجه ومسح بصمات الأصابع، في المؤسسات الحكومية والمرافق العامة.

وتحمل هذه التقنيات، على الرغم من أهميتها في تسهيل الإجراءات الإدارية، مخاطر كبيرة إذا أسيء استخدامها. إذ يمكن للسلطات توظيفها لتتبع المواطنين، تحديد أماكن تواجدهم، وربما التمييز ضد معارضيها السياسيين أو نشطاء المجتمع المدني. وهذا يضع حماية البيانات الشخصية في مواجهة مباشرة مع أهداف الدولة الأمنية.

من جهة أخرى، يتضح أن تطبيق القانون البحريني على أرض الواقع لا يزال محدودًا. فهناك تقارير تشير إلى غياب مؤسسات رقابية مستقلة لضمان التزام الجهات الحكومية بخطوط العمل القانونية، مما يخلق فجوات كبيرة في المساءلة.

وتؤكد هذه الفجوات أن حماية البيانات في البحرين، رغم صرامتها الشكلية، لا تترجم بالضرورة إلى حماية فعلية للخصوصية الفردية.

تجدر الإشارة إلى أن البحرين تبنت توجهًا رسميًا يتمثل في تصنيف بعض الدول كـ”ذات حماية كافية” للبيانات الشخصية عند نقلها عبر الحدود.

وفي خطوة مثيرة للجدل، أدرجت البحرين الكويت ضمن هذه القائمة، رغم أن الأخيرة لم تصدر بعد نظامًا محددًا لحماية البيانات الشخصية، ما يعكس التناقضات في تطبيق القانون وتقييم الالتزام الفعلي بالدفاع عن الخصوصية.

على الصعيد الحقوقي، يشدد القانون البحريني على أن البيانات البيومترية يجب التعامل معها بشفافية ومسؤولية، إلا أن غياب آليات رقابية مستقلة يقوض من هذه الالتزامات.

كما أن القانون لا يحدّد تفاصيل دقيقة لكيفية التعامل مع البيانات البيومترية في حالات الطوارئ أو الأمن الوطني، ما قد يفتح المجال أمام تفسير واسع يسمح بالانتهاك تحت ذريعة الضرورة الأمنية.

ويؤكد مراقبون أن تركيز البحرين على حماية البيانات البيومترية يظهر التوتر الكبير بين الرغبة في تطوير البنية الرقمية والمواكبة العالمية، وبين الحفاظ على حقوق الأفراد وخصوصيتهم.

ففي الوقت الذي تروج فيه الدولة لأنظمة متقدمة تشبه اللوائح الأوروبية، يظل الواقع على الأرض مختلفًا، حيث يمكن للمراقبة البيومترية أن تتحول إلى أداة لتقييد الحريات.

ومن منظور حقوق الإنسان، فإن التحدي الأكبر يتمثل في ضمان أن تصبح قوانين حماية البيانات أكثر من مجرد واجهة تشريعية، وأن توفر فعليًا حماية للأفراد من التجاوزات.

وتحقيق ذلك يتطلب بناء مؤسسات رقابية مستقلة، وضمان الشفافية في استخدام البيانات البيومترية، وتحديد حدود واضحة للسلطة، بما يمنع توظيف هذه التقنيات لأغراض سياسية أو قمعية.

وبالمجمل تبرز البحرين كمثال على التوتر الخليجي بين الرقمنة وحماية الخصوصية، حيث يُظهر القانون الصارم على الورق تقدّمًا في تنظيم البيانات البيومترية، بينما تفتح الاستثناءات والغموض القانوني الباب أمام الاستخدامات الأمنية والسياسية للبيانات.

ويضع هذا الواقع مسؤولية كبيرة على الدولة لضمان أن يكون حماية البيانات البيومترية وسيلة لتعزيز الحقوق الأساسية وليس أداة لتعزيز الرقابة والسيطرة، وإلا فإن أي إنجاز تشريعي يبقى مجرد غلاف أمام انتهاك خصوصية الأفراد وحقوقهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

واحد + 15 =

زر الذهاب إلى الأعلى