Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
أخبار

اقتصاد يترنح وفاتورة تسلح تتضخم: كيف تلتهم صفقات السلاح مستقبل البحرينيين؟

في ظل أزمة اقتصادية متفاقمة وواقع اجتماعي يزداد هشاشة، يجد المواطن البحريني نفسه أمام مفارقة صارخة نتيجة واقع دولة صغيرة بحجم موارد محدود، لكن بفاتورة تسلّح تتضخم عاماً بعد عام، حتى بات الإنفاق العسكري واحداً من أكثر البنود استنزافاً للمالية العامة مقارنة بحجم الاقتصاد.

فقد شكل الإعلان الأميركي في مطلع ديسمبر 2025 عن صفقة جديدة مع المنامة بقيمة تقارب نصف مليار دولار لصيانة أسطول طائرات F-16 جرس إنذار جديد حول اتجاهات الحكم في البحرين وأولوياته، في وقت تتوالى الأزمات المعيشية ويُطلب من المواطنين «شد الحزام» بينما تُفتح الخزائن بسخاء غير محدود لصفقات السلاح.

ومع أن البحرين ليست بصدد شراء مقاتلات جديدة، فإن العقد مع واشنطن – الذي تتراوح قيمته بين 445 و455 مليون دولار – يقتصر على خدمات الدعم اللوجستي والفني وقطع الغيار والصيانة الميدانية. بمعنى آخر: نصف مليار دولار لن تضيف للبحرين طائرة واحدة جديدة، بل ستعيد تأهيل الموجود فقط.

ويعكس هذا الرقم حجم الاختلال في معادلة الأمن والاقتصاد. فالصفقة، التي تأتي ضمن حزمة أوسع للمنطقة تتجاوز 1.4 مليار دولار، تكاد توازي ثلث ما تنفقه البحرين سنوياً على الدفاع، وتعيد طرح سؤال جوهري: ما جدوى هذا المستوى من الإنفاق لدولة لا تواجه تهديداً عسكرياً مباشراً، خصوصاً أن بنيتها الاقتصادية والاجتماعية تتعرض لضغط متزايد؟

اقتصاد محدود… وإنفاق دفاعي خارج المقياس

تشير بيانات البنك الدولي ومؤسسات مالية دولية إلى أن البحرين أنفقت في عام 2023 ما يتراوح بين 1.38 و1.44 مليار دولار على الدفاع، أي 3.1% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي أعلى من المتوسط العالمي وأكثر من 10.7% من إجمالي الإنفاق الحكومي، وهي نسبة تتجاوز بكثير ما تطبقه الدول المتقدمة.

كما أن الإنفاق العسكري بين 2017 و2020 تراوح بين 1.3 و1.6 مليار دولار سنوياً، ما يعكس ثباتاً في سياسة التسلّح رغم الضغوط المالية. صفقة F-16 الأخيرة وحدها تساوي تقريباً ما تنفقه الدولة على قطاع الدفاع خلال أربعة أشهر كاملة، في وقت تتصاعد فيه معدلات البطالة ويزداد العبء المعيشي على الأسر البحرينية.

بطالة مرتفعة وسياسات تقشف

على مدى السنوات الماضية، طبقّت الحكومة سلسلة من إجراءات التقشف، شملت رفع الدعم عن الوقود والكهرباء وزيادة الرسوم الحكومية وتوسيع ضريبة القيمة المضافة.

ومع ارتفاع تكاليف السكن والغذاء والخدمات الأساسية، باتت مستويات المعيشة تتراجع بشكل ملحوظ، بينما تشير بيانات مستقلة إلى ارتفاع البطالة، خصوصاً بين الشباب. وفي المقابل، بقي الإنفاق الدفاعي محصناً من أي مساس، بل شهد زيادات متتالية.

ويرى اقتصاديون أن الفجوة بين أولويات الحكومة واحتياجات السكان تتسع كل عام. فبدلاً من توجيه الموارد إلى تنمية القطاعات الإنتاجية، أو دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، أو تحسين نظام الرعاية الاجتماعية، تُضخّ مئات الملايين في عقود صيانة وتسليح، بعضها لا يتناسب مع حجم البلاد ولا حاجاتها الفعلية.

الإنفاق العسكري وتضييق المجال السياسي

تربط منظمات حقوقية دولية بين الإنفاق العسكري المتزايد وبين استمرار القيود السياسية الداخلية.

فالبحرين، منذ 2017، دخلت مرحلة انغلاق سياسي شبه كامل، تميزت باستمرار الاعتقالات ذات الخلفية السياسية وعقد محاكمات جماعية تعتمد على اعترافات مشكوك في صحتها وفرض قوانين العزل السياسي التي تمنع المعارضين السابقين من الترشح أو تولي المناصب إلى جانب تقييد حرية التعبير وإغلاق الصحف المستقلة.

وترى هذه المنظمات أن الدول الغربية، وخصوصاً الولايات المتحدة وبريطانيا، تغض الطرف عن هذا السلوك مقابل عقود دفاعية بمئات الملايين، مما يسهم في إضعاف المسار الإصلاحي الداخلي ويعزز عقلية «الأمن أولاً» حتى في غياب تهديدات حقيقية.

الخليج… لكن بمعادلة مختلفة

بين دول مجلس التعاون، تحتل البحرين موقعاً خاصاً: اقتصاد أصغر، موارد أقل، وتحديات اجتماعية أكبر. ومع ذلك، تأتي نسب إنفاقها العسكري أعلى من دول تمتلك اقتصاداً أكبر بعشرات المرات.

وفي بلد يعاني من ديون مرتفعة واعتماد كبير على الدعم المالي من الجيران، يصبح كل دولار يُصرف بعيداً عن الإصلاح الاقتصادي عبئاً مضاعفاً، وكل صفقة تسليح غير مدروسة تراجعاً جديداً عن مسار التنمية.

ويشدد المراقبون على أنه يمكن للنظام الخليفي استثمار نصف مليار دولار بشكل أفضل عبر برامج تدريب وتأهيل لخفض البطالة، ومشاريع إسكان للفئات المتوسطة، ودعم الابتكار وريادة الأعمال، وتطوير التعليم والبحث العلمي.

إلا أن النموذج الحالي للإنفاق يعكس رؤية تعتبر الأمن العسكري أولوية مطلقة، حتى على حساب الأمن الاجتماعي والتنمية الاقتصادية.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ثلاثة × 5 =

زر الذهاب إلى الأعلى