تحقيق: اكتظاظ في سجون البحرين وتدهور ظروف النظافة
على الرغم من إطلاق سلطات البحرين سراح حوالي 1800 سجين من سجونها سيئة السمعة مع غزو فيروس كورونا البلاد في مارس 2020، لايزال الاكتظاظ وسوء الرعاية الطبية وتدهور ظروف النظافة قائما.
وقد أدى هذا الوضع بالمنظمات غير الحكومية لحقوق الإنسان مثل العفو الدولية إلى مضاعفة جهودها للمطالبة بالإفراج عن الأشخاص الذين يفترض ألا يكونوا أبدا في السجن، أي السجناء السياسيون أو سجناء الرأي.
يدخل إصرار المنظمات غير الحكومية على ضرورة إطلاق المزيد من السجناء ضمن القلق المتزايد بخصوص الوضع في سجون البلاد.
على الرغم من أن الحكومة البحرينية قليلة الشفافية بشأن الموضوع ـ يعود الإعلان الوحيد للسلطات إلى نهاية مارس/آذار 2021، ويذكر ثلاث حالات فقط في سجن جوـ فإن الواقع المبلغ به من طرف معهد البحرين للحقوق والديمقراطية، يذكر على الأقل 138 حالة إصابة بكوفيد منذ مارس/آذار في سجن جو وحده.
من ناحية أخرى، وعلى رغم ادعاءات الحكومة، يستنكر السجناء كون ليس لديهم دائما خيار تطعيمهم، وبأنهم ليسوا كلهم تلقوا التطعيم.
ويبدو أن الخدمة الصحية (لاسيما حملة التطعيم) قاصرة في السجون البحرينية وتشكل مخاطر على صحة السجناء، في حين توفي أحدهم في 9 يونيو/حزيران 2021 بسبب كوفيدـ19.
بالإضافة إلى مسألة الاكتظاظ، هناك تدهور كبير للظروف الصحية والتي لم تعمل الحكومة على حلها على الرغم من الوباء.
ويشير تقرير أمريكي رسمي حول أوضاع حقوق الإنسان في البحرين في 2020 إلى اكتظاظ صارخ من جهة، وإلى صعوبات في الوصول إلى المياه والرعاية الصحية للسجناء من جهة أخرى.
على الرغم من تصريحات الحكومة، أبرزت العديد من التقارير قلة الوصول إلى المياه للاغتسال ونقص مرافق الصرف الصحي أو قلة نظافتها في السجون.
كما أشار معهد البحرين للحقوق والديمقراطية، وهي منظمة غير حكومية بريطانية للدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين، إلى ظهور وباء الجرب في 2020 بسجن جو بسبب ممارسات نظافة سيئة.
إذا سبق وأن كانت ظروف الاعتقال في السجون البحرينية موضع احتجاجات، لا سيما في 2015 في سجن جو، فإن تقاعس الحكومة هو ما يثير القلق الآن، إذ لم يباشر في تطبيق التدابير الصحية مثل التباعد الجسدي إلا في وقت جد متأخر.
في أبريل/ نيسان 2021 أدانت منظمة العفو الدولية مرة أخرى عدم احترام القواعد الصحية في السجون البحرينية وأشارت إلى عدم منح المعتقلين أقنعة أو مواد هلامية كحولية.
وهكذا أدى غياب تدابير النظافة والإجراءات الصحية أثناء الوباء إلى تفاقم الوضع مما عرض صحة المعتقلين للخطر، وهم أحيانا مسنين أو ذوي صحة هشة.
تمييز ضد السجناء السياسيين
دفع المعارضون السياسيون، الذين هم الهدف الرئيسي للنظام، أيضًا ثمن قمع الدولة خلال الأزمة الصحية.
ومنذ انتفاضة 2011 المطالِبة بإصلاحات عميقة للنظام السياسي، أدانت المملكة وسجنت العديد من مناضلي حقوق الإنسان والمعارضين السياسيين أو المحامين بعد محاكمات مجحفة تستند إلى اعترافات وهمية أو تم الحصول عليها تحت التعذيب.
في حين تم الإفراج عن حوالي 1500 سجين في تطابق مع التوصيات الدولية الهادفة إلى مكافحة انتشار الفيروس في الأماكن المغلقة، لم تمس هذه الإجراءات إلا عددا جد قليل من السجناء السياسيين المعتقلين منذ سنة 2011، والذي يقدر عددهم، بـ4000 سجين.
ويشير تقرير لمنظمة “سلام من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان” إلى أنه تم إطلاق عدد قليل فقط من السجناء السياسيين خلال هذه الفترة، مثل نبيل رجب، المناضل البارز لحقوق الإنسان في البحرين ورئيس مركز البحرين لحقوق الإنسان.
وأدين رجب بالتحريض على الكراهية ضد النظام ونشر أخبار كاذبة بسبب تغريداته ضد الحرب في اليمن، والذي أطلق سراحه في 9 يونيو/حزيران 2020.
وقد استمر هذا التمييز ضد السجناء السياسيين في إطار الأزمة الصحية حيث تدهورت ظروف الاعتقال بشكل خاص.
وأبرز الطابع المعدي الشديد لكوفيدـ19 بشكل خاص المشكلة الهيكلية لاكتظاظ السجون.
وسجن جو، وهو الأكبر في البلاد، يأوي 2700 سجين في حين لا تتجاوز قدرته 1201 سجين فقط، وفق منظمة “حقوق الإنسان أولا” (المعروفة سابقا باسم لجنة المحامين لحقوق الإنسان)، وهي منظمة غير حكومية أمريكية ممنوعة من دخول البحرين منذ 2012.
ممنوعون من الرعاية الطبية
ليس غياب النظافة هو العامل الوحيد لتدهور ظروف الاعتقال.
وقد سبق في سبتمبر أيلول 2019 أن وجه فريق الأمم المتحدة الخاص بالاعتقال التعسفي والمقرر الخاص لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة والمقرر الخاص بحق كل فرد التمتع بأفضل مستوى ممكن من الصحة البدنية والمعنوية.
وأبلغ الفريق حكومة البحرين قلقهم لرفضها المزعوم توفير الرعاية الصحية الملائمة والضرورية لمشاكل صحية خطيرة تتعلق بعشرات المعتقلين في سجن جو.
على الرغم من تأكيد الحكومة على أن السجون مجهزة بطواقم طبية متمرسة وبمعدات حديثة، قال السجناء إنهم واجهوا صعوبات في الحصول على الرعاية، بما في ذلك الذين يعانون أمراضا مزمنة تتطلب رعاية منتظمة.
ويشير تقرير مشترك صادر عن المنظمات غير الحكومية “منظمة سلام من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان” و”منتدى البحرين لحقوق الإنسان”، إلى أن أخطر أشكال التعذيب وسوء المعاملة التي تم الكشف عنها في السنة الأخيرة في السجون هي الحرمان من الرعاية الطبية.
وبالفعل وفقا لهذا التقرير “سجلت بين يناير/كانون الثاني 2019 و15 مارس/آذار 2021 الحالي، 776 حالة انتهاك الحق في تلقي علاج طبي ملائم وضروري”.
زتجلى هذا الحرمان من الرعاية الصحية، الذي يتعارض مع الالتزامات الدولية للبحرين في مجال حقوق الإنسان، بشكل خاص ضد وجوه المعارضة السياسية المسجونين مثل حسن مشيمع وعبد الجليل السنكيس، اللذان يعانيان من أمراض مزمنة مختلفة.
تناولت بدورها المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان القضية في 2021 بعد القمع العنيف الذي تعرض له اعتصام سلمي نظم بسجن جو في أعقاب وفاة السجين السياسي عباس مال الله، بتاريخ 5 أبريل/نيسان 2021 بسبب عدم تمكنه من الحصول على العلاج الطبي الذي كان يحتاجه.
طلبت الأمم المتحدة الحكومة بإجراء “تحقيق معمق وناجع حول القمع العنيف للاعتصام”، بالإضافة إلى معلومات عن أوضاع المعتقلين وضمان حصولهم على الرعاية الطبية.
في حين واصل ناطق باسم الحكومة المزاعم بأنه لا يوجد أية حالات نشطة لفيروس كورونا في سجن جو وبأن المعتقلين يمكنهم الوصول إلى الفحوصات والتطعيم.
أثارت وفاة السجين السياسي حسين بركات في 9 يونيو/حزيران 2021 بسبب مضاعفات مرتبطة بكوفيد ـ 19 بدورها استنكارا شعبيا.
فقد تجمع مئات المتظاهرين في شوارع الدية، متهمين ملك البحرين حمد بن عيسى بالمسؤولية عن وفاة حسين بركات، الذي كان قد تلقى جرعتين من لقاح سينوفارم، ولكن لم يؤخذ تدهور حالته الصحية بعين الاعتبار من طرف سلطات السجن.
وبحسب منظمة سلام للديمقراطية وحقوق الإنسان، “على الرغم من تشخيص حالة حادة من نقص الاكسجين، أعيد بركات إلى زنزانته حيث مكث خمسة أيام قبل أن تتدهور حالته الصحية بسرعة”.
أدلى الملك حمد بن عيسى آل خليفة بتصريح رسمي بمناسبة الذكرى السنوية للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ادعى فيه أن “القيم الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان” هما “الجناحان اللذان سيرافقان البحرين إلى المستقبل”.
لكن هذا التصريح يفقد بريقه أمام واقع الوضع الصحي.
وتنغلق الدولة الخليجية، التي أظهرت على الدوام عدم اكتراثها بالإدانات الدولية، على نمط قمعي أكثر فأكثر غير مبالية بحقوق الإنسان، على الرغم من تحذيرات المنظمات غير الحكومية والمجتمع الدولي.
ويثير استغلال الأزمة الصحية لتكثيف القمع والرقابة، خاصة ضد السجناء السياسيين، القلق بخصوص مستقبل البلاد الذي يبتعد كل يوم أكثر عن انتقال ديمقراطي.