Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
مؤامرات وتحالفات

“العيد الوطني” في البحرين: طقس ولاء لعائلة لا مناسبة لوطن

يجمع مراقبون على أن ما يُسمّى في البحرين “العيد الوطني” لا يقوم بوظيفة وطنية بالمعنى السياسي أو الاجتماعي، بل يؤدي دورًا دعائيًا واضحًا يقوم على إعادة إنتاج شرعية الحكم عبر احتفال مُغلَق، يتم فيه تقديم العائلة الحاكمة بوصفها الوطن، والتاريخ، والدولة، والمصير.

في هذا المشهد، لا يظهر المجتمع كصاحب بلد، بل كمجرد جمهور مطلوب منه التصفيق والمشاركة الشكلية، لا المساهمة أو الشراكة.

فالاحتفال الرسمي لا يعكس ذاكرة وطنية جامعة، بل سردية أحادية تبدأ بوصول آل خليفة إلى الحكم وتنتهي عند تمجيد استمرارهم فيه.

وما قبل هذه اللحظة يُمحى، وما بعدها يُعاد صياغته ليخدم فكرة واحدة: أن الدولة منحة، وأن الحكم قدر، وأن العائلة أصل كل شيء. بهذا المعنى، لا يكون العيد مناسبة للاحتفال بالبحرين، بل مناسبة لتكريس اختزالها.

ويشير المراقبون إلى أنه في الدول التي تُبنى على عقد اجتماعي، يُفترض أن يكون العيد الوطني تتويجًا لمسار نضالي أو لحظة توافق جماعي على شكل الدولة ومصيرها.

لكن في البحرين، لا وجود لهذا المعنى، إذ لا يُحتفى بإرادة شعبية، ولا بدستور نابع من توافق، ولا بمحطات شارك فيها المجتمع في صناعة القرار. ما يُحتفى به هو استمرار الحكم، لا قيام الدولة.

واللافت أن العيد، كما يُدار رسميًا، يتجاهل بشكل منهجي كل تاريخ البحرين السياسي والاجتماعي الذي لا يتقاطع مع الرواية السلطوية. لا مكان لهيئة الاتحاد الوطني، ولا لانتفاضات العمال، ولا للحركة الدستورية، ولا لمطالب الإصلاح التي شكّلت وعي المجتمع السياسي منذ خمسينيات القرن الماضي.

وهذه الوقائع لا تُدرَّس، لا تُذكر، ولا تُستحضر، لأنها تقوض الفكرة الأساسية التي يريد النظام تثبيتها: أن الوطن وُلد مع العائلة، وأن أي فعل سياسي خارجها هو خروج على “الوطن”.

كما أن هذا الإلغاء المتعمد للذاكرة ليس تفصيلاً، بل سياسة. فالنظام لا يستطيع أن يحتفل بتاريخ صنعه الناس، لأن ذلك يفتح الباب للسؤال عن الحاضر: من يملك القرار؟ من يحدد المصير؟ من يُحاسَب؟ لذلك تُستبدل الذاكرة الوطنية بالصور، والنقاش بالأناشيد، والحقوق بالاستعراض.

وفي كل عام، تتكرر الطقوس نفسها، صور الحاكم أكثر من أعلام الدولة، خطاب الولاء أعلى من صوت المطالب، الاحتفال بالشخصيات أعلى من أي اعتراف بالمجتمع. يُطلب من المواطن أن يكون حاضرًا في الصورة، لا في القرار. أن يكون مشاركًا في الزينة، لا في السيادة. وهنا تتحول “الوطنية” إلى التزام شكلي، لا انتماء سياسي حقيقي.

الأخطر أن هذا النموذج من الاحتفال يعمّق الانقسام بدل أن يخففه. لأنه لا يعترف بتعدد البحرين، ولا بتنوعها الاجتماعي والسياسي، ولا بحق مواطنيها في رواية تاريخهم. العيد يُدار بعقلية الغالب والمغلوب: سلطة تُعرّف الوطن، ومجتمع يُطلب منه قبول التعريف أو الصمت. لا شراكة، ولا مساواة رمزية، ولا اعتراف متبادل.

لهذا السبب، يشعر قطاع واسع من البحرينيين بالاغتراب عن هذا “العيد”. ليس رفضًا للوطن، بل رفضًا لاحتكار الوطن. ليس كراهية للانتماء، بل رفضًا لسردية تقصيهم. كيف يمكن لمواطن أن يحتفل بتاريخ يُمحى فيه، وحاضر يُهمَّش فيه، ومستقبل لا يُستشار فيه؟

وفي التجارب السياسية الحديثة، العيد الوطني يكون لحظة مراجعة: ما الذي تحقق؟ ما الذي فشل؟ ما الذي يجب إصلاحه؟ في البحرين، العيد محصّن ضد أي سؤال. لا مكان للنقد، ولا للاعتراف بالأخطاء، ولا حتى بالإخفاقات الواضحة في ملف الحقوق والحريات. السلطة لا تُراجع نفسها، بل تُعيد تمجيد ذاتها.

وحين يتحول العيد إلى منصة تقديس لعائلة، فهذا ليس احتفالًا، بل إعلان سياسي واضح: الدولة ليست ملكًا عامًا، بل ملكية خاصة. الوطن ليس فضاءً مشتركًا، بل ملحق بالحكم. والمواطنة ليست حقًا، بل وظيفة بروتوكولية.

لهذا، فإن “العيد الوطني” في البحرين، بصيغته الحالية، ليس بلا مضمون فقط، بل بلا وطنية. لأنه لا يحتفل بالشعب، ولا يعترف بتاريخه، ولا يفتح أفقًا لمستقبل تشاركي. هو عيد سلطة، لا عيد دولة. عيد عائلة، لا عيد وطن. وما دام الاحتفال يُدار بهذه العقلية، سيبقى العيد لهم وحدهم، مهما طُلب من الناس أن يشاركوا فيه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

4 × 1 =

زر الذهاب إلى الأعلى