Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
أخبار

منتدى الملك حمد للعدالة.. مزيد من الميزانيات لتلميع القمع في البحرين

لم تعد كلمة “منتدى” في البحرين مجرد حدث ثقافي أو سياسي، بل باتت مرادفًا لعروض تزيينية لتجميل صور القمع والاستبداد في ثوب قانوني. أحدث هذه العروض جاء باسم براق وجذاب: “منتدى الملك حمد للعدالة”، عنوان ضخم على بلد لم يعرف العدالة سوى كضيف عابر في بيانات العلاقات العامة والمناسبات الرسمية.

وقد أقيم المنتدى قبل أيام في مركز عيسى الثقافي، المكان الذي تختاره السلطة لتطل من خلاله على العالم، محاولة تصوير نفسها كدولة مؤسساتية، بينما في الداخل يُسجن المعارضون، تُغلق المساجد، وتُكمم الأفواه.

وامتلأت القاعة بالوزراء والوجهاء، يستمعون بوقار إلى خطاب ولي العهد الذي تحدث عن العدالة والثقة والازدهار، وكأن البلاد لا تعرف سوى أحكام السجن المؤبد وسحب الجنسية التعسفي.

لكن العدالة التي يُروج لها المنتدى لا تمت للواقع بصلة، فهي ديكور سياسي يُصمم لتلميع صورة النظام أمام المجتمع الدولي.

فالمنتدى لم يُنشأ لمناقشة إصلاح القضاء، أو البحث في ملفات المعتقلين، بل لتسويق محكمة البحرين التجارية الدولية كإنجاز قانوني يطمئن المستثمرين الأجانب. العدالة هنا اقتصادية تجارية، تُقاس بعدد العقود والأعمال التجارية، لا بعدد الحقوق الإنسانية المنتهكة.

وهنا تساؤل مراقبون هل أُثيرت خلال المنتدى قضية المعتقلين السياسيين الذين حُكم عليهم بناءً على اعترافات انتُزعت تحت التعذيب؟ هل تطرق أحد المتحدثين إلى المحامين الذين يُعتقلون لمجرد دفاعهم عن حقوق الإنسان؟ بالطبع لا.

فالمنتدى لا يحتمل “تشويشاً” على صورته اللامعة والمهم أن يخرج الضيوف الأجانب بانطباع أن البحرين جنة العدالة الاستثمارية، حتى لو كان ذلك على حساب العدالة الإنسانية الفعلية.

العنوان نفسه يكشف الكثير: “منتدى الملك حمد للعدالة”. العدالة في البحرين هنا ملكية شخصية تُنسب للحاكم كما تُنسب المشاريع الاقتصادية الضخمة، وليس قيمة جماعية أو نظامًا قضائيًا مستقلاً. هذا يوضح أن العدالة في البلاد شأن سلطاني قبل أن تكون قضائية.

في كلمته، قال ولي العهد إن “العدالة تتحقق عبر مؤسسات قوية”، لكن الحقيقة أن المنتدى ذاته ليس مؤسسة، بل مجرد شعار ضخم. الواقع على الأرض عكس ذلك تمامًا: شعارات مكررة عن “سيادة القانون” و”الشفافية”، بينما يُحاكم المغرد على كلمة، وتُسحب جنسية الأكاديمي، ويُمنح الإذن بالعمل لقائد ميليشيا إلكترونية موالية للنظام.

المنتدى إذن ليس سوى مسرح سياسي موجه للخارج، هدفه إرسال رسالة للعالم بأن البحرين دولة تحترم القانون، بينما تُدار المحاكم داخليًا كأداة لضبط المعارضين وفرض الخوف. العدالة الحقيقية، إذا كانت موجودة، فقد حُكم عليها غيابياً منذ سنوات، ولم يُسمح لمحاميها بالدخول إلى الجلسات.

وتكشف الميزانية الضخمة المخصصة للمنتدى عن استثمار النظام في صورة مصقولة بدلًا من الاستثمار في حقوق المواطنين. كلما زاد القمع الداخلي، زاد الإنفاق على شعارات براقة عن “العدالة”. إنها محاولة يائسة لتغطية واقع مظلم، كمن يضع عطراً فرنسياً على جثة.

وقد انتهى المنتدى، وألقيت الخطب، والتُقطت الصور التذكارية، لكن الشعب البحريني يعرف أن العدالة لا تسكن في مركز عيسى الثقافي، بل في السجون التي امتلأت بمن طالبوا بها. العدالة في هذا البلد لم تُناقش في قاعات المؤتمرات، بل تُنتزع في الزنازين بالصبر، الدموع، والدعاء.

المنتدى إذن تحول إلى رمز مدفوع الثمن لعصرٍ تُقاس فيه قيمة العدالة بعدد المقاعد في الصفوف الأمامية، لا بعدد الحقوق المحمية. العدالة لم تعد قيمة إلهية أو فريضة شرعية، بل أصبحت بندًا إداريًا يُعرض على ضيوف أجانب كجزء من حملة ترويجية للنظام.

وبحسب مراقبين فإن المنتدى يكشف عمق أزمة البحرين الداخلية: كلما سعى النظام لتجميل صورته أمام العالم، ازدادت حدة القمع داخل الوطن. ورغم الخطابات الفخمة والشعارات البراقة، يبقى الواقع واضحًا للعيان: العدالة في البحرين ليست أكثر من شعار، وحياة الناس وحقوقهم مجرد أدوات لإرضاء الخارج.

ويظهر ذلك أن منتدى الملك حمد للعدالة ليس حدثًا لتعزيز القانون أو حقوق الإنسان، بل عملية تسويق دولية لوجه قمعي. هو استعراض للمال والسلطة والشعارات الفارغة، في بلد يواصل قمع معارضيه وسجن حقوق مواطنيه، بينما يقدم نفسه للعالم على أنه نموذج للعدالة والاستقرار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

20 − ستة =

زر الذهاب إلى الأعلى