Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
فضائح البحرين

تقرير أمريكي جديد يكشف تغير نهج واشنطن في تقييم سجل البحرين الحقوقي

نشرت وزارة الخارجية الأمريكية في آب/أغسطس الماضي تقريرها السنوي حول أوضاع حقوق الإنسان في البحرين، في أول إصدار من نوعه يصدر خلال ولاية الرئيس دونالد ترامب الثانية، ليكشف عن تغير وتحول ملحوظ في منهجية التقييم ونبرة الخطاب مقارنة بتقارير الإدارة السابقة برئاسة جو بايدن.

ويؤشر هذا التباين — في اللغة والمضمون والحجم — إلى إعادة صياغة واشنطن لعلاقتها مع المنامة، في ظل أولوية واضحة للمصالح الأمنية والإستراتيجية على حساب ملفات الحقوق والحريات.

وتُظهر المقارنة بين التقريرين اختلافًا لافتًا في الشكل والمضمون.

فبينما جاء تقرير إدارة بايدن لعام 2023 في 50 صفحة مفصلة تناولت انتهاكات متعددة مثل سحب الجنسية والاعتقالات السياسية والتضييق على الصحفيين والنشطاء،

اقتصر تقرير إدارة ترامب لعام 2024 على 20 صفحة فقط، حملت لغة أكثر إيجازًا وحيادًا، وبدت أقرب إلى البيانات الإدارية منها إلى التقارير الحقوقية النقدية التي اعتادت واشنطن إصدارها منذ التسعينيات.

وأوضحت الوزارة في مقدمة التقرير الجديد أنه تم “إعادة هيكلة المحتوى لتسهيل القراءة والتركيز على القضايا الأشد تأثيرًا على حياة المواطنين”، لكن مراقبين في المنظمات الحقوقية الدولية رأوا في ذلك محاولة لتقليص حجم الانتقادات الموجهة إلى حلفاء الولايات المتحدة في الخليج.

فقد جُمعت فقرات كانت سابقًا تُشكّل ملفات مستقلة، مثل “قوانين التشهير” و“حرية التجمع” و“الاعتقال التعسفي”، في نصوص موجزة تحت عناوين عامة مثل “الحرية” أو “المعيشة”، من دون تفاصيل أو توثيق لحالات محددة كما جرت العادة في تقارير السنوات السابقة.

إعادة صياغة الهيكل والمفاهيم

تقرير 2024 تم تقسيمه إلى ثلاثة أقسام رئيسية جديدة:

الحياة (Life)، ويتناول الظروف المعيشية العامة واحترام الكرامة الإنسانية،

الحرية (Liberty)، ويتطرق إلى حرية التعبير والدين والصحافة والتنظيم،

الأمن (Security of the Person)، ويتناول سلامة الفرد من التعذيب أو سوء المعاملة.

هذه العناوين — التي تبدو أكثر “إنسانية” وأقل “حقوقية” — جاءت لتستبدل مصطلحات تقليدية استخدمتها الخارجية الأميركية لعقود مثل “احترام سلامة الشخص” و*“الحقوق المدنية والسياسية”*.

ويرى خبراء أن هذا التغيير اللغوي ليس بريئًا، بل يعكس توجّهًا لتخفيف حدة النقد السياسي وتغليف القضايا الحساسة بلغة أكثر دبلوماسية تخدم علاقات واشنطن المتنامية مع المنامة في مجالات الدفاع والتطبيع الأمني الإقليمي.

القضايا الغائبة: حذفٌ أكثر من مجرد اختصار

الاختلاف الجوهري لا يكمن فقط في ما ذُكر، بل في ما تمّ تجاهله تمامًا.

تقرير بايدن لعام 2023 كان قد أشار صراحة إلى الاعتقالات التعسفية والمحاكمات غير العادلة والتعذيب أثناء الاستجواب وحرمان المعارضين من الجنسية، إضافة إلى التمييز ضد النساء والطائفة الشيعية في مجالات العمل والتعليم والتمثيل السياسي.

أما تقرير ترامب الجديد فقد تجنب الإشارة إلى معظم هذه الانتهاكات.

ولم يتضمن أي ذكر لمفاهيم مثل “المرأة” أو “التمييز على أساس الجندر” أو “حرية التنظيم السياسي”. كما تم حذف كامل القسم الذي كان يتناول القيود على المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية، واستُبدل بفقرة مقتضبة عن “تعاون الحكومة البحرينية مع الشركاء الدوليين في تعزيز الاستقرار الاجتماعي”.

وقد اعتبرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” في تعليقها على التقرير أن هذه التغييرات “تحوّل التقارير الأميركية من أداة مساءلة إلى وثيقة علاقات عامة”، مضيفة أن واشنطن “تتحدث عن الحرية بينما تتجنب الإشارة إلى السجناء الذين يُسجنون بسبب التعبير عنها”.

أولوية الأمن على الحقوق

يأتي هذا التحول في سياق أوسع من إعادة توجيه السياسة الخارجية الأميركية في عهد ترامب، حيث باتت القضايا الحقوقية تحتل مرتبة ثانوية مقارنة بالاعتبارات الجيوسياسية والاقتصادية.

فالبحرين، التي تستضيف الأسطول الخامس للبحرية الأميركية، تُعد حليفًا استراتيجيًا لا غنى عنه في منظومة الدفاع الإقليمي ضد إيران، كما أنها شريك أساسي في الاتفاقيات الأمنية الخليجية – الإسرائيلية التي تدعمها إدارة ترامب بقوة.

وفي هذا الإطار، يبدو أن واشنطن اختارت تقليص نبرة الانتقاد تجاه المنامة لتأمين التعاون العسكري والسياسي، خصوصًا في ظل التوتر الإقليمي المستمر والحرب الإسرائيلية على غزة التي فرضت على الإدارة الأميركية ترتيب أولوياتها بما يضمن تماسك تحالفاتها.

يقول المحلل السياسي الأميركي ريتشارد سيلفرمان إن “الفرق بين تقرير بايدن وتقرير ترامب ليس تقنيًا بل سياسيًا بالكامل. فإدارة ترامب تريد أن تُظهر لحلفائها في الخليج أنها لن تستخدم ملف حقوق الإنسان كسلاح ضغط، بل كشكل من أشكال الحوار الودي.”

ما بين السطور: انعكاسات على الداخل البحريني

في الداخل البحريني، قوبل التقرير الجديد بترحيب من الإعلام الرسمي الذي وصفه بأنه “موضوعي ومتوازن”، معتبرًا أنه يُبرز “تقدم البحرين في مجالات الأمن والتنمية”.

لكن المعارضة البحرينية رأت في هذا الترحيب دليلاً على التحيّز الأميركي الجديد، إذ لم يتضمن التقرير أي إشارة إلى المعتقلين السياسيين البارزين مثل عبد الهادي الخواجة أو حسن مشيمع، ولم يذكر مصير المحكومين بالإعدام أو أوضاع السجون.

وكتبت الناشطة الحقوقية مريم الخواجة على منصة “إكس” “تقرير الخارجية الأميركية هذا العام لا يُنكر الانتهاكات، بل يتجاهلها ببساطة. إنه يختار الصمت حيث كان يجب أن يتكلم.”

وبالمحصلة يُظهر تقرير حقوق الإنسان لعام 2024 بشأن البحرين تحولاً جوهريًا في مقاربة واشنطن لملف الحقوق والحريات في الخليج.

فمن خطاب المساءلة والشفافية الذي تبنته إدارة بايدن، انتقلت إدارة ترامب إلى نهج المواربة السياسية، حيث تحولت التقارير الحقوقية إلى أدوات لتثبيت التحالفات لا لتقييمها.

وبينما تحاول الخارجية الأميركية إظهار التقرير كإعادة “هيكلة شكلية”، يرى المراقبون أنه تحول بنيوي في أولويات السياسة الأميركية — من الدفاع عن القيم إلى الدفاع عن المصالح.

أما في البحرين، فلا تزال السجون مكتظة، والمواطنة مقيدة، والحقوق مؤجلة، فيما يكتفي التقرير الأميركي الجديد بالقول إن “البلاد تشهد استقرارًا وتعاونًا مع الشركاء الدوليين” — وهي جملة تختصر، ببلاغةٍ جارحة، كيف يصبح الصمت عن الانتهاك هو اللغة الجديدة للدبلوماسية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

5 × 3 =

زر الذهاب إلى الأعلى