Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
انتهاكات حقوق الإنسان

القمع في البحرين: حين تتحوّل شعارات التعايش إلى ستار للأسلوب الأمني

تعيش البحرين منذ أكثر من عقد على وقع سياسات أمنية محكمة، تتخذ من القبضة البوليسية هوية ثابتة في إدارة شؤون البلاد في حين تتحوّل شعارات التعايش إلى ستار للأسلوب الأمني.

ففي هذا النموذج السلطوي الذي يتبه النظام الخليفي الحاكم، يتحوّل الأمن إلى مهنة الدولة الوحيدة، ويتراجع أي خطاب ديمقراطي أو تعددي إلى مجرد ديكور خارجي يُسوّق به النظام صورته أمام المجتمع الدولي.

أما في الداخل البحريني، فلا صوت يعلو على صوت الملاحقة، ولا يوم يمر من دون اعتقال أو استدعاء أو مضايقة تطال نشطاء، ومواطنين، وحتى رجال دين.

وقد بات من الواضح أن هواية السلطة في البحرين ومهنتها المتجذّرة هي الأمن – لا بمعناه الإيجابي المرتبط بحماية المجتمع، بل في نسخته القمعية المبنية على المراقبة، والرصد، والتجسس، والسجون، وكتم الحريات، وتقييد التعبير.

في هذا السياق، يعيش المواطن البحريني وكأنه تحت الاستهداف الدائم، يخشى أن يعبّر عن رأيه، أو يغرّد على “إكس”، أو يزور شيخًا معارضًا أو شخصية سياسية مسجونة.

الشهر الأخير… تكثيف للهجمة

في الأسابيع الأخيرة، صعّدت السلطات البحرينية من حملتها القمعية ضد النشطاء، ووسّعت نطاق الاعتقالات والاستدعاءات، بما في ذلك ملاحقة المشاركين في مسيرات سلمية لم تُطالب إلا بأبسط الحقوق.

وتمّ التعامل مع هذه التجمعات بعقلية عدائية، حيث استخدمت قوات الأمن العنف، وفرضت طوقًا أمنيًا حول مناطق معيّنة، ونفّذت موجات توقيف متفرقة، دون أي مبرر قانوني واضح.

المفارقة المؤلمة أن هذه التحركات الشعبية، كانت سلمية بالكامل، ولم تتجاوز حدود التعبير الرمزي عن التضامن أو المطالبة بحقوق دستورية مشروعة. إلا أن السلطة رأت فيها تهديدًا لهيبتها فقررت قمعها.

استهدافات خارج الشارع

القمع لا يتوقف عند حدود الشارع. بل إن أي نشاط اجتماعي، ولو كان رمزيًا، بات مهددًا بالتجريم. زيارة منزل الشيخ علي سلمان، الأمين العام المسجون لجمعية الوفاق المعارضة، صارت حدثًا محفوفًا بالمخاطر. التعبير عن الرأي على الإنترنت أصبح تهمة محتملة. التغريدات تُقرأ وتُحلل وتُجرّم.

كل مواطن يشعر أنه مشروع موقوف أو مستدعى. هذه هي حالة البحرين اليوم، حيث لا تكف السلطة عن استخدام جهاز الدولة الأمني لترهيب مواطنيها، وكأن الولاء لا يُثبت إلا بالصمت والانصياع.

وفي مواجهة الانتقادات الغربية، تستحضر السلطة في البحرين خطابًا ناعمًا يروّج لفكرة “التعايش مع الآخر”. يظهر هذا الشعار في الخطب الرسمية، وفي التصريحات الموجهة للغرب، وفي مقالات رأي مدفوعة الثمن في الصحافة الدولية. تسعى المنامة إلى تقديم نفسها كواحة اعتدال في منطقة مضطربة، وكأنها النموذج الأنجح في بناء “مجتمع متسامح متعدد”.

لكن هذا الخطاب سرعان ما يتهاوى أمام الواقع الميداني، حيث تتكرر مشاهد الانتهاكات وتتكاثر شهادات الضحايا. الواقع يثبت أن “التعايش” المزعوم ليس سوى غطاء لطمس سياسة الإقصاء الممنهج، والقمع المستمر، والتمييز الطائفي الذي يعاني منه قطاع واسع من المواطنين، لا سيما من المسلمين الشيعة.

أدوات القمع: جهاز أمني مُتعدد الوجوه

تستخدم الدولة في البحرين طيفًا واسعًا من الأدوات القمعية، المتعددة والمرتبطة مباشرة بجهاز الحكم الأمني، أبرزها:

الاعتقالات السياسية: طالت شخصيات معارضة بارزة، ونشطاء حقوقيين، وصحافيين، وحتى رجال دين، فقط لأنهم عبّروا عن آرائهم أو انتقدوا أداء الحكومة.

التعذيب وسوء المعاملة: تقارير موثقة من منظمات دولية كـ”هيومن رايتس ووتش” و”العفو الدولية” تحدّثت عن حالات تعذيب ممنهجة داخل مراكز الاحتجاز، وغياب أي محاسبة للمرتكبين.

المراقبة الرقمية: تمّ استخدام برامج تجسس متطورة مثل “بيغاسوس” الإسرائيلي لملاحقة النشطاء والمعارضين، في انتهاك فاضح للخصوصية وحرية التعبير.

تقييد الإنترنت والإعلام: حُجبت عشرات المواقع الإلكترونية المستقلة، وتمّ التضييق على وسائل الإعلام غير الموالية، في محاولة لفرض الرواية الرسمية الوحيدة.

تشريعات قمعية: تمّ تمرير قوانين تقيد الحريات السياسية، وتمنح صلاحيات واسعة للسلطة لمعاقبة أي نشاط يُفسَّر على أنه “تحريض”، بما في ذلك المشاركات السلمية أو الآراء الشخصية.

الاضطهاد الطائفي: يتجلى ذلك في استبعاد المواطنين الشيعة من التمثيل داخل المؤسسات الأمنية والعسكرية، وحرمانهم من تولّي مناصب حساسة.

سحب الجنسية: أداة استخدمتها السلطات لعقاب النشطاء والمعارضين، في سابقة خطيرة تمسّ بالحق الأساسي في المواطنة.

حل الجمعيات السياسية: تمّ حل أبرز الجمعيات السياسية المعارضة، كجمعية الوفاق والعمل الوطني الديمقراطي “وعد”، في محاولة لإغلاق المجال العام بالكامل.

الدولة ضد المجتمع

في هذا المناخ الخانق، يشعر المواطن البحريني أن الدولة لم تعد كيانًا حاميًا أو شريكًا في التنمية، بل صارت جهازًا أمنيًا يتعقّبه في يومه، ويراقبه في منزله، ويقرأ أفكاره. السلطة لم تعد تفكر في السياسة بوصفها أداة إدارة للصراع أو تفاوض حول المصالح، بل تراها تهديدًا يجب سحقه.

هذا التحوّل الكامل نحو الدولة الأمنية، يختزل كل أوجه الحياة في البلاد ضمن مشهد واحد: الدولة ضد المجتمع.

ولطالما روّجت البحرين لمشاريع “إصلاحية” كبرى، منذ الميثاق الوطني عام 2001. لكنها سرعان ما انقلبت على تعهداتها. واليوم، تواصل السلطة تسويق “إصلاحات” شكلية على المستوى الاقتصادي والانفتاح الثقافي، بينما تبقي يدها الأمنية قابضة على كل مفاصل الحياة السياسية.

يُراد للبحرين أن تكون “نموذجًا تسامحيًا” في الإعلام، ولكن الواقع يكشف عن دولة تسحق كل صوت حر. تُحاول السلطة خداع المجتمع الدولي باستخدام شعارات الاعتدال والانفتاح الديني، واستضافة المؤتمرات الحوارية، واستقبال رجال الدين من مختلف الطوائف، بينما تمتلئ السجون بمعتقلي الرأي، وتُكمّم أفواه العلماء المعارضين، وتُعاقب العائلات لمجرد زيارتها أقاربها في السجن.

مستقبل بلا أفق في ظل القبضة الأمنية

يجمع مراقبون على أنه لا يمكن لأي مشروع وطني أن ينجح في بيئة تخنق الحريات. ولا يمكن لأي نظام أن يدّعي الاستقرار وهو يلاحق أبناء شعبه لآرائهم، ويُقصي نصفهم بسبب طائفتهم.

وبحسب المراقبين فإن تجربة البحرين تثبت أن شعار “التعايش” لا يُبنى بالبيانات، بل بالفعل السياسي الحقيقي الذي يبدأ بإطلاق سراح المعتقلين، وإعادة الاعتبار للمواطنة، ووقف التغوّل الأمني.

ففي ظلّ حكم النظام الخليفي يستحيل بناء عقد اجتماعي جديد، طالما أن الأمن لا يزال هو الهوية الوحيدة للدولة، والمواطن لا يزال متهمًا حتى يثبت العكس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

17 − 4 =

زر الذهاب إلى الأعلى