Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
فضائح البحرين

البحرين وحقوق الإنسان: مؤسسة وطنية أم واجهة دعائية؟

في الوقت الذي تزداد فيه الانتقادات الدولية الموجهة إلى البحرين بشأن سجلها في مجال الحريات وحقوق الإنسان، أقدمت السلطات على الإعلان عن تعيينات جديدة في المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان.

لكن هذه التعيينات، بدل أن تشكل بارقة أمل في إصلاح هذا الملف المعقد، بدت أقرب إلى حملة علاقات عامة تهدف إلى تجميل الصورة الخارجية للنظام السياسي، أكثر من كونها خطوة نحو تعزيز الحريات والعدالة.

تعيينات بروتوكولية لا تعكس الكفاءة

تشير التعيينات الملكية الأخيرة إلى أن اختيار أعضاء المؤسسة ما زال محكوماً بالولاءات العائلية والقبلية، وليس بمعايير التخصص والخبرة في مجال حقوق الإنسان.

وتضم الأسماء الجديدة تجاراً وشخصيات سياسية وعسكريين سابقين، إلى جانب دبلوماسيين لا علاقة لهم بملفات الحقوق والحريات أو مؤسسات المجتمع المدني المستقلة.

هذا النهج يرسّخ الانطباع بأن المؤسسة لا تُدار وفق رؤية مهنية أو التزام فعلي بحماية الحقوق، بل يتم التعامل معها كأداة شكلية لإرضاء المجتمع الدولي وتصدير صورة زائفة عن التزام البحرين بالإصلاح.

غياب الاستقلالية وخرق مبادئ باريس

منظمات دولية، بينها هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية، طالما أكدت أن المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان في البحرين تعاني من غياب الاستقلالية والشفافية.

غياب مبدأ المحاسبة: لا تتضمن بيانات المؤسسة أي إشارة لمساءلة مسؤولين أمنيين أو سياسيين عن انتهاكات موثقة.

ضعف التوثيق: الزيارات المعلنة إلى السجون تفتقر إلى الجدية ولا تتسم بالشفافية، بل تُقدّم كجولات بروتوكولية دون تقارير تفصيلية عن الانتهاكات.

انتقائية الشكاوى: المؤسسة تتجاهل معظم البلاغات التي تقدمها أسر المعتقلين أو الضحايا، وتكتفي بإصدار بيانات مبهمة تُبرر ممارسات الأجهزة الأمنية.

كل ذلك يُخالف مبادئ باريس التي تنص على ضرورة استقلال المؤسسات الحقوقية الوطنية عن السلطة التنفيذية ومنحها صلاحيات واسعة للتحقيق والمساءلة.

بين الداخل والخارج: خطاب مزدوج

في الداخل، لا يشعر المواطن البحريني أن المؤسسة تدافع عنه أو تحميه من الانتهاكات. بل على العكس، كثير من الضحايا يرون فيها غطاءً رسمياً يُستخدم لتبرير الاعتقالات التعسفية والتعذيب والتمييز الطائفي.

أما في الخارج، فتُقدَّم المؤسسة كجزء من رواية التسامح الديني والانفتاح التي يسعى النظام لتسويقها. تقاريرها تصاغ بعناية لتُعرض في المحافل الدولية، بينما يتم التعتيم على واقع السجون المكتظة بالمعارضين السياسيين والمدافعين عن حقوق الإنسان.

ملف حقوق الإنسان: تعقيد وتراكم أزمات

الملف الحقوقي في البحرين ليس وليد اللحظة، بل هو أحد أعقد الملفات الإقليمية منذ أحداث 2011، حين خرجت تظاهرات واسعة للمطالبة بالديمقراطية والعدالة الاجتماعية، قوبلت بالقمع الشديد والاعتقالات الجماعية وسحب الجنسيات.

اليوم، وبعد أكثر من عقد، ما زالت:

الاعتقالات مستمرة بحق المعارضين السياسيين.

حرية التعبير مقيدة، إذ يعاقب القانون أي انتقاد للسلطات.

التمييز الطائفي مؤسسي، حيث يعاني المواطنون الشيعة من تهميش ممنهج في التوظيف والخدمات والتمثيل السياسي.

الناشطون الحقوقيون في المنفى، بعد أن تم سجن أو إسكات من بقوا في الداخل.

في ظل هذه الأوضاع، فإن تعيين شخصيات بلا خلفية حقوقية في مؤسسة يفترض أن تكون المدافع الأول عن الحقوق والحريات، يعكس استخفافًا بمعاناة الضحايا.

المؤسسة كأداة لتلميع السمعة

يرى مراقبون أن الدور الأساسي للمؤسسة لم يعد مرتبطًا بحماية حقوق الإنسان، بل بات أقرب إلى التبرير والتغطية:

الدفاع عن الحكومة في المحافل الدولية.

إصدار بيانات شكلية عند حدوث انتهاكات كبرى.

تقديم تقارير مصاغة مسبقًا تركز على “الإصلاحات الشكلية”.

هذا التحول يُظهر أن المؤسسة فقدت وظيفتها الجوهرية، لتتحول إلى أداة ضمن حملة علاقات عامة تستهدف تحسين صورة النظام خارجيًا، دون أن تترك أثرًا فعليًا على الأرض.

الطريق إلى إصلاح حقيقي

لكي تضطلع المؤسسة بدور حقيقي، لا بد من تغييرات جذرية، تشمل:

استقلالية تامة عن أجهزة الأمن ووزارة الداخلية.

تعيين خبراء حقوقيين مستقلين ذوي سجل في الدفاع عن الحقوق والحريات.

التزام صارم بمبادئ باريس وإشراف أممي على تطبيقها.

تعزيز الشفافية في تقارير السجون والتحقيق في الانتهاكات دون قيود.

التعاون مع مؤسسات المجتمع المدني بدل تهميشها أو شيطنتها.

بدون ذلك، ستظل المؤسسة مجرد واجهة دعائية تحاول طمس حقيقة الوضع الداخلي، ولن تسهم في معالجة الانتهاكات المستمرة.

وعليه فإن ما يجري في البحرين يكشف تناقضًا صارخًا: بين صورة مؤسسات “حقوقية” يتم الترويج لها في الخارج، وواقع انتهاكات صارخ ومستمر في الداخل.

والتعيينات الأخيرة ليست سوى حلقة جديدة في مسلسل طويل من غسيل السمعة، حيث تُستغل لغة الحقوق والحريات لإخفاء القمع الممنهج.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

3 × 3 =

زر الذهاب إلى الأعلى