Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
مؤامرات وتحالفات

البحرين من التضامن مع غزة إلى موقع الشريك في معاقبة الضحية خدمة للتطبيع

في منتصف أكتوبر الماضي، كشفت صحيفة إسرائيل هيوم أن السعودية والإمارات والبحرين أبلغت واشنطن رفضها المشاركة في جهود إعادة إعمار غزة ما لم يتم نزع سلاح حركة حماس. الخبر الذي مرّ كأنه “تفصيل دبلوماسي” في ملف معقد، يحمل في جوهره تحوّلًا جوهريًا في موقف البحرين من القضية الفلسطينية، من موقع التضامن والمساندة، إلى موقع الشريك في معاقبة الضحية.

ولم يكن الموقف البحريني يومًا بهذا القرب من الخطاب الإسرائيلي. فمنذ توقيع “اتفاقيات أبراهام” عام 2020، بدأ التحول واضحًا في لغة الدولة: من “الاحتلال الإسرائيلي” إلى “النزاع”، ومن “الحق الفلسطيني” إلى “الفرص الإقليمية”. لكن التصريح الأخير حول إعادة الإعمار تجاوز التطبيع الهادئ إلى التماهي التام مع الشروط الأمنية التي تضعها تل أبيب.

الربط بين “إعادة إعمار غزة” و”تفكيك سلاح حماس” ليس مجرد شرط إداري، بل هو ترديد مباشر للطرح الإسرائيلي الذي يسعى إلى تحويل المأساة الإنسانية في غزة إلى ورقة ضغط سياسية لنزع سلاح المقاومة وتجريد الفلسطينيين من حقهم في الدفاع عن أنفسهم.

بهذا المعنى، لم تعد البحرين مجرد دولة مطبّعة، بل أصبحت طرفًا في معادلة الحصار، تضع شروط الاحتلال شرطًا للمساعدات، وتتعامل مع المقاومة كـ”عقبة” في طريق التنمية.

البحرين الرسمية تتحدث بلسان تل أبيب

يبدو موقف المنامة منسجمًا مع سياسات دول خليجية أخرى اختارت التطبيع الكامل مع إسرائيل، لكنه في الحالة البحرينية أكثر رمزية، لأن البحرين كانت تاريخيًا ساحةً للخطاب الشعبي المناصر لفلسطين.

فمن المظاهرات في المنامة والمحرق، إلى بيانات الجمعيات السياسية والدينية، ظل الشعب البحريني يعتبر المقاومة الفلسطينية قضيةً وطنية وأخلاقية.

اليوم، تُصاغ سياسات الدولة بلغة أجهزتها الأمنية لا ضمير شعبها. فحين يصرّح مسؤول بحريني بأن “الإعمار لا يمكن أن يتم ما لم تتخلى غزة عن السلاح”، فإنه لا يتحدث باسم الأمة العربية، بل باسم التحالف الأمني مع إسرائيل. إنه يكرر مفردات تُكتب في تل أبيب وتُرسل عبر واشنطن، لتُذاع من عواصم عربية فاقدة للسيادة.

الواقع أن البحرين لا تملك قرارًا استراتيجيًا مستقلاً في قضايا الإقليم. فهي دولة صغيرة عسكريًا واقتصاديًا، تعتمد على الغطاء الأمني السعودي والإماراتي. لذلك يصبح “الاصطفاف مع إسرائيل” وسيلة لحماية النظام لا “موقفًا سياسيًا”.

إعمار غزة.. أداة سياسية لا مشروع إنساني

إعادة الإعمار في جوهرها عملية سياسية، وليست مجرد ضخ للأموال أو بناء للمنازل. من يموّل الإعمار يفرض شروطه، ومن يفرض شروطه يحدد شكل السلطة في غزة. وهنا تكمن خطورة الموقف البحريني، لأنه يحوّل المساعدات إلى وسيلة لفرض واقع سياسي جديد تحت الهيمنة الإسرائيلية.

تحت شعار “الاستقرار”، تريد هذه الأنظمة أن تخلق غزة بلا مقاومة، وأن تزرع فيها نموذج “التنمية مقابل الصمت”. لكنها تتناسى أن كل إعمار يُبنى فوق جثة السيادة لا يدوم، وأن الفلسطينيين الذين صمدوا في وجه الحصار والحروب لن يرضوا بإعمارٍ مشروطٍ بالتجريد من كرامتهم.

من المفارقات أن دولًا لم تعانِ الحرب، ولم تُقصف مدنها، تتحدث عن “شروط الإعمار”، بينما غزة التي فقدت أكثر من 70 ألف شهيد منذ 2023 لا تطلب سوى حقها في الحياة.

التطبيع كإعادة تشكيل للوعي

ما يجري أبعد من مجرد سياسة خارجية. إنه مشروع لإعادة هندسة الضمير الخليجي ليقبل إسرائيل كحليف، وليعتبر المقاومة “مشكلة”. في المدارس والإعلام والخطاب الديني، يُعاد تعريف “العدو” و”الصديق”، ويُستبدل الحديث عن فلسطين بمفردات “الاستثمار الإقليمي” و”التعاون الأمني”.

لكن البحرينيين، كما غيرهم من الشعوب العربية، لم يبتلعوا هذه الرواية. فما زالت الأعلام الفلسطينية تُرفع في الأحياء، وما زال النشطاء يواجهون الاعتقال بسبب تغريدة تنتقد التطبيع. هذا التناقض بين الشعب والسلطة يكشف أن التطبيع في البحرين مفروض من الأعلى، لا نابع من قناعة مجتمعية.

وحين تربط البحرين الإعمار بنزع السلاح، فهي لا تتحدث باسم الإنسان البحريني، بل باسم منظومة تخشى المقاومة لأنها تذكّرها بعجزها أمام شعوبها. فالمقاومة ليست فقط ضد الاحتلال الإسرائيلي، بل ضد الاستبداد الذي جعل من “السكوت” سياسة رسمية.

من المنامة إلى غزة، المعركة واحدة: معركة الكرامة والسيادة. البحرين الرسمية اختارت أن تصطف إلى جانب تل أبيب، لكن البحرين الشعبية لم تنسَ أن فلسطين كانت وستبقى قضيتها الأولى.

وعليه فإن موقف البحرين من إعادة إعمار غزة ليس مجرد “حساب سياسي”، بل اختبار أخلاقي سقطت فيه الأنظمة الخليجية، حين قايضت الدم الفلسطيني بشرعية إسرائيلية.

ففي مقابل كل دولار إعمار مشروط، هناك بيت في غزة يُهدم من جديد، وكل تصريح خليجي يطالب بنزع سلاح المقاومة، هو رصاصة رمزية في صدر الضحية.

من يربط الإعمار بالاستسلام، لا يريد بناء غزة بل إخضاعها، ومن يتحدث عن “السلام” وهو يبرر حصار الأطفال، لا يصنع سلامًا بل يكرّس الظلم. والفرق بين البحرين الرسمية وغزة ليس في القوة، بل في المعنى: غزة تقاتل لتعيش بكرامة، والبحرين الرسمية تتنازل لتعيش بلا صوت.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

14 − اثنا عشر =

زر الذهاب إلى الأعلى