Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
فساد

البحرين: مشاريع تُبنى بالكاميرات لا بالرافعات

في البحرين، لا تحتاج الحكومة إلى إنجاز مشاريع حتى تقص الشريط الأحمر، ولا إلى بناء محطة مترو أو مدينة سكنية حتى تعرضها على الشاشات العملاقة.

إذ يكفي وجود وزير مبتسم وكاميرا عالية الجودة وشرائح باوربوينت أنيقة تحمل عبارة: “مشروع وطني رائد”، لتتحول الأوهام إلى عناوين رئيسية، ويُترك المواطن في طابور الانتظار حتى إشعار آخر.

مترو البحرين: حلم يتجدد كل ثلاث سنوات

من أبرز الأمثلة على هذه السياسة مشروع مترو البحرين، الذي صار نكتة وطنية أكثر منه مشروعًا للتنقل الذكي. يُعلن عنه كل ثلاث سنوات تقريبًا بوجه جديد وشعار مختلف: مرة تحت مسمى “الربط الخليجي”، وأخرى بعنوان “التطوير الحضري”، وأخيرًا تحت شعار “الشراكة مع القطاع الخاص”.

لكن الشراكة الحقيقية الوحيدة كانت مع الأمل الكاذب. فحتى الآن، لا توجد عربة واحدة على الأرض، ولا خطة واضحة للتنفيذ. تحول المشروع إلى ما يشبه صديق الطفولة الذي تسمع عنه كثيرًا ولا تراه أبدًا، بينما يظل المواطن البحريني عالقًا في أزمة مواصلات خانقة دون حلول عملية.

مارينا ويست: مدينة فاخرة ابتلعها البحر

في عام 2007، أعلنت الحكومة عن مشروع مارينا ويست، مدينة سكنية فاخرة بقيمة 700 مليون دولار. كان الحلم أن ينام المواطن على أصوات أمواج البحر في شقق راقية، لكن البحر ابتلع الحلم، وبقي الواقع عبارة عن أراضٍ خاوية ومواطنين عالقين في قضايا قضائية لا تنتهي.

المستثمرون تورطوا، والمشترون خُدعوا، والسلطة التي وعدت لم تحاسب أحدًا. تحوّل المشروع إلى طُعم إعلامي أكثر منه إنجازًا حقيقيًا، بينما المواطن لم يرَ سوى الخرائط والعروض التقديمية التي تباع في المعارض.

حبر على رخام وجزر اصطناعية للبيع

تاريخ المشاريع في البحرين مليء بالأمثلة على مشاريع ورقية تلمع في الإعلام ثم تختفي. المسؤول الذي يفشل لا يُسأل عن تقصيره، بل يُعاد تدويره في منصب جديد: وزير التخطيط يصبح مستشارًا، والمستشار يتحول إلى رئيس لجنة، واللجنة تصدر تقريرًا تقول فيه إن المشروع “قيد الدراسة منذ 15 عامًا”.

أما الجزر الاصطناعية، فهي قصة أخرى. يتم طمر البحر وتحويله إلى مشاريع عقارية تُعرض في معارض دبي وباريس، بينما المواطن البحريني يُطلب منه أن ينتظر “بيته” في برنامج الإسكان وكأنه يانصيب، لا حق اجتماعي.

التنمية… تجميل سياسي لا أكثر

من كثرة الوعود الفارغة، أصبح المواطن البحريني يشك إذا رأى حفارة في الشارع:

هل هذا مشروع حقيقي أم مجرد بروفة إعلامية؟

هل هذه بداية إنجاز، أم نهاية ميزانية؟

التنمية في البحرين أصبحت أشبه بعمليات البوتوكس السياسي: تُغطي التجاعيد ولا تعالجها. أما البرلمان، فلا يتجاوز دوره التصفيق، دون أي مساءلة حقيقية حول من وقع العقود، ومن دفع الأموال، ومن تسلم المشاريع. الإعلام الرسمي هو الآخر في حالة صمت دائم، بينما الجهات الرقابية في “إجازة سنوية” بلا عودة.

ومن يسأل اليوم عن مشروع جسر قطر الذي تم الترويج له كرمز للوحدة الخليجية ثم اختفى من الأجندة؟ ومن يعترف أن مارينا ويست لم تكن مدينة حقيقية بل مجرد عرض بوربوينت فخم؟ كل هذه المشاريع الفاشلة تعكس نمطًا من التضليل السياسي، حيث يتم استخدام المواطن كواجهة إعلامية لا أكثر.

النظام الذي يبني الصورة لا الإنسان

جوهر الأزمة في البحرين أعمق من مجرد مشاريع لم تُنجز. إنها أزمة نظام سياسي يرى أن الصورة تكفي عن المضمون، وأن الإعلان عن التنمية أهم من تحقيقها فعليًا.

في هذا النظام، تتحول المشاريع الوهمية إلى سياسة رسمية، والإنجاز يُقاس بعدد المؤتمرات الصحفية لا بعدد المساكن أو المدارس أو المستشفيات التي تخدم المواطن.

وعليه فإن ما تحتاجه البحرين ليس شرائح باوربوينت جديدة، بل إرادة سياسية صادقة تعترف بالأخطاء وتحاسب الفاشلين. نحتاج إلى حكومة تُنجز أولًا ثم تُعلن، إلى إعلام يطرح الأسئلة بدل التصفيق، وإلى برلمان يراقب بدل أن يصفق.

فالمشاريع الوهمية ليست مجرد إخفاقات، بل أعراض لمرض أعمق: نظام يعتقد أن التنمية هي شعارات، لا حقوق. نظام يبيع البحرين على الورق في شكل جزر وموانئ وأبراج، بينما يترك المواطن يبحث عن بيت وعد به منذ عقود.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

5 × 3 =

زر الذهاب إلى الأعلى