Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
فضائح البحرين

عار البحرين: تحويل التضامن الشعبي مع غزة إلى جريمة

في سلوكٍ يعكس حجم التناقض بين خطابها الرسمي وشعاراتها المعلنة، اختارت حكومة البحرين أن تستقبل الناشط محمد عبد الله، العائد من أسطول الصمود لكسر الحصار عن غزة، بالقيود الأمنية بدل التكريم الوطني، في مشهدٍ فاجأ الرأي العام البحريني والعربي، وأعاد تسليط الضوء على موقف المنامة المتواطئ مع سياسات التطبيع والتضييق على الحريات.

محمد عبد الله، الذي شارك إلى جانب عشرات النشطاء الدوليين في الأسطول التضامني المتجه إلى غزة في ظلّ حرب الإبادة الإسرائيلية المستمرة، اعتُقل من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي بعد اعتراض السفن في المياه الدولية، واحتُجز لستة أيام متواصلة في سجون الاحتلال، قبل أن يُفرج عنه بفعل ضغط دولي متزايد، وليس نتيجة تدخل عربي رسمي كما كان يُفترض من الحكومات التي تزعم الدفاع عن حقوق مواطنيها.

لكن الصدمة الأكبر لم تأتِ من الاحتلال، بل من السلطات البحرينية نفسها. فبينما استقبلت دول أخرى مواطنيها الناجين من الاعتقال الإسرائيلي بالترحيب الشعبي والرسمي، اختارت المنامة أن تجعل من عودة محمد عبد الله مناسبة للتنكيل، حيث أوقفته الأجهزة الأمنية في مطار البحرين الدولي فور وصوله، واحتجزته لساعات طويلة في غرف التحقيق قبل السماح له بالعودة إلى منزله.

منع استقبال شعبي وإخماد التضامن

أكدت مصادر حقوقية أن السلطات منعت التجمعات الشعبية في المطار تحسبًا لاستقبال حاشد للناشط، الذي بات رمزًا للتضامن البحريني مع غزة، وأن قرار احتجازه جاء بهدف “تفريغ الحدث من رمزيته”، وحرمانه من لحظة احتفاء مستحقة بعد رحلة محفوفة بالخطر في سبيل كسر الحصار.

بهذا التصرف، يرى مراقبون أن النظام البحريني حقق هدفًا واحدًا: منع صورةٍ وطنية جامعة تعبّر عن التزام الشعب البحريني التاريخي تجاه القضية الفلسطينية. فبدل أن يُحتفى بمحمد كبطلٍ مدنيٍّ جسّد إرادة التضامن الشعبي، جرى التعامل معه كـ”مشتبه به”، وكأن الدفاع عن غزة جريمة سياسية.

ويؤكد ناشطون أن هذا السلوك ليس استثناءً، بل استمرار لنهجٍ ممنهج في البحرين يقوم على شيطنة العمل الإنساني المستقلّ واحتكار الخطاب الخارجي في يد السلطة وحدها، حتى وإن تعلق الأمر بفلسطين.

ازدواجية الخطاب الرسمي

تتجلى المفارقة الصارخة في أن وزارة الخارجية البحرينية كانت قد أعلنت، أثناء احتجاز محمد عبد الله في إسرائيل، أنها تتابع أوضاع مواطنيها المحتجزين، وأن وفدًا رسميًا زار مركز الأسرى للاطمئنان عليهم.

لكن مع عودته، كشفت الدولة وجهها الحقيقي: زيارات شكلية وبيانات دعائية لا تمت بصلة إلى حماية الحقوق أو احترام المواقف الوطنية.

وما جرى في مطار المنامة لا يمكن وصفه سوى بأنه رسالة سياسية واضحة من النظام البحريني إلى مواطنيه مفادها أن التضامن مع فلسطين “خارج الإذن الرسمي” يعدّ تجاوزًا للخطوط الحمراء، وأن التعاطف الشعبي مع غزة يُنظر إليه كتهديد أمني، لا كقيمة أخلاقية أو إنسانية.

أسئلة محرجة لسلطة آل خليفة

تطرح حادثة اعتقال محمد عبد الله سلسلة من الأسئلة التي تضع المنامة في موقفٍ أخلاقي حرج:

* ما الرسالة التي تبعثها السلطة حين تستقبل أبناءها العائدين من مهمة إنسانية بالأصفاد بدل الزهور؟

* لماذا يُعاقب البحريني لأنه تجرأ على تمثيل ضمير أمّته خارج حدودها؟

* كيف يمكن لحكومة تزعم دعم “القضايا العادلة” أن تحاكم مواطنًا بسبب تعاطفه مع ضحايا الإبادة في غزة؟

الإجابات واضحة: النظام البحريني، الذي وقّع اتفاق التطبيع مع إسرائيل في عام 2020، أصبح رهينة حساباته السياسية مع تل أبيب وواشنطن، حتى باتت أي مبادرة شعبية تتضامن مع فلسطين تُعدّ خطرًا على علاقاته الاستراتيجية.

البحرين… حين يتحول التضامن إلى تُهمة

يقول أحد النشطاء الحقوقيين إن “اعتقال محمد عبد الله ليس إجراءً قانونيًا، بل إجراء ردعيّ هدفه الترهيب، ورسالة موجهة لبقية النشطاء بأنّ الإنسانية خارج مظلة النظام ممنوعة”.

ويضيف أن “السلطة البحرينية تخشى من رمزية أي تحرك شعبي مستقلّ، خصوصًا إذا تعلّق بفلسطين، لأنها تدرك أن وجدان الشارع البحريني ما زال منحازًا للمقاومة وضد التطبيع”.

بهذا المعنى، فإن قضية محمد عبد الله ليست حادثة فردية، بل مرآة تُظهر الهوة المتسعة بين شعبٍ وفيّ للقضية الفلسطينية ونظامٍ يلهث وراء الرضا الإسرائيلي.

فقد تحوّل التضامن إلى تهمة، والبطولة إلى ملف أمني، والبحر الذي أبحر فيه محمد عبد الله إلى مرآةٍ تكشف عمق التناقض بين شعارات “نصرة الإنسانية” التي ترفعها البحرين في المحافل الدولية وبين واقعها القمعي في الداخل.

في المقابل، لاقت الحادثة تنديدًا واسعًا في أوساط بحرينية وعربية. فقد عبّر ناشطون على وسائل التواصل عن تضامنهم مع محمد عبد الله، مطالبين بالإفراج عن جميع النشطاء المعتقلين بسبب آرائهم، وبوقف ممارسات الدولة التي “تحوّل الولاء لفلسطين إلى جريمة”.

وأكدت منظمات حقوقية بحرينية في المنفى أن ما جرى “يمثّل انتهاكًا صارخًا لحرية التعبير والعمل الإنساني”، داعية الأمم المتحدة إلى الضغط على المنامة لاحترام التزاماتها الحقوقية، وفتح تحقيق في الاحتجاز التعسفي الذي طال أحد مواطنيها فقط لأنه تجرأ على قول لا للحصار والإبادة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

1 + اثنان =

زر الذهاب إلى الأعلى