في البحرين: ديكورات حقوق الإنسان للترويج الدعائي فقط
لا تعدو أنشطة المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان (NIHR) في البحرين عن كونها مجرد ديكورات للترويج الدعائي فلا تقدم ولا تؤخر في سياق معالجة الانتهاكات الجسيمة التي تشهدها البلاد بفعل قمع واستبداد النظام الحاكم.
ويبرز مراقبون أن المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان تهتم باستقبال وفود الأرض أجمع لعرض “إنجازاتها” الحقوقية الوهمية، فيما ترفض استقبال المحققين الخاصين للأمم المتحدة للتحقق من مصداقية أقوالهم.
ويتساءل المراقبون ما حاجة البلاد لمؤسسة يهمها الصورة والترويج الدعائي فقط ولا تبدي أي اهتمام بحياة سجين رأي وحقوقي بارز.
وروجت المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان في البحرين مؤخرا عن توقيعها مع المفوضية العليا لحقوق الإنسان في روسيا الاتحادية، بروتوكول تعاون لتسهيل التعاون بين الطرفين في المجالات ذات الاهتمام المشترك من خلال تبادل الإجراءات القانونية بين الأطراف.
اتفاقيات ولقاءات للعلاقات العامة
واحتفت المؤسسة باستقبال وفدًا يضم عددًا من موظفي مجلسي النواب والشيوخ بالولايات المتحدة الأمريكية، واستعراض جهودها لمتابعة أوضاع حقوق الإنسان في البحرين.
وتزعم المؤسسة الوطنية أنها تعمل على “ترسيخ مبادئ حقوق الإنسان، في إطار التعاون والشراكة بين الأجهزة الرسمية ومؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص بما يحقق رؤية التسامح والتعايش”.
غير أن حقائق الأوضاع في البحرين أن ما تروجه المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان مجرد دعائية تفتقد أي مصداقية.
يؤكد ذلك مصادقة البرلمان الأوروبي بالأغلبيّة المطلقة في مارس/ آذار 2021، على مشروع قرارٍ عاجلٍ يدين انتهاكات حقوق الإنسان في البحرين، لا سيّما حالات المحكومين بالإعدام والمدافعين عن حقوق الإنسان، واستمرار استخدام التعذيب ضدّ المعتقلين، واضطهاد المدافعين عن حقوق الإنسان.
كما يؤكد ذلك تقرير وزارة الخارجيّة الأمريكيّة لحقوق الإنسان لعام 2020، الذي أكد تدهور الوضع الإنساني والحقوقيّ في البحرين، واستمرار اضطهاد غالبيّة المواطنين من منطلق ديني.
وعليه فإن المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان في البحرين لا تمثل سوى غطاء صريحا للقمع والانتهاكات بحق حقوق الإنسان رغم ترويج النظام على أنّها كيان مستقلّ مسؤول عن تعزيز وحماية حقوق الإنسان في البلاد.
غطاء للقمع
تثبت المؤسسة باستمرار تورّطها في التّستّر على انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبتها السّلطات البحرينيّة، ودورها في تعزيز ثقافة الإفلات من العقاب.
يستمرّ الاستهداف الممنهج للسّجناء السّياسيّين والمدافعين عن حقوق الإنسان والنّشطاء ومعارضي الحكومة من قبل السّلطات البحرينيّة في محاولة لإسكات أصوات المعارضة في البلاد.
رداً على ذلك، تصدر المؤسّسة الوطنية لحقوق الإنسان بيانات تؤكد أن “مملكة البحرين أصبحت نموذجاً للإصلاح السّياسيّ والدّيمقراطيّة واحترام حقوق الإنسان والحريّات العامّة والالتزام بسيادة القانون والمؤسّسات الدّستوريّة”.
وزعمت المؤسسة في ديسمبر 2020 أن “اهتمام مملكة البحرين بحقوق الإنسان والتزامها بتعزيزها وحمايتها هو اهتمام حقيقي ودائم ومستمرّ”.
غير أن هذه التّصريحات تتناقض مع حقيقة الوضع وتؤكّد فشل المؤسسة الوطنيّة لحقوق الإنسان في أداء مهمتها وغياب نزاهتها في تعزيز حقوق الإنسان في البحرين.
يتعرّض النشطاء والمدافعون عن حقوق الإنسان وقادة المنّظمات غير الحكوميّة المحليّة وغيرهم من الأفراد للتّضييق الممنهج في القضاء، إذ غالبًا ما يتمّ حرمانهم من حقوقهم في المحاكمة العادلة.
ومن المعروف أنّ القضاء في البحرين يحتوي على الكثير من العيوب من حيث استقلاليته ونزاهته، ومع ذلك تساهم المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان أكثر فأكثر في هذه الانتهاكات.
كما يستمرّ انتهاك الاجراءات الواجبة من قبل أجهزة الدّولة المختلفة منذ لحظة توقيف المعتقل إلى حين إصدار الحكم عليه في النّهاية.
وتعرّض الكثير من المعتقلين للاعتقال التّعسّفي وتمّ حرمانهم من حرّيّاتهم المدنيّة. وفي حالاتٍ كثيرة، يداهم أفراد ملثّمون من قوّات الأمن المنازل ويستخدمون العنف الجسديّ ضدّ المشتبه بهم وأفراد أسرهم. نادرًا ما يتم تقديم مذكرات التّوقيف، ولا يتم إبلاغ المشتبه بهم بسبب أو أسباب الاعتقال.
تمارس السّلطات البحرينية بعد ذلك العنف الجسديّ والنّفسي والجنسيّ على المعتقلين أثناء فترة النّقل والاستجواب.
وتُستخدم هذه الممارسات لإكراه المحتجزين على الإدلاء باعترافات كاذبة؛ الاعترافات تعتمد عليها المحاكم بعد ذلك كأدلّة عادلة في المحاكمة.
علاوة على ذلك، غالبًا ما يُحرم المشتبه بهم من الحصول على المساعدة القانونيّة قبل المحاكمة. وبسبب تقييد الوصول إلى الأدلّة، لا يتمكّن المحامون في أغلب الأحيان من تحضير الدّفاع المناسب.
وعلى الرّغم من أنّ هذه المحاكمات يجب أن تكون علنيّة، إلا أن معظمها يكون مغلقًا. بالإضافة إلى ذلك، ثمّة مسألة شائعة داخل نظام القضاء البحريني وهي محاكمة الأفراد غيابيًّا أو في محاكمات جماعية.
وقد حُكم على المئات من معارضي الحكومة بأحكامٍ بالسجن لأكثر من عشر سنوات في محاكمات لأكثر من 50 شخصًا، أو في غيابهم تمامًا.
على هذا الأساس، تبيّن بوضوح أنّ المحاكمات تتعارض مع المعايير الدّولية للمحاكمة العادلة، المنصوص عليها في العهد الدّولي الخاصّ بالحقوق المدنيّة والسّياسيّة.
لا صلاحيات ولا دور فعلي
تدعي المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان أنّها ليست جهازًا مسؤولًا عن مراجعة القرارات القضائيّة أو التّعليق على المحاكمات.
هذه السّلبية التّامة غير مبرّرة، ومن النّاحية العمليّة، تتمتّع المؤسّسة الوطنيّة لحقوق الإنسان بالحقّ الكامل في المراقبة والزّيارات الميدانيّة إلى أي مكان عام يشتبه في أنّه موقع لانتهاك حقوق الإنسان. فالمؤسّسة قادرة على مراقبة الإجراءات، ورصد انتهاكات الإجراءات القانونيّة، والوصول إلى جميع المعلومات اللّازمة لتحقيق أهدافها.
في هذا الصّدد، يتعرّض السّجناء السّياسيّون والمدافعون عن حقوق الإنسان في السّجن للتعذيب الممنهج وغيره من ضروب المعاملة المهينة.
تشمل أدوات القمع الأخرى منع الوصول إلى الرّعاية الصّحيّة الكافية، والحرمان من مستلزمات النّظافة ونقص الخدمات الأساسيّة الأخرى.
أمّا المزاعم المتعلّقة بانتهاكات حقوق الإنسان فهي آخذة في الارتفاع، بما في ذلك التّعذيب والاعدام خارج نطاق القانون، ممّا يبعث تصوّرًا على عدم قدرة الحكومة على تقديم الجناة إلى العدالة.
بدلاً من ذلك، تساهم الحكومة في تعزيز ثقافة الإفلات من العقاب من خلال نفي مزاعم التّعذيب، بل مكافأة مرتكبي هذه السلوكيات من خلال ترقيتهم إلى مناصب رفيعة. إنّ فشل المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان في التّحقيق في مثل هذه المزاعم يجعل المؤسسة شريكة في هذه الجرائم.
فساد النّظام القانونيّ
تستغل السّلطات الإطار القانوني الرّاهن بهدف توقيف النّاشطين السّياسيّين والمدافعين عن حقوق الإنسان بناءً على أدلّة ملفّقة.
إنّ قانون حماية المجتمع من الأعمال الإرهابية الذي سنته البحرين في العام 2006، والذي يحظر أي عمل من شأنه أن “يمسّ بالأمن العام أو يهدّد سلامة وأمن المملكة أو يضر بالوحدة الوطنية”، قد جرّم العديد من حرّيّات التّعبير الأساسيّة وتكوين الجمعيّات والتّجمع.
يقول التّعريف الواسع للإرهاب بإمكانيّة تفسير السّلوك والخطاب المحميّين على أنّهما إجراءات تهدف إلى قلب النّظام العامّ وتعريض المجتمع للخطر.
كما تسمح هذه القوانين للسلطات بزيادة فترات الاحتجاز، وفرض عقوبات أطول بالسجن وإصدار أحكام أكثر شدّة، بما في ذلك عقوبة الإعدام.
وأيضًا، أعادت قوانين الصّحافة المعدّلة ترسيخ القيود على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وشبكات الإنترنت الأخرى.
أصبح تعريف القانون لـ “إساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي” على أنّها القيام باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي لتهديد السّلم المجتمعي، والتّسبب بالانقسام، وإضعاف الوحدة الوطنيّة.
ويركّز هذا القانون خصوصًا على جرائم التّشهير والشّتم ونشر الشائعات وإلحاق الضرر بالأفراد والأجهزة والهيئات ومؤسّسات الدّولة. أصبح السّجن هو عقوبة هذه الأفعال الآن.
تتلقّى المؤسّسة الوطنيّة لحقوق الإنسان شكاوى كثيرة بخصوص انتهاكات حقوق الإنسان هذه ، وعادة ما تتوصّل المؤسّسة من دون تحقيق إلى أنّ الانتهاكات المعنيّة لم تحدث.
الاعتداء على ثلاث نساء في سجن النّساء في “مدينة عيسى”
في العام 2018، قدّمت ثلاث نساء محتجزات في سجن “مدينة عيسى” للنساء في البحرين شكوى تتعلّق بأعمال انتقامية نُفِّذت ضدهن وذلك بتشجيع من عوائلهنّ.
تشمل هذه الأعمال الانتقاميّة منعهنّ من المشاركة في الطّقوس الدّينيّة لإحياء ذكرى عاشوراء، والضّرب الجسديّ، والحدّ من المكالمات الهاتفيّة المنتظمة، والاعتداءات التي تتطلّب دخول المستشفى.
ومع ذلك ، خلصت المؤسّسة الوطنيّة لحقوق الإنسان إلى أنّ النّساء “كنّ قادرات على ممارسة شعائرهنّ الدّينيّة دون قيود لا لزوم لها”، وأنّه “لم يكن ثمّة حرمان متعمّد” فيما يتعلّق برفض المكالمات الهاتفيّة أو الزّيارات العائليّة. كما زعمت المؤسّسة الوطنيّة لحقوق الإنسان أنّ دخول إحدى النّساء إلى المستشفى لم يكن خطأ سلطات السّجن.
جاءت هذه الادّعاءات على الرّغم من تقرير الأمين العام للأمم المتّحدة الذي أشار فيه إلى هذه الانتهاكات لحقوق الإنسان. إنّ مثل هذه التّصريحات لا تدلّ إلا على افتقار المؤسّسة إلى المصداقيّة والاستقلاليّة.
إخفاء الانتهاكات
من النّاحية النّظريّة، شكّل إنشاء المؤسّسة الوطنية لحقوق الإنسان خطوة إيجابيّة لحقوق الإنسان في البحرين. أمّا من النّاحية العمليّة، لم تحقّق المؤسّسة هذه الأجندة، وبدلاً من ذلك ساهم في إخفاء الانتهاكات المتفشية والمستمرة لحقوق الإنسان في البلاد.
تفتقر المؤسّسة الوطنيّة لحقوق الإنسان إلى الاستقلاليّة الماليّة والفنّيّة واللّوجستيّة، وقامت بتبييض الانتهاكات التي ارتكبتها السلطات، ممّا ساهم في تعزيز انتشار ثقافة الإفلات من العقاب أكثر فأكثر.
وفقًا للأدلّة ، تفتقر آليّات الاستجابة للشّكاوى المتعلّقة بانتهاكات حقوق الإنسان إلى الفعاليّة، فتبقى أصوات الضّحايا دون صدى ولا يحصلون على أيّ تعويض.
وبسبب قلّة التّحقيقات الّتي تجريها المؤسّسة الوطنيّة لحقوق الإنسان، تنتهي غالبيّة الطّلبات إلى الرفض، على الرّغم من وجود أدلّة دامغة تدحض ذلك.
فضلًا عن هذا، لم تتمّ المتابعة في الوقت المناسب حتّى في الحالات الّتي خلصت فيها المؤسّسة الوطنيّة لحقوق الإنسان إلى احتمال وقوع انتهاكات لحقوق الإنسان، فيتمكّن الجناة المحدّدين من الاستمرار دون عقاب. نتيجة لذلك، فشلت المؤسّسة الوطنية لحقوق الإنسان في الالتزام بمبادئ باريس، مما يؤكّد حاجتها الماسّة إلى التّحسين.