خدعة حقوق الإنسان في البحرين: واقع الانتهاكات يفضح الدعاية الرسمية

في مشهد مكرر بات مألوفًا للمتابعين، عاد وزير الداخلية البحريني راشد بن عبد الله آل خليفة ليؤكد في لقاء رسمي أن “حقوق الإنسان في البحرين جزء لا يتجزأ من أصالة المجتمع البحريني ومحور أساسي في جميع مجالات العمل الأمني”، مضيفًا أن بلاده تبنت مؤسسات رقابية مستقلة لتعزيز منظومة الحقوق والحريات، وفق ما نقلته وكالة الأنباء الرسمية عقب استقباله الأمينة العامة للأمانة العامة للتظلمات غادة حميد حبيب.
غير أن هذا النوع من التصريحات لا يصمد أمام كمّ التقارير الدولية التي ترصد سنويًا ما تصفه بـ”الانتهاكات الممنهجة” لحقوق الإنسان في البحرين، في ظل استمرار القمع السياسي، وغياب العدالة، وتضييق الخناق على حرية الرأي والتعبير، وسط مؤشرات تؤكد التدهور المستمر في واقع الحريات المدنية والسياسية.
مؤشرات قاتمة وتصنيفات دولية مقلقة
تصنّف منظمة “فريدوم هاوس” البحرين منذ عدة سنوات ضمن قائمة الدول “غير الحرة”، حيث منحتها في تقريرها الأخير علامة 2 من أصل 40 في الحقوق السياسية، و10 من 60 في الحريات المدنية، وهو تقييم يُظهر خللًا بنيويًا في النظام الحقوقي للبلاد.
وفي مؤشر سيادة القانون وحقوق الإنسان الصادر عن منظمة Fund for Peace، حصلت البحرين على درجة 8.40 من أصل 10 لعام 2024، وكلما ارتفعت القيمة اقترب التصنيف من “الفشل المؤسسي”، ما يجعل البحرين من الدول التي تعاني من ضعف حاد في حماية الحقوق وسيادة القانون، مقارنة بمتوسط عالمي يبلغ 5.41 فقط.
حتى حرية الإنترنت لم تسلم من التدهور، إذ حصلت البحرين على 28 نقطة فقط من 100 في تصنيف “فريدوم هاوس” للعام 2024، ما يعكس بيئة رقمية مقيدة بشدة، تتسم بحجب المواقع، والمراقبة الشاملة، وملاحقة النشطاء والمدونين.
محاكمات مشوبة وانتهاكات داخل السجون
منظمة هيومن رايتس ووتش وثّقت في تقارير متعددة محاكمات استندت إلى “اعترافات تحت التعذيب”، وأحكام إعدام وصفتها بأنها غير عادلة، فضلًا عن استمرار السياسات القمعية التي تضيّق على المعارضة السياسية، وتحظر الأحزاب المستقلة، وتعاقب المشاركين في الحراك السلمي الذي شهدته البلاد عام 2011.
ووفق المنظمة، فإن البحرين تمارس “عزلًا سياسيًا” ممنهجًا عبر قوانين تمنع المعارضين السابقين من الترشح أو تشكيل أحزاب جديدة. كما انتقدت بشدة سحب الجنسية من معارضين ونشطاء، معتبرة ذلك وسيلة لإسكات الأصوات المعارضة وترهيب المجتمع المدني.
أما منظمة العفو الدولية فقد عبّرت عن قلقها المتزايد من الاعتقال التعسفي، وتحديدًا في سجن جو المركزي، حيث يعاني المعتقلون من الحرمان من العلاج وسوء ظروف الاحتجاز، فيما يتواصل احتجاز عشرات من سجناء الرأي منذ سنوات، رغم المطالبات الدولية بالإفراج عنهم.
الأمم المتحدة: قلق مستمر من غياب التعاون
وفي الميدان الأممي، لم تتوانَ المفوضية السامية لحقوق الإنسان عن التعبير عن قلقها من “استمرار القمع والتضييق على الحريات في البحرين”، مشيرة في تقارير دورية إلى “فشل السلطات في الاستجابة للمطالبات الدولية بإجراء إصلاحات جوهرية”.
ورغم النداءات المتكررة، لم تتمكن المفوضية حتى اليوم من إجراء زيارة ميدانية رسمية إلى البحرين لتقييم الوضع الحقوقي، ما يعكس حجم الانغلاق والتقوقع الرسمي على الانتهاكات.
وهم الإصلاح ومشهد الانفصام
يُجمع المراقبون على أن البحرين تتبع سياسة مزدوجة؛ تروّج فيها لخطاب إصلاحي في العلن، بينما تمارس في الواقع منظومة أمنية شديدة القمع، تقوّض بها كل ما تعلن عنه من مؤسسات رقابية أو ضمانات قانونية.
ففي وقت يُمنع فيه آلاف المواطنين من الترشح أو التصويت بدعوى الانتماء السياسي السابق، وتُغلق فيه الجمعيات المستقلة، ويُسجن النشطاء، لا يبدو أن الحديث عن “أصالة المجتمع البحريني في حقوق الإنسان” إلا محاولة فاشلة لتزييف الواقع أمام الرأي العام الدولي.
وقد وصف ناشط بحريني حقوقي – رفض الكشف عن هويته لأسباب أمنية – التصريحات الأخيرة بأنها “استمرار لمسلسل الإنكار الرسمي”، قائلاً: “إن كانت لدى الحكومة نية حقيقية للإصلاح، فلتبدأ بالإفراج عن السجناء السياسيين، ورفع الحظر عن الجمعيات، والسماح بعودة المنفيين”.
ويبقى المشهد الحقوقي في البحرين على حاله: أجهزة أمنية تقمع، ووزراء يبررون، ومنظمات دولية توثق وتنذر. وبين هذا وذاك، يتواصل صمت المجتمع الدولي الفعلي، ويستمر النظام البحريني في تسويق رواية الحقوق والعدالة التي لا مكان لها إلا في بياناته الرسمية.