جنازة معتقل سابق تتحول لفعالية مناهضة للنظام البحريني
تحولت جنازة المعتقل السابق علي قمبر إلى فعالية مناهضة للنظام البحريني وسط تنديد شعبي واسع بالاستبداد والقمع في البلاد.
وشيَّعت حشود غاضبة من البحرينيين جثمان قمبر لمثواه الأخير في النويدرات وسط تشديد أمني، بعد أن نشرت وزارة الداخلية قوات كبيرة بالقرب من مداخل القرية، كما حلّقت طائرة مروحية فوق الحشود.
وردد المشاركون في الجنازة شعارات منددة بسياسات النظام البحريني القمعية والاستبدادية، وطالبوا بالإفراج عن المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي من السجون.
وقضى قمبر بعد صراع طويل مع المرض والمعاناة من آثار التعذيب. وأفرجت السلطات البحرينية عن قمبر بعد تدهور حالته الصحية، نتيجة حرمانه من العلاج داخل السجن.
ونعى ائتلاف 14 شباط/فبراير المعارض قمبر، معتبرًا إيّاه “قربانًا على طريق نيل عزّة وكرامة شعب البحرين، وتحقيقه أهداف ثورته المباركة في العدل والمساواة وتقرير المصير”.
وكان قمبر أصيب بمرض السرطان في الوجه والرئتين ومضاعفات أخرى جراء فترة اعتقاله في سجن “جو” المركزي منذ عام 2014.
وتدهورت حالته الصحية بعد حرمانه من حق الرعاية الطبية، قبل أن تقرر السلطات الإفراج عنه يوليو 2018. وقضى قمبر بعد سنوات علاج قضاها في التنقل بين تركيا والبحرين.
قصة معاناة
في مارس 1996 أعدمت السلطات البحرينية فجراً أخاه الشهيد عيسى قمبر (29 عاما)، وقتها كان علي قمبر بالسجن ولم يسمح له بدفن أخيه الذي تم دفنه في المنامة بعيدًا عن مسقط رأسه في النويدرات.
الآن، جمعهما الفجر مجددًا هناك في عالم آخر، حيث يمكن لهما الاستراحة سويّا من ظلم العائلة الحاكمة وتَذَكَّر والدتهما التي دفنت ولدين شهيدين ولا زالت تتأمل مجيء يوم يتحقق فيه حلم أولادها بالتغيير الحقيقي في هذه البلاد الحزينة.
وعلي قمبر والدٌ لخمسة أبناء. منذ صباه كان ضمن التيار المطالب بالحرية والعدالة في البحرين، انخرط ضمن الفاعلين في حراك 14 فبراير 2011، لتبدأ السلطات ملاحقته كمطلوب بتهمة المطالبة بالتغيير.
في 2 سبتمبر/ أيلول 2014، اعتقلت قوات أمنية قمبر وذلك عقب كمين استخباراتيّ، أثناء وجوده في مسجد سلمان الفارسيّ، وقد تمّ نقله إلى مبنى التحقيقات الجنائيّة، وهناك عانى قمبر من تعذيب وحشي استمرّ طويلاً.
تم الحكم عليه بالسجن لمدة 37 عامًا وسحب جنسيته، تم إيداعه سجن جوّ سيء الصيت، ليبدأ هناك رحلة مليئة بخدمة إخوته سجناء الرأي، وكان رفيقه الأنيس عباس مال الله، الذي سبقه هو الآخر إلى الشهادة في السادس من أبريل الماضي (2021).
أصيب علي قمبر داخل السجن بسرطان الغدة النكفية، وساءت حالته، وفي العام 2017 تجاهلت وزارة الداخلية توصية من طبيبه بمنحه إفراجًا من السجن لأسباب صحية، إذ أوصى جرّاح في مستشفى قوة دفاع البحرين بالإفراج عنه بعد إجرائه عمليتيّ استئصال الغدة النكفية بين مارس وأبريل من ذلك العام، لكنّ الوزارة واصلت تجاهل هذه التوصية لأكثر من عام ، مما أدى إلى انتشار السرطان في جسمه ووصوله إلى رئتيه.
في 3 يوليو/ تموز 2018 أفرجت السلطات عن علي قمبر وذلك بعد تدهور كبير في حالته الصحية، ومعرفة السلطات أنّ الموت يقترب منه.
خرج قمبر من السجن لكن إرادته في مقاومة المرض الخبيث كانت كبيرة، بدأ رحلة العلاج داخل البحرين، وذهب بعدها إلى العاصمة البريطانية لندن، بعد فترة من العلاج والمقاومة، وتحديدًا في نوفمبر 2020 ، قال جراح أورام بارز لعلي قمبر أن حالته غير قابلة للشفاء وأن حياته “محدودة”.
عاد للبحرين، وعاش ما استطاع وقاوم المرض ما أمكنه ذلك، رغم آلامه كان مشهودًا له الاهتمام الشديد بملف المساجد المهدّمة خصوصا في قريته النويدرات. هكذا بقي حتى جاء الفجر الأخير، 25 أكتوبر 2021 ودّع الجميع وغفا غفوته الأخيرة.
بعد رحيله انتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تسجيلًا صوتيًا يقول الشهيد فيه “أشكركم جميعاً وسلامي الى الجميع، وفي أمان الله وحفظه”.
كل من عرف الشهيد، أبّنوه بكلمات تنبيء عن عاطفة خاصة تجاه شخصيته المليئة بالإيثار الحقيقي والتضحية والتواضع.
علق مدير المناصرة في معهد البحرين للحقوق والديمقراطية (BIRD) السيد أحمد الوداعي،قائلاً: “على مدى السنوات القليلة الماضية ، رافقت علي أثناء علاجه الطبي في المملكة المتحدة وسمعت بشكل مباشر عن المعاناة التي لا توصف الناجمة عن الإهمال الطبي الذي عانى منه أثناء سجنه في البحرين. على الرغم من مرضه، ظل إيجابيًا وملتزمًا بالنضال من أجل العدالة حتى لحظاته الأخيرة. إن وفاته المبكرة يجب أن تجبر البحرين على إطلاق سراح جميع السجناء السياسيين لمنع تكرار هذه المأساة ، ولا سيما أولئك الذين ليسوا على ما يرام أو الضعفاء”.
الناشطة الحقوقية ابتسام الصبّاغ، كتبت كلمات تنضح بالمرارة “كان الإفراج عنه حزين كما رحيله اليوم. إنه يوم أسود للإنسانية ولحقوق السجين، حيث غابت النصوص السماوية والأخلاق، والقواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء، عن كل من هم فوق القانون”.
تذوب الكلمات عند وصف هذا الشهيد، لكنه تأبين لا بد منه، جميع من اقترب من الراحل يعرفون صعوبة توصيف كيف أن هذا الرجل كان ذائباً في مبادئه ومُجسّدٌ لها في كل خطوة يخطوها.