تجريم النقد الحكومي.. النظام الخليفي يرهن الوظائف بالخضوع لاستبداده

ينتهج النظام الخليفي في الحاكم في البحرين الوظائف بالخضوع لاستبداده ومنع أي انتقادات لسياساته في تكريس واضح لتجريم النقد الحكومي وقمعه الحريات العامة.
وفي تموز/يوليو من عام 2020، أقدم النظام الخليفي على تمرير تعديلات جوهرية على قانون الخدمة المدنية، مثيرا جدلاً واسعًا بشأن حرية التعبير وحقوق الموظفين العموميين.
إذ أجازت هذه التعديلات، وللمرة الأولى بشكل صريح، فصل أي موظف حكومي في حال توجيهه نقدًا لسياسات الدولة عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو أي وسيلة إعلامية أخرى.
وقد نصّت التعديلات على المادة (34)، البند (10) من اللائحة التنفيذية لقانون الخدمة المدنية الصادر بالمرسوم بقانون رقم (48) لسنة 2010، والتي دخلت حيز التنفيذ في 9 يوليو/تموز 2020، على أنه “يجوز للموظف – طوال شغله لوظيفته – نشر وجهة نظره بكافة الوسائل، شريطة أن لا يتناول ما يثير الخلافات في المجتمع أو يوجه النقد لسياسات الحكومة وقراراتها بأي وسيلة من الوسائل”.
ورغم أن هذه التعديلات تُعد الأولى من نوعها التي تُجرم بشكل واضح وصريح توجيه النقد للحكومة ومؤسساتها الرسمية من قبل المواطنين، إلا أن واقع الحال يشير إلى أن السلطات البحرينية لطالما مارست تضييقًا ممنهجًا على حرية الرأي، وذلك باستخدام قوانين أخرى كقانون العقوبات وقانون تنظيم الصحافة والنشر.
وبحسب رابطة الصحافة البحرينية فإن تلك القوانين، على مدار السنوات، احتوت على مواد فضفاضة تُفسّر حسب رغبة السلطة، وتُستخدم كسيف مسلط ضد كل صوت معارض أو مختلف.
أحد أبرز الأمثلة على ذلك هو ما حدث في عام 2015، حين قامت وزارة التربية والتعليم بفصل الناشط نادر عبدالإمام من وظيفته، بعد أن قضى عقوبة بالسجن استمرت أربعة أشهر بسبب تغريدة تناولت شخصية تاريخية مثيرة للجدل هي “خالد بن الوليد”.
ورغم انتهاء مدة حبسه، أقدمت الحكومة لاحقًا على اتخاذ قرار بفصله تعسفيًا من عمله بعد حوالي 14 عامًا من الخدمة، وهو إجراء لم يكن ليفهم إلا في إطار سياسة انتقامية تستهدف ترهيب المعارضين وإسكاتهم.
عام 2015 كان عامًا حافلاً بالأحداث، ويُعد ثاني أكثر الأعوام قسوة على المعارضة البحرينية بعد عام 2011. ففي مطلعه، وتحديدًا في 28 ديسمبر 2014، تم اعتقال الشيخ علي سلمان، أمين عام جمعية الوفاق الوطني الإسلامية وزعيم المعارضة.
وتبعه بأسبوعين فقط اعتقال جميل كاظم، رئيس شورى الجمعية والنائب السابق، بسبب تغريدة انتقد فيها “المال السياسي” في الانتخابات النيابية التي أجريت في نوفمبر 2014، وحُكم عليه بالسجن ستة أشهر وغرامة مالية.
وفي ذات العام، انخرطت البحرين في التحالف العسكري في الحرب على اليمن، وهو ما فتح الباب أمام موجة جديدة من القمع لكل من تجرأ على انتقاد هذا التدخل العسكري.
فتم سجن عدد من الشخصيات البارزة، من بينهم الناشط الحقوقي نبيل رجب، وأمين عام جمعية الوحدوي فاضل عباس، والمغردين المعروفين يوسف العم و”بوخميس”. وعلى نفس النهج، وبعد انتهاء محكوميته، تم فصل فاضل عباس من عمله في وزارة التربية والتعليم، في استمرار واضح لنهج العقوبة المزدوجة.
الأمر لم يقتصر على السجن والفصل فقط، بل باتت القوانين تُستخدم كأداة لترهيب المواطنين وإجبارهم على ممارسة رقابة ذاتية على ما يكتبونه أو ينشرونه.
ومع مرور الوقت، توسعت رقعة الاستهداف لتشمل ليس فقط المعارضين التقليديين، بل أيضًا شخصيات كانت تُحسب على الدولة أو تلتزم الحياد. من بين هذه الحالات، كانت قضية الناشطة لولوة البنعلي، التي تم فصلها من عملها في وزارة التربية بسبب منشورات انتقدت فيها أداء مسؤولي الوزارة.
وفي مثال آخر يوضح مدى تضييق دائرة النقد، تعرض الصحفي صالح العم للمساءلة بسبب منشورات تتعلق بمواضيع خدمية بحتة، مثل آليات توزيع أكياس القمامة في البلديات، ما يكشف أن سياسة القمع لم تعد محصورة في القضايا السياسية الكبرى، بل امتدت إلى تفاصيل الحياة اليومية.
ومن الناحية القانونية، اعتمدت السلطات القضائية في البحرين على عدد من المواد في قانون العقوبات لتبرير هذه الانتهاكات، خصوصًا المواد 133، 134، 160، 165، 168، و172. هذه المواد، بصياغتها العامة وغير الدقيقة، أفسحت المجال لتفسيرها بشكل فضفاض يخدم السلطة التنفيذية ويقيد الحريات الأساسية.
قد يظن البعض أن انخفاض عدد الحالات المعلنة في السنوات الأخيرة يدل على تخفيف السلطات من قبضتها الأمنية أو تبنيها لنهج أكثر تسامحًا.
غير أن الحقيقة هي أن هذا الانخفاض يعكس اتساع ظاهرة الرقابة الذاتية لدى المواطنين، نتيجة الخوف من العقاب والتجريم القانوني، وليس بسبب تحسن في البيئة الحقوقية أو السياسية.
وقالت الرابطة إن الدولة التي تسعى إلى احتكار الرأي ومنع أي انتقاد أو مساءلة، تحرم نفسها من فرص التطوير والبناء المجتمعي الحقيقي. فحرية التعبير ليست ترفًا، بل ضرورة لأي دولة تطمح إلى الاستقرار والنمو.
لذلك، فإن على الحكومة البحرينية أن تتراجع عن هذه القوانين المقيدة للحريات، وتعيد النظر في المواد القانونية التي تصطدم مع الحقوق الدستورية للمواطنين في التعبير عن آرائهم.
وشددت على أن القبول بالتعددية الفكرية والاختلاف السياسي لا يهدد الاستقرار، بل يعززه. أما الدولة التي تصر على السير برأي واحد وتخنق الأصوات المختلفة، فهي تضع نفسها ومجتمعها في حالة احتقان دائم قد تنفجر في أي لحظة، مخلفة تداعيات خطيرة لا تحمد عقباها.