Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
انتهاكات حقوق الإنسان

القيود على الحريات في البحرين وسخرية المواطن كاستجابة طبيعية

على امتداد عقدين، شهدت البحرين تحوّلًا حادًا في البيئة الإعلامية، حيث انتقلت الصحافة من ذروة نفوذها الورقي إلى تراجع الثقة بها، مع تضاؤل المساحات المستقلة للنقاش العام وزيادة فرض النظام الخليفي القيود على الحريات.

وأبرزت رابطة الصحافة البحرينية أنه في مطلع الألفية، كانت الجرائد اليومية تلعب دور الوسيط الأساسي بين المجتمع والدولة، وكانت الصحافة مكانًا للنقاش والمساءلة، مع صدور صحف مثل “الوسط” و”الوقت” التي رفعت سقفها التحريري بفعل الانفتاح السياسي النسبي.

غير أن هذا المسار انهار بعد 2011 مع موجة من الإجراءات السياسية والأمنية، والتي بلغت ذروتها بإيقاف صحيفة “الوسط” في يونيو 2017، طيًّا لآخر منفذ مستقل ذي وزن في البلاد.

وقد شكّل هذا التحوّل المؤسسي نهاية مرحلة النقاش العام عبر الصحافة التقليدية، وانتقال المواطنين تدريجيًا إلى فضاءات رقمية كـ”تويتر” وتطبيقات المراسلة، بحثًا عن مساحة للتفاعل والاعتراف الاجتماعي بعيدًا عن الرقابة المباشرة للسلطة.

لكن الانتقال إلى الفضاء الرقمي لم يخفف القيود، بل أضاف بعدًا جديدًا لها. منذ 2011، شهدت البحرين “تضييقًا ممنهجًا على المجال العام”، شمل اعتقالات وملاحقات قضائية بحق صحفيين ونشطاء، إضافة إلى توسيع نطاق التجريم على الإنترنت عبر قوانين مثل قانون جرائم تقنية المعلومات رقم 60 لسنة 2014 وقانون حماية وثائق الدولة والمعلومات رقم 16 لسنة 2014.

ووفق منظمة فريدوم هاوس، تصنف البحرين بلدًا “مقيّدًا” على الإنترنت، مع حجب مواقع وملاحقات جنائية للتعبير عن الرأي.

وتعتبر الرابطة أن هذه البيئة القانونية والسياسية تجعل من الصحافة البحرينية “قناة علاقات عامة للدولة بدلًا من وسيط مستقل”. ومع غياب المساءلة، أصبح المواطن يقرأ الخبر كسردية رسمية لا مادة للنقاش، في حين أن أي تعقيب جادّ قد يكلّفه سنوات في السجن.

والنتيجة الطبيعية لذلك هي “انتشار السخرية، النكات، والميمات” كوسيلة للتعبير عن الرأي والتشكيك في الأخبار الرسمية دون المخاطرة بالعقاب.

والسخرية هنا ليست مجرد رفض للخبر، بل “استجابة منطقية لمجتمع محاصر”. فقد فقد البحرينيون الثقة بالصحافة التقليدية، بينما فرضت الدولة تكلفة عالية على كل محاولة للاعتراض أو النقد.

ومع ذلك، يُظهر المواطنون براعة في استخدام فضاء التواصل الرقمي للتنفيس عن الغضب وإرسال رسائل تشكيك ضمن حدود الأمان الشخصي، لتصبح السخرية لغة النقاش الافتراضية، وهي بديل مؤقت عن النقاش الرصين الذي لم تعد البيئة تسمح به.

وما بين 2002 و2011، كانت الصحافة تؤدي وظيفة “الوسيط” بين المجتمع والدولة، كاشفة عن مواطن الخلل المؤسساتي والإداري، وفاعلة في أفق إصلاحي محدود. ومع تراجع هذا الدور، تضاءلت الحاجة إلى النقاش الجاد، وازدهرت ثقافة “اقتصاد اللا تصديق”، حيث تصبح السخرية وسيلة ذكية لتفكيك الأخبار الرسمية.

وبحسب الرابطة فإن إصلاح هذه البيئة يتطلب “إعادة النظر في القيود القانونية والسياسية على حرية التعبير”، بما في ذلك قوانين الصحافة، الجرائم الإلكترونية، وقوانين الإرهاب.

كما يتطلب توفير “ضمانات مهنية للصحفيين والنشطاء”، تتيح إنتاج صحافة قائمة على البحث والتحقيق والمساءلة، قادرة على تشكيك السلطة الرسمية دون الخوف من العقاب.

باختصار، سخرية البحرينيين من الأخبار الحكومية “نتاج طبيعي لقمع الحريات”، ومحاولة لإعادة صياغة مساحة التعبير في بيئة تخنق الكلام الجاد.

وأي إصلاح حقيقي للصحافة البحرينية يحتاج إلى إعادة بناء الثقة، عبر “قانون متوازن، مساءلة مؤسسية، شفافية في المعلومات، ومنابر مهنية مستقلة”، لتستعيد الصحافة وظيفتها الأصيلة: أن تُقنع بالمعلومة لا أن تُستَخدم مادة للتندر والسخرية.

ويوضح ذلك أن “قيود الحريات في البحرين ليست مجرد مسألة قانونية أو تقنية، بل أزمة بنيوية” في العلاقة بين الدولة والمجتمع، تؤثر على جميع أشكال التعبير والمشاركة العامة، وتحول المواطن إلى متفرج ساخر بدلًا من مشارك فاعل في النقاش السياسي والاجتماعي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أربعة × 1 =

زر الذهاب إلى الأعلى