Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
فساد

البحرين بين كماشة الفساد وانسداد الأفق: نظام شمولي يحوّل الدولة إلى شركة خاصة

لم تعد أزمة الفساد في البحرين مجرّد انحراف إداري أو سوء إدارة مالية، بل تحوّلت إلى بنية عميقة متجذّرة في طبيعة النظام نفسه.

فالدولة، كما تبدو اليوم، تُدار بعقلية احتكار شامل للسلطة، حيث يتمركز القرار السياسي والاقتصادي والأمني في دائرة ضيقة، فيما تُهمّش المؤسسات، ويُقمع أي دور رقابي، ويُختزل الوطن في إرادة فرد أو مجموعة صغيرة من المتنفذين.

وفي هذا المناخ، تصبح مكافحة الفساد كلمة بلا معنى، ومسرحية تُعاد فصولها كل عام دون أن تطال أي مسؤول حقيقي.

سلطة مطلقة تنتج فسادًا مطلقًا

لا وجود لهيكل سياسي في البحرين قادر على مساءلة السلطة أو مراقبتها. البرلمان ـ وهو المؤسسة التي يفترض أن تمثل الناس ـ تحوّل إلى ديكور فاقد للصلاحيات، بل إلى حائط صدّ يحمي الاستبداد بدل أن يكبحه.

أما القضاء، فليس سوى ذراع مأمور، لا يملك استقلالية حقيقية، ولا يستطيع الاقتراب من الملفات الحساسة التي تورط كبار المسؤولين وأصحاب النفوذ.

وقد سمح هذا الفراغ المؤسسي بتكوين طبقة نافذة تسيطر على مفاصل الدولة: الاقتصاد، الإعلام، الأجهزة الأمنية، الثروات الطبيعية، وحتى الأراضي العامة. فالفصل بين السلطات غائب، والشفافية معدومة، والقرار محصور في منظومة مغلقة لا تسمح لأي إصلاح جدي أن يرى النور.

اقتصاد يغرق… ودين عام يبتلع المستقبل

الأزمة الاقتصادية في البحرين ليست نتيجة عوامل خارجية أو تقلبات السوق فقط، بل هي ثمرة مباشرة للفساد السياسي وسوء الإدارة والإنفاق غير الخاضع لأي رقابة.

فالدين العام الذي تجاوز 19 مليار دينار لم يتراكم بسبب الاستثمار في مشاريع منتجة، بل نتيجة سياسات مالية منفلتة، ميزانيات سرية للقطاعات الأمنية والعسكرية، ومشاريع استثمارية فاشلة صُمّمت لتعظيم نفوذ شخصيات نافذة.

وقد تراجع التصنيف الائتماني للبحرين ليس مفاجأة. فوكالة “ستاندرد آند بورز” ربطت استقرار البلاد بالدعم الخليجي، في اعتراف واضح بأن الاقتصاد المحلي بات عاجزًا عن الاعتماد على نفسه.

أمام هذا الانهيار، لم تجد الحكومة سوى المواطن ليدفع الثمن عبر رفع تدريجي للدعومات، ارتفاع في أسعار الكهرباء والماء والبنزين، وتوجه دائم لتحميل العامة نتائج أخطاء السلطة.

وفي ظل غياب الحوكمة، يصبح كل قرار اقتصادي مجرد رصاصة جديدة في جسد المواطن الذي يعيش أصلًا ظروفًا معيشية خانقة. تُركت الأسر البحرينية تواجه الغلاء، فيما تتوسع امتيازات النخبة وتتضخم المشاريع التي تخدم مصالحها فقط.

فساد خدمي يكشف انهيار الدولة

إذا كان الفساد المالي كارثيًا، فإن الفساد الخدمي أكثر فجاجة. ملفا البطالة والإسكان يُجسّدان حجم الخلل البنيوي. البحرنة شبه مجمدة، والفرص الوظيفية تُفتح أمام العمالة الأجنبية على حساب المواطنين، رغم أن البطالة بين الشباب البحريني وصلت إلى مستويات خطيرة.

فقرارات مجلس الشورى التي ترفض تفعيل سياسات البحرنة ليست سوى تجسيد لواقع تُدار فيه سوق العمل لحساب فئات مهيمنة.

أما ملف الإسكان فهو جرح يومي للمواطن. فقد جرى الاستيلاء على الأراضي العامة والجزر الساحلية لصالح مشاريع استثمارية تخدم المتنفذين، فيما تُركت آلاف الأسر على قوائم انتظار تمتد لعقود.

والتمويل الموجه للإسكان شحيح، بينما ميزانيات الأمن والدفاع مفتوحة وسرية، ما يكشف ترتيب أولويات السلطة التي تقوم على حماية النظام قبل رعاية المجتمع.

التجنيس… أكبر جريمة سياسية واقتصادية

لا يمكن فصل تدهور البحرين عن سياسة التجنيس السياسي التي مارستها الحكومة على مدى عقود.

فقد جرت عمليات تجنيس واسعة خارج الأطر القانونية، بهدف تغيير التركيبة الديموغرافية وترسيخ السيطرة السياسية. هذه السياسة لم تدمّر الثقة بين الدولة والمواطن فحسب، بل خلقت ضغطًا هائلًا على الخدمات، وفرص العمل، والإسكان، والبنية التحتية.

والتجنيس السياسي ليس مجرد فساد، بل جريمة منظمة تُغيّر هوية المجتمع وتعبث بمستقبله. فحين تصبح الجنسية منحة سياسية لا استحقاقًا قانونيًا، تنهار كل أسس العدالة والمساواة.

وفي السنوات الأخيرة، حاولت الحكومة تقديم نفسها كفاعل جاد في مكافحة الفساد، عبر لجان وتصريحات وتقارير للاستهلاك الخارجي. لكن الحقيقة أن أي إصلاح حقيقي مستحيل دون معالجة أصل المشكلة: غياب الديمقراطية، غياب المحاسبة، واحتكار السلطة.

وما لم تُفتح الحياة السياسية، ويُستعاد دور المؤسسات المنتخبة، ويُرفع الغطاء عن المتنفذين، فإن الحديث عن مكافحة الفساد سيبقى مجرد دعاية لا أكثر، هدفها تحسين صورة النظام أمام المنظمات الدولية لا حماية المال العام ولا مصلحة المواطن.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

واحد × خمسة =

زر الذهاب إلى الأعلى