كذبة العوائد الاقتصادية في تطبيع البحرين مع إسرائيل: أرقام هزيلة ودعاية أكبر من الواقع

قبل خمس سنوات، رُوِّج لاتفاق التطبيع بين البحرين ودولة الاحتلال الإسرائيلي بوصفه يحمل فائضا من العوائد الاقتصادية وبوابةً لاقتصاد أكثر انفتاحًا: تبادل تجاري متعاظم، استثمارات نوعية، نقل تكنولوجيا، سياحة متبادلة، وفرص عمل للشباب.
اليوم، وبعد دفاتر كاملة من الوفود والابتسامات والصور التذكارية، تقف الأرقام باردةً أمام خطاب ملتهب: “لا طفرة، ولا عوائد معتبرة، ولا أثر يُذكر على نموّ حقيقي أو تشغيل واسع”.
ومنذ توقيع الاتفاق، وقّعت المنامة والكيان سلسلة تفاهمات ثنائية في الأمن والتجارة والتكنولوجيا والسياحة. لكن التدقيق في مسار التبادل يُظهر هشاشة القاعدة الاقتصادية لهذه العلاقة:
عام 2021: لم تظهر بياناتٌ واضحة تعكس طفرة تصديرية من البحرين إلى الكيان، برغم الضجيج الإعلامي المصاحب للاتفاق.
فيما عام 2022: بقي التبادل محدودًا عند “نحو 20 مليون دولار” طوال العام، وهو رقم لا يتسق مع خطاب “الأسواق الموعودة” و“فرص الاستثمار” الذي طغى على المشهد.
عام 2023: بلغت “صادرات البحرين” إلى الكيان “8.07 ملايين دولار”، مقابل “5.36 ملايين دولار” واردات، ليقف الإجمالي عند “13.43 مليون دولار” فقط طوال العام.
يونيو/حزيران 2024: قفز التبادل الشهري إلى “16.8 مليون دولار” (زيادة نسبتها “740%” على أساس سنوي)، غير أن الرقم، مع وقع النسبة الكبيرة، يظل “صغيرًا للغاية بالقيمة المطلقة”.
يوليو/تموز 2025: هوى التبادل الشهري إلى “1.7 مليون دولار”، بتراجع بلغت نسبته “91%” مقارنة بالشهر نفسه من العام السابق.
وتكشف هذه السلسلة نمطًا واضحًا: “تذبذبٌ حادّ وقيمٌ متدنية”، ما يعني أنّ العلاقة التجارية ليست مستقرة ولا آخذةٌ في التوسع الهيكلي.
نسبة من اقتصاد البحرين لا تُرى بالعين المجردة
لوضع الصورة في إطارها، تمثل التجارة مع الكيان “أقل من 0.15%” من إجمالي صادرات البحرين—التي تتجاوز عادة “10 مليارات دولار سنويًا”—في حين أن “الموازنة العامة” تتخطى “10 مليارات دولار”.
بمعنى آخر، ما يُنجَز من تبادل لا يصل حتى إلى “كسور من الواحد في المئة” من النشاط التجاري الخارجي للمملكة. هذه “رمزية مالية” لا ترجَم إلى نمو، ولا تصنع سياسة تشغيل، ولا ترفع إيرادات ضريبية أو غير ضريبية على نحو مؤثر.
لماذا فشل «الوعد الاقتصادي»؟
- “غياب تكامل إنتاجي حقيقي:” لا توجد سلاسل قيمة صناعية مشتركة يمكن أن تدفع أحجامًا كبيرة من المدخلات والمخرجات. ما يظهر إلى السطح “صفقات انتقائية” أو “شحنات موسمية” لا تُراكم قاعدةً دائمة.
- “ضعف تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر المرتبط بالتطبيع:” لم تُسجَّل مشروعات “قائدة” تغيّر قواعد اللعبة في التصنيع أو التكنولوجيا المتقدمة داخل البحرين، ولا شواهد على “نقل تكنولوجيا” ينعكس على الإنتاجية أو الصادرات ذات القيمة المضافة العالية.
- “سياحة بلا كتلة حرجة:” الخطاب الرسمي روّج لزخم سياحي متبادل، غير أن الأرقام التجارية الهزيلة والمتغيرات الجيوسياسية في الإقليم لا تدعم “حركة سياحية مستقرة” أو إنفاقًا يعادل ما يُبنى عليه توقعات السياسة العامة.
- “مخاطر السمعة وسلوك السوق:” في بيئة إقليمية شديدة الحساسية، تنظر شركاتٌ إقليمية ودولية إلى الانخراط التجاري مع الكيان عبر بوابة البحرين باعتباره “محفوفًا بالمخاطر”، ما يُقلص شهية التوسّع ويُبقي العمليات في حدّها الأدنى.
خطاب الدعاية يصطدم بجدار الأرقام
اللافت أن “ذروة الترويج” جاءت متزامنةً مع أدنى مستويات التأثير الاقتصادي: تصريحات عن “نقل المعرفة” و“منصات ابتكار” و“تسهيلات تمويلية” يقابلها “ميزان تبادل لا يتعدى عشرات الملايين سنويًا”—أي أقل بكثير من تجارة معتادة مع أسواق إقليمية قريبة أو شركاء دوليين تقليديين.
وإذا كان المقصود “فتح قنوات نوعية”، فالمقياس الطبيعي هو “مشاريع تشغيل كثيفة” أو “زيادة صادرات البحرين ذات القيمة المضافة”؛ وهذا ما لا تعكسه النتائج.
ويُقاس نجاح أي اتفاق اقتصادي بقدرته على “خلق فرص عمل مستدامة” وتحسين “دخل الفرد” وتعزيز “تنويع الاقتصاد”. في الحالة البحرينية، لم تظهر دلائل على “قطاعات جديدة” نشأت من رحم التطبيع، ولا على “قفزة في التوظيف” ضمن الصناعات المعرفية أو الخدمات المتقدمة.
حتى في التكنولوجيا—حيث ارتفع سقف التوقعات—لا توجد قصص نجاح قابلة للقياس تُحوِّل البحرين إلى مركز إقليمي للشركات الناشئة أو لحلول التحوّل الرقمي المرتبطة بهذه العلاقة تحديدًا.
الحساب السياسي… بلا عائد اقتصادي
رُوِّج للتطبيع باعتباره “خيارًا اقتصاديًا” قبل أن يكون “رهانًا سياسيًا”. لكن “الجدوى” لا تُقاس بالنوايا بل بالمخرجات.
ومع كون التجارة السنوية بالكاد تعبر عتبة “10–20 مليون دولار” في أفضل حالاتها، فإن الحديث عن ““مصلحة وطنية اقتصادية”” يصبح “غير قابل للدفاع عنه” بالأرقام. هذا لا يعني قطعًا أن العلاقات الاقتصادية لا يمكن أن تنمو يومًا ما؛ لكنه يعني أن “خمسة أعوام” كانت فترة كافية ليتبدّى “الفراغ بين الوعود والواقع”.
ما الذي كان ينبغي أن يحدث… ولم يحدث؟
“خارطة طريق قطاعية” تُحدِّد مجالات قابلة للتكامل (تصنيع متقدّم، لوجستيات، خدمات مالية متخصّصة)، مع أهداف كمية سنوية.
“مشروعات ركيزة” (Anchor Projects) قادرة على جذب الموردين والمقاولين المحليين وربط خطوط الإنتاج عبر الحدود.
“مؤشرات أداء علنية” لقياس الوظائف الجديدة، وحجم الصادرات المتولّدة من الاتفاق، ونسبة المحتوى المحلي.
“حماية السمعة والسياسات الاحترازية” لخفض المخاطر التجارية المرتبطة بالتوترات السياسية، بما يحفظ مصالح الشركات البحرينية.
وبعد ضجيج التوقيع ووعود «الاقتصاد الجديد»، تقرأ الدفاتر: “أرقام ضئيلة، تقلبات حادة، وعدم وجود مكاسب اجتماعية ملموسة”. إن ما يُسمّى «عوائد التطبيع» لم يتخطَّ “الرمزية الإعلامية”، بينما الواقع يقول إن البحرين “لم تحصل على شراكة اقتصادية استراتيجية”، ولا على قناة تصديرية أو استثمارية تغيّر معادلاتها الداخلية.
النتيجة الصريحة: “كذبة العوائد الاقتصادية” في تطبيع البحرين مع الكيان انكشفت—لا بضجيج الشعارات—بل “بهدوء الأرقام”.