استئجار الصحافة .. الحقل الصحفي في البحرين وقواعد الترويض
أبرزت مجموعة الخليج لمراقبة الحريات والصحافة “الخط الأحمر” الواقع المتدهور لحرية الصحافة في البحرين في ظل القمع والاستبداد الحكومي.
وقالت المجموعة إن حكومة البحرين تنظر إلى المجال الصحفي باعتباره مجالا وظيفيا لعمل الحكومة لا مجالا مستقلا يمتلك صلاحية كشف الوقائع وتشكيل الرأي العام أو البحث عن استقلالية خاصة بالمجال الصحفي بعيدا عن توجيهات الحكومة او السلطات العليا في البلاد.
ففي المسار العملي لا تجد الحكومة البحرينية حرجا في الاشادة بما ترى فيه انفتاحا سياسيا يتيح كافة الحريات أمام حرية العمل الصحفي أو الإعلامي.
بل إن الحكومة عمدت إلى تخصيص جوائز خاصة للصحفيين كما إنها لا تبخل بتقديم دعم سخي لبعض الصحف المتعثرة ماليا وفي احيان كثيرة تخصص الصفحات الثلاث الاولى لأخبار الديوان الملكي أو الاخبار الرسمية التي ترد إلى رؤساء التحرير جاهزة ويتعيّن نشرها كما هي.
في الحقيقة فإن هذا التبجيل الإعلامي وتخصيص الجوائز والعطايا هو الوجه الحقيقي لما يمكن تسميته باستئجار الحكومة للصحف ولبعض الصحفيين.
يتأكد هذا المعنى بمقارنة التقييمات الدولية التي تعد بشكل مهني وعال الدقة، فالحريات الصحفية في البحرين وفق تلك المقاييس تعتبر مضيّق عليها بدرجة عالية كما إن المجال الصحفي أصبح بفعل القوانين الضاغطة -بالإضافة إلى الممارسات السائدة – مجالا عقيما من ناحية الاستقلاليّة والوظائف الأساسية للصحافة.
لنتوقف قليلا أمام القواعد التي رسمتها حكومة البحرين وانتهت الى ترويض الحقل الصحفي والقدرة على استئجاره إن صح التعبير.
ففي 2002 أصدر ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة مرسوم قانون تنظيم الصحافة والإعلام والذي احتوى موادا تجيز حبس الصحفي ومحاكمته على تغطيته أو رأيه الذي يكتبه كما احتوى القانون على قواعد صعبة تعيق استقلالية الحق الصحفي وأن يبقى في النهاية معلقا برغبات الوزير المختص او الجهة العليا ذات الصاحيات المطلقة.
وبنظرة خاطفة فإن مرسوم 2002 أرسى قواعد ترويض الحقل الصحفي وتحويله إلى قطاع وظيفي خصوصا وأن القانون أبقى على حيّز الرقابة والملاحقة قائما.
في سنوات لاحقة وأمام ضغوط حقوقية وإعلامية وسياسية تقدمت الحكومة بمشروع تعديل بعض مواد مرسوم 2002 وظلت الحكومة تراوغ في طرح التعديلات وتسحبها من المجلس النيابي بحجة التعديل والاضافة والملائمة.
أما القصد فكان هو الاستفادة القصوى من مواد مرسوم 2002 لإحداث الترويض المطلوب على الصحافة المتمرّدة، أو تلك الناشئة والمتوجهة ناحية بناء حقل صحفي جديد مختلف عن الحقل الصحفي السائد منذ خمسينات القرن الماضي.
ما من شك إن فترة 2002 -2010 كانت الفترة الذهبية لتشكيل حقل صحفي جديد. حقل قادر على أن يقيم علاقات مختلفة عن علاقات مليكات الصحف وعلائقها مع أركان السلطة أو النخبة الحاكمة كما في تجربة صحيفة الوسط وصحيفة الوقت أو حتى الصحف الداخلية لبعض الجمعيات السياسية كجمعية الوفاق وجمعية العمل الديمقراطي.
ومع الأسف فإن هذه الصحف قاومت الترويض وانتهى بها المآل إلى الإغلاق او الملاحقة القانونية أو الإفلاس نتيجة الحصار الاقتصادي.
فقد كانت قواعد الترويض شديدة الصرامة في نفي استقلالية الحقل الصحفي وتحويله إلى قطاع وظيفي يخدم توجهات الحكومة وسياساتها.
في نهايات 2010 كانت قواعد الترويض في طريقها لجني الثمار واستطاعت بالفعل ان تجهز على صحفية الوقت وصحيفة الميثاق عبر آلية فرض الحصار الاقتصادي.
وأن تنهي صدور الصحف الداخلية لجمعيتي الوفاق والعمل الديمقراطي عبر آلية الملاحقة والشيطنة لتبقى صحيفة الوسط تكافح وسط تهديدات وملاحقات قضائية وحصار اقتصادي بعض الاحيان.
وذلك إلى أن تم اتخاذ قرار التدخل المباشر في عزل مجلس الادارة وتعيين بديل عنها في 2011 وأخيرا التوصل إلى طريقة لإغلاقها نهائيا في 2017.
في هذا المقطع الزمني تحولت قواعد الترويض إلى قواعد انتاج سائدة ولم يعد بإمكان الصحافة المحلية أن تغرد خارج ما تراه الحكومة والسلطات العليا بل عليها أن تزايد في مواقف الحكومة وأن تعمل على تشكيل راي عام يدعم مواقف السلطة كما في أزمة الخلاف القطري أو القضايا المحلية ذات الصلة بالحراك السياسي والاجتماعي.
لقد أضحت عملية استئجار الصحف رمزيا عملية يمكن لأي مراقب أن يكتشفها عبر تحليل مقالات الرأي الموجهة والتي تعالج مواضيع محددة في شبه اتفاق على طرحها ونشرها.
وكأن هناك سيفونية خاصة تجمع كتاب الرأي العام في الصحف الأربع المتبقية والتي تشكل أساس الحقل الصحفي القديم.
في المقابل فإن اشتغالات الصحف المحلية باتت باهتة جدا ولا تعبر عن قضايا المجتمع المحلي ولا عن الآراء التي تهتم بها الصحافة الحرة وانعكس ذلك في تغطيات الصحف لقوانين كانت مثار جدل سياسي واجتماعي.
إذ اكتفت الصحف في معالجة قوانين القيمة المضافة وقانون التقاعد وقانون المحاكم العسكرية وغيرها بتغطيات جلسات مجلس النواب والشورى دون أن تتدخل في تحقيقات صحفية ضاغطة أو كاشفة عن حجم الفساد أو عدم صلاحية القوانين للتطبيق أو كتابة رأي مضاد أو مزعج لتوجهات الحكومة والسلطات العليا التي تقف خلف تلك القوانين. في المقابل كانت الحكومة تخلق لنفسها جوائز خاصة لتشجيع قبول الترويض والقابلية للاستئجار.
وسبق أن أدرجت مراسلون بلا حدود ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة ضمن قائمة سوداء للزعماء أعداء حرية الصحافة في العالم.
وقالت المنظمة إن الملك حمد الذي يتولى حكم البحرين منذ 6 آذار/مارس 1999 يتسم حكمه بقمع واضطهاد الصحفيين.
وأشارت إلى أن البحرين تحتل المرتبة 168 من أصل 180 دولة في المؤشر العالمي لحرية الصحافة لعام 2021.
وقالت إن النظام الملكي البحريني اتخذ نهجًا أكثر صرامة تجاه الصحفيين منذ اندلاع احتجاجات الربيع العربي في عام 2011.
وبحسب المنظمة تعرض الصحفيون والمصورون في البحرين لمضايقات مستمرة، ولم تعد هناك أي وسائل إعلام مستقلة.
ويقضي العديد من الصحفيين الناقدين أحكامًا بالسجن لفترات طويلة في البحرين، بما في ذلك السجن المؤبد، بتهمة المشاركة في احتجاجات أو أعمال تخريب أو دعم الإرهاب.
كما أن بعض الصحفيين الذين فروا إلى الخارج أدينوا غيابيًا أو جُردوا من جنسيتهم البحرينية بأوامر مباشرة من الملك حمد.
وتحتجز السلطات البحرينية حالياً ما لا يقل عن 11 صحفياً. قُبض على العشرات وتعرضوا للتعذيب في الأسابيع التي أعقبت الاحتجاجات المناهضة للحكومة في عام 2011.