الدين العام في البحرين: أزمة متفاقمة وتجاهل للمعالجة

يشكل الدين العام في البحرين أحد أبرز المؤشرات على الفشل الاقتصادي الذي يزداد عمقًا عامًا بعد آخر. ورغم التحذيرات المتكررة من الخبراء الاقتصاديين، إلا أن الحكومة البحرينية لم تتخذ إجراءات فعالة لمعالجة هذا التراكم الكبير في الديون التي أثقلت كاهل الاقتصاد الوطني.
ففي الوقت الذي نجحت فيه بعض الدول الخليجية مثل سلطنة عمان في تقليص حجم ديونها العامة بشكل ملحوظ، تستمر البحرين في التوسع في الدين العام، مما يثير تساؤلات عديدة حول إدارة المالية العامة في المملكة.
التفاوت في معالجة الدين العام
يعد الدين العام أحد أكبر التحديات التي تواجه الاقتصاد البحريني، حيث بلغ حجم الدين العام في البحرين مستويات غير مسبوقة.
في المقابل، استطاعت سلطنة عمان – التي تشترك مع البحرين في ظروف اقتصادية مشابهة – أن تنجح في تقليص حجم ديونها العامة بشكل ملحوظ من 68% إلى 36% من ناتجها المحلي الإجمالي في السنوات القليلة الماضية. هذه الخطوة تعكس القدرة على معالجة الدين العام بطريقة فعالة عبر سياسات اقتصادية مدروسة.
أما البحرين، فقد شهدت تطورًا معكوسًا تمامًا. حيث تضاعف الدين العام بشكل هائل في السنوات الماضية، وأدى ذلك إلى تصنيف البحرين كثالث أعلى دولة عربية من حيث ارتفاع الدين العام بعد السودان ولبنان.
وفي الوقت الذي لا تزال فيه البحرين تزداد في الاستدانة، تظل الخطوات التي تتخذها الحكومة لمكافحة هذا التراكم غير واضحة وغير فعالة.
أسباب تفاقم الدين العام في البحرين
هناك عدة عوامل ساهمت في تفاقم أزمة الدين العام في البحرين. أولًا، تعتمد البحرين بشكل كبير على الإيرادات النفطية، وتعد هذه الإيرادات المصدر الأساسي لتمويل الميزانية العامة.
لكن مع تذبذب أسعار النفط في الأسواق العالمية، وجدت البحرين نفسها مضطرة للجوء إلى الاستدانة لسد العجز في الميزانية.
ثانيًا، تصاعدت النفقات الحكومية بشكل غير مستدام، خاصة في ظل زيادة الإنفاق على المشاريع التنموية والبرامج الحكومية التي تهدف إلى تحسين البنية التحتية والتوظيف. ولكن، في غياب إصلاحات مالية حقيقية، استمر الإنفاق الحكومي في الارتفاع، مما زاد من الضغوط على المالية العامة.
ثالثًا، أزمات اقتصادية عالمية وإقليمية، مثل الركود الاقتصادي العالمي، والأزمات المالية، والصراعات الإقليمية، ساهمت في تقليص تدفقات الاستثمارات الأجنبية إلى البحرين. هذا التراجع في الاستثمارات أثر سلبًا على قدرة البحرين في تنويع مصادر دخلها وتقليل اعتمادها على النفط.
الآثار المترتبة على الدين العام في البحرين
تتعدد آثار الدين العام المرتفع على الاقتصاد البحريني، حيث يبدأ تأثيره من تزايد عبء الديون على الموازنة العامة، مرورًا بتقليص القدرة على تمويل مشاريع التنمية الأساسية، وصولاً إلى تأثيره المباشر على القدرة التنافسية للبحرين على الصعيدين الإقليمي والدولي.
أحد أبرز الآثار هو التصنيفات الائتمانية المنخفضة، حيث تصنف البحرين ضمن الدول التي تواجه ضغوطًا كبيرة بسبب ارتفاع معدلات الدين العام.
هذا التصنيف يؤثر سلبًا على تكلفة الاقتراض، حيث تصبح الحكومة البحرينية مضطرة إلى دفع فوائد مرتفعة على القروض التي تحصل عليها، مما يزيد من الأعباء المالية على الموازنة العامة.
علاوة على ذلك، يقلل ارتفاع الدين العام من قدرة البحرين على اتخاذ قرارات مالية مرنة في وقت الأزمات، سواء كانت اقتصادية أو صحية أو اجتماعية. هذا يعوق قدرة الحكومة على تمويل مشروعات جديدة أو استثمار في القطاعات الحيوية مثل التعليم والصحة والبنية التحتية.
متى ستتوقف البحرين عن تجاهل الأزمة؟
السؤال الذي يطرح نفسه هو: إلى متى ستستمر البحرين في تجاهل هذا المفصل الاقتصادي الحساس؟ على الرغم من محاولات بعض الحكومات الخليجية، مثل سلطنة عمان، لتقليص الدين العام، لا تزال البحرين تتوسع في الاستدانة. هذا الفشل في معالجة الدين العام يشير إلى غياب استراتيجيات اقتصادية فعالة من قبل الحكومة البحرينية.
من الضروري أن تبدأ البحرين في تطبيق إصلاحات مالية شاملة تهدف إلى تقليل الاعتماد على النفط، وتنويع مصادر الإيرادات، وتفعيل سياسة تقشفية محكمة من خلال تقليص النفقات غير الضرورية. بالإضافة إلى ذلك، يجب على البحرين تحسين بيئة الأعمال لتشجيع الاستثمارات الأجنبية وتنشيط القطاع الخاص.
وبالإجمال فإن أزمة الدين العام في البحرين هي نتيجة لسنوات من سوء إدارة المالية العامة، والتوسع في الاستدانة دون وضع خطة استراتيجية لتقليص الدين. في الوقت الذي تدرس فيه البحرين خطوات جادة لتقليص العجز المالي، يجب أن تتخذ الحكومة إجراءات أكثر جرأة في تقليص حجم الدين العام، على غرار ما فعلته سلطنة عمان.
وفي حال استمرت البحرين في تجاهل هذه الأزمة، فإن البلاد ستواجه تحديات اقتصادية خطيرة قد تؤثر على استقرارها المالي والاقتصادي في المستقبل.