جدل واسع في البحرين حول نوايا رفع الدعم: مخاوف اجتماعية وانتقادات لسياسات الحكومة

تتصاعد في البحرين حالة من الجدل والقلق الشعبي والسياسي على خلفية الأنباء المتداولة عن اعتزام الحكومة رفع أو تقليص الدعم عن خدمات الكهرباء والماء، في خطوة حذّرت جمعيات سياسية من تداعياتها الاجتماعية والاقتصادية الخطيرة، معتبرة أنها تمسّ بشكل مباشر الأمن المعيشي للمواطنين، وتضاعف الأعباء على ذوي الدخل المحدود والمتوسط في وقت تتراكم فيه الضغوط المعيشية.
وفي بيان مشترك وقّعته ثماني جمعيات سياسية، عبّرت هذه القوى عن قلقها البالغ من التوجهات الحكومية المتداولة، ولا سيما ما يرتبط بتحويل هيئة الكهرباء والماء إلى شركة وطنية، واستحداث هيئة تنظيم بصلاحيات واسعة، ترى الجمعيات أنها تمهّد عمليًا لرفع التعرفة على المواطنين وفتح الباب أمام خصخصة أحد أكثر القطاعات التصاقًا بالحياة اليومية.
وأكدت الجمعيات أن المساس بالدعم لا يمكن التعامل معه بوصفه إجراءً ماليًا تقنيًا، بل هو قرار ذو تبعات اجتماعية عميقة، يهدد الاستقرار المعيشي لشريحة واسعة من المواطنين.
ولفتت إلى أن الكهرباء والماء ليستا سلعتين كماليتين يمكن إخضاعهما لمنطق السوق، بل هما خدمات أساسية يرتبط بهما مستوى المعيشة والكرامة الإنسانية.
ويأتي هذا التحذير في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة، وزيادة الرسوم الحكومية، واستمرار الضغوط على الدخول، ما يجعل أي خطوة لرفع الدعم بمثابة نقل مباشر لأعباء الأزمة المالية إلى كاهل المواطنين، بدل معالجة جذورها البنيوية.
انتقاد خطاب “توجيه الدعم”
انتقد البيان الحكومي المتداول حول “توجيه الدعم لمستحقيه”، معتبرًا أن هذا الطرح لا يعالج جوهر المشكلة، بل يتجاوزها، إذ يختزل الأزمة في المواطنين بدل مساءلة السياسات المالية والاقتصادية المعتمدة.
وأكد بيان الجمعيات أن المشكلة الحقيقية تكمن في غياب ترشيد الإنفاق العام، واستمرار الهدر، وغياب الضرائب العادلة على أرباح الشركات الكبرى وأصحاب الثروات، الذين لم تُفرض عليهم، وفق البيان، مساهمة متناسبة مع قدراتهم في تحمل أعباء الإصلاح المالي.
ورأت الجمعيات أن تحميل المواطنين مسؤولية العجز المالي، عبر رفع الدعم أو تقليصه، يعكس اختلالًا في أولويات السياسات العامة، ويُظهر غياب العدالة في توزيع الأعباء.
الدين العام… أسئلة بلا إجابات
سلّط البيان الضوء على ما وصفه بغياب الشفافية الحكومية بشأن أسباب الارتفاع المستمر في الدين العام، وعدم وجود برنامج اقتصادي واضح ومعلن للتعامل معه.
وأكد أن رفع الدعم لا يمكن اعتباره إصلاحًا ماليًا، بل هو إجراء سريع لتقليص النفقات على حساب المجتمع، دون معالجة بنية الدين أو مصادر استنزاف المالية العامة.
وفي هذا السياق، شددت الجمعيات على أن تجارب الخصخصة السابقة في البحرين لم تثبت نجاحها في خفض الكلفة أو تحسين جودة الخدمات، بل أفضت، في كثير من الحالات، إلى زيادة الأعباء على المستهلكين وتراجع الرقابة العامة، ما يعزز المخاوف من تكرار السيناريو ذاته في قطاعي الكهرباء والماء.
وانتقد البيان ما اعتبره تهميشًا لدور السلطة التشريعية في القرارات المصيرية ذات الطابع الاجتماعي والاقتصادي، محذرًا من تمرير تشريعات أو قرارات تنفيذية تمس الدعم دون نقاش علني أو حوار مجتمعي شفاف.
وأكدت الجمعيات أن أي إصلاح حقيقي يجب أن يقوم على الشراكة مع المجتمع، لا على فرض الأمر الواقع.
كما أبدت الجمعيات تحفظًا واضحًا إزاء طرح فكرة “حساب المواطن” كبديل محتمل للدعم، في ظل غياب تفاصيل دقيقة حول شروط الاستحقاق وآليات الصرف، وعدم تحصين هذا الدعم النقدي بقانون يضمن استمراريته ويمنع التلاعب به أو تقليصه مستقبلًا.
ودعت الجمعيات مجلس النواب إلى تحمّل مسؤولياته الدستورية والسياسية، ورفض أي تشريعات أو سياسات تؤدي إلى رفع الدعم أو خصخصة قطاع الكهرباء والماء، مؤكدة أن حماية الدعم ليست مطلبًا فئويًا أو ظرفيًا، بل “خط أحمر اقتصادي واجتماعي” يمسّ استقرار المجتمع بأسره.




