Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
فضائح البحرين

البحرين ترفع شعار “التعايش والتسامح” لتُشرعن خنق المجتمع

أحالت حكومة النظام الخليفي الحاكم في البحرين مشروع قانون جديد إلى مجلس النواب تحت عنوان يبدو براقًا: “تعزيز التعايش والتسامح ومكافحة خطاب الكراهية”.

لكن تحت هذا العنوان الناعم تقبع واحدة من أخطر الأدوات التشريعية التي قد تُستخدم لإتمام السيطرة المطلقة على المجتمع، وإغلاق ما تبقى من هامش للرأي أو النقد أو العمل المدني.

فالمشروع، كما أُحيل للنواب، لا يهدف إلى تعزيز قيمة التعايش كما تدّعي الحكومة؛ بل إلى تجريم أي تعبير يخرج عن الرواية الرسمية، وتهديد كل صوت مستقل بالسجن والغرامة، عبر تعريفات فضفاضة يمكن إسقاطها على أي كلمة، أي منشور، أي رأي، وحتى أي إيماءة أو صورة أو نشيد أو تغريدة.

قانون يُشبه خطاب السلطة: تهديد ووعيد

تنص مسودة المشروع على معاقبة كل من “يمسّ التعايش أو التسامح” بالقول أو الفعل أو الإشارة أو الرسم أو الغناء أو الإيماء… بالسجن لمدة تصل إلى عامين وغرامة تصل إلى 10 آلاف دينار، أو إحدى العقوبتين.

ويكرر النص العقوبة ذاتها لمن “يُطلق خطاب كراهية” عبر أي وسيلة إعلام أو تقنية أو منصة.

ويرى مراقبون أن هذا القانون ليس تنظيماً لحرية التعبير، بل قائمة تهديدات مكتوبة بصياغة قانونية، تُشبه الخطاب اليومي لأجهزة الدولة في البحرين: لغة وعيد دائم، لغة استدعاء وتخويف، لغة تحذير مستمر للمجتمع بأكمله.

إذ لا أحد في البحرين يحتاج إلى قانون جديد لمعرفة أن السلطة تُعاقب بالفعل كل كلمة تُخالفها، لكن المشروع الجديد يهدف إلى شيء أكبر: تحويل الخنق السياسي والاجتماعي إلى منظومة قانونية متكاملة، بحيث يصبح الانتقاد جريمة، والاحتجاج جريمة، والرأي جريمة، وحتى السخرية جريمة.

فالمسار الذي ينتظر المشروع واضح: مجلس نواب بلا سلطة، يتم إقحامه لتجميل المشهد الديمقراطي، لكنه في الواقع مجرد غرفة تصديق لقرارات الحكومة. المشروع سيُمرّر بسرعة، لأنه يأتي من السلطة التنفيذية نفسها، ولأن المجلس – بما فيه من نواب مُعيّنين أو موالين – لا يملك القدرة ولا الإرادة على مناقشة قانون كهذا، فكيف برفضه؟

وعندما يمرّ المشروع، وهو سيمرّ بلا شك، يكون النظام قد أحكم قبضته بشكل كامل، بعد أن حوّل “التعايش” إلى سيف مُسلّط على رقاب كل من يقول: نريد حقوقًا، نريد مساواة، نريد مشاركة سياسية، نريد دستورًا يحترم الشعب.

التسامح… ضد من؟

اللافت أن الحكومة البحرينية ترفع شعار “التسامح” بينما تُخاصم فئة واسعة من المواطنين، وتتعامل معها بوصفها “تهديدًا” وليس جزءًا أصيلًا من الشعب.

فأيّ تسامح تتحدث عنه دولة تُقصي نصف مجتمعها من المشاركة السياسية؟ أيّ تعايش تدّعيه حكومة تُصادر الجنسيات، وتعتقل قيادات سياسية، وتقمع الجمعيات المدنية، وتمنع التظاهر، وتحاصر الإعلام المستقل؟

القانون ليس لحماية التعايش من “خطاب الكراهية”، بل لحماية السلطة من خطاب الحقيقة.

كما أن المشروع يُعرّف التعايش والتسامح بطريقة فضفاضة للغاية، وهو ما يفتح الباب أمام استخدامه كسلاح ضد أي موقف يتعارض مع الرواية الرسمية.

فالنقد السياسي، الاحتجاج الاجتماعي، الشكوى الاقتصادية، وحتى النقاش الديني… كلها قابلة للتأويل من قبل السلطات باعتبارها “مساسًا بالتسامح”.

ويشدد المراقبون على أن غياب المعايير الدقيقة يعني أن المواطن يتحوّل إلى متهم محتمل. كل كاتب سيخشى الكتابة، كل صحفي سيخشى نشر مقالة، كل شاب سيخشى التغريد، وكل ناشط سيحسب ألف حساب قبل أن يقول كلمة. ليس خوفًا من القانون، بل من “مزاج السلطة” التي ستقرر من هو المتسامح ومن هو “المُحرّض على الكراهية”.

القانون يجرّم النقد… ويُصادر المجتمع المدني

بحسب المراقبين فإن مشروع القانون يُحوّل الدولة إلى قاضٍ وفيلسوف ومعلم أخلاقي في آن واحد، يحدد للناس كيف يفكرون، وكيف يعبرون، وما يجوز وما لا يجوز قوله.

وهو بذلك يمارس أقصى درجات التلاعب بالمجتمع المدني؛ إذ يجعل كل مساحة للعمل العام خاضعة لرقابة أمنية مباشرة، ويُغلق أي نافذة للنقد أو المحاسبة.

فضلا عن ذلك فإن تجارب مشابهة حول العالم أثبتت أن قوانين كهذه لا تُستخدم لمحاربة الكراهية، بل لإسكات المعارضة، وكبح النقاش السياسي، وتحويل المجتمع إلى كتلة صامتة.

إلى ذلك فإن المشروع يتناقض بوضوح مع مواد الدستور البحريني، خصوصًا المادة 23 التي تكفل حق الرأي والبحث العلمي، والمادة 24 التي تضمن حرية الصحافة. كما يناقض المادة 31 التي تؤكد أن تنظيم الحقوق لا يجوز أن يمسّ جوهرها.

لكن المشروع لا ينظّم حق التعبير، بل يلغيه عمليًا. إنه يختزل الدستور تحت أقدام السلطة، ويضع حرية الفرد رهينة قرار وزير أو موظف أو ضابط يقرر ما إذا كانت جملة من 10 كلمات “تهدّد التعايش”.

ويظهر ذلك  أن المشروع يستهدف تدجين المجتمع، وتحويله إلى مساحة صامتة تخلو من السياسة والفكر والاعتراض وهو حلقة جديدة في سلسلة طويلة من تقويض الحريات، تُقدّم فيها الحكومة البحرينية نفسها كحامية “التعايش”، بينما تمارس نقيضه تمامًا داخل مجتمع يعاني من التمييز والإقصاء والانكماش الديمقراطي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أربعة عشر + أربعة عشر =

زر الذهاب إلى الأعلى