معتقلو الرأي في سجون البحرين: معركة البقاء على قيد الحياة
خلف أسوار سجون النظام الخليفي الحاكم البحرين، يخوض معتقلو الرأي معركة أخرى أكثر شدة، من أجل البقاء على قيد الحياة.
إذ أنهم بينما يُحرمون من حريتهم، يعانون من أن السلطات الخليفية تُحرمهم أيضاً من حقهم الأساسي في الحصول على الرعاية الطبية المناسبة.
وهذا الإهمال الطبي المتعمد كما يبرز موقع (مواطن) المعارض، يرقى إلى مستوى الموت البطيء حسب الحقوقيين/ات، ويهدد حياة المئات من السجناء، من بينهم كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة والخطيرة.
ومن بين هؤلاء الشاب حسين خليل، 31 عامًا، والذي توفي في سجن جو أواخر شهر مارس/ آذار الماضي، بعد أن فقد وعيه أثناء ممارسة الرياضة، حسبما صرحت وزارة الداخلية.
إلا أن روايات الشهود التي وثقها مركز البحرين لحقوق الإنسان؛ فقد بينت أن سيارة إسعاف وصلت لمكان الحادث بعد عشر دقائق من سقوطه دون أي إسعافات أولية.
ولم يتلق السجين أي علاج طبي فوري قبل نقله إلى سيارة الإسعاف، خلافًا للبروتوكولات ومبادئ الإسعافات الأولية المعمول بها.
بيّن شقيق السجين المتوفى، علي خليل لمواطن، أن شقيقه كان يعاني من مرض ضغط الدم المرتفع ومرض السكري، بالإضافة لأمراض جلدية.
وفي السادس من مارس/ آذار الماضي اشتكى السجين خليل من غياب الرعاية الصحية في تسجيل صوتي فيما يتعلق بأمراضه الجلدية والمتابعات الصحية وغيرها.
بعد ثلاثة أيام من وفاة خليل، توفي نزيل أجنبي، محكوم في قضية جنائية في السجن ذاته بعد تعرضه لنوبة في الزنزانة، وتأخر إسعافه لأكثر من ساعتين، حسب الناشط الحقوقي سيد أحمد الوداعي؛ فيما أعلنت وزارة الداخلية أن وفاته طبيعية إثر أزمة قلبية.
تقول الحقوقية مريم الخواجة: “كان من الممكن أن يكون حسين خليل هو والدي، ويمكن أن يكون أيًا من الـ 2000 سجين سياسي في البحرين في أي وقت من الأوقات”.
أعادت هاتان الحادثتان إلى الأذهان النداءات التي ينشرها النشطاء والناشطات الحقوقيون والحقوقيات من السجناء الذين يطالبون بخدمات صحية أفضل، ومراجعة مواعيدهم في المستشفيات أو المراكز الطبية، بالإضافة لتوفير الأدوية المناسبة للأمراض التي يعانون منها، والتي وثقتها العديد من المنظمات الحقوقية المحلية والدولية.
واعتبر مركز البحرين لحقوق الإنسان أن الحرمان من العلاج والمماطلة في الرعاية الطبية، هي ممارسة منهجية استمرت لسنوات داخل إدارة مركز الإصلاح والتأهيل، مما ساهم في وفاة العديد من النزلاء بشكل مفاجئ.
وأضرب عدد من السجناء عن الطعام العام الماضي (2023) من أجل تحسين أوضاعهم، والتي جاء من بينها المطالبة بالحق في الرعاية الصحية، وللبحرين تاريخ مع تفشي المرض بين السجناء، وتدنى حالتهم الصحية.
وصرحت في وقت سابق آمنة القلالي، نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية، بأن “استجابة البحرين غير الكافية لمعالجة حالات السل في السجن، تُظهر عدم اهتمام مثير للقلق بصحة السجناء، وتعرّض حقهم في الصحة لخطر شديد، ولم تحرك سلطات السجن ساكنًا لفترة طويلة جدًا لمواجهة خطر وقوع المزيد من الإصابات”.
كما لم تكن الأوضاع جيدة على السجناء إثر انتشار وباء كورونا، وفي التاسع من يونيو/حزيران 2021، أعلنت وفاة سجين الرأي حسين بركات بعد إصابته بفيروس كورونا.
وقد أعربت منظمة العفو الدولية عن قلقها إزاء تواتر التقارير التي تصلها عن عدم توفير سجون البحرين الرعاية الطبية الكافية لنزلائها، على نحو يؤدي في بعض الحالات إلى التسبب بأضرار صحية دائمة للأفراد الذين يعانون من الإصابات أو من الأمراض المزمنة المستعصية.
وأشارت إلى أن العيادة في سجن جو مثلًا تصرف البنادول والرستامول، كأدوية مسكنة، لعلاج لكل ما يشتكي منه السجناء، بما في ذلك للأمراض التي لا علاقة لها بهذه المسكنات. كما أن هناك نقص في عدد المهنيين الطبيين، الذين لا يتجاوز عددهما الطبيبين فقط.
وتوجد عيادة طوارئ في كل من سجن جو المركزي، الحوض الجاف وسجن مدينة عيسى للنساء، بها أطباء من ممارسي الطب العام، وليس أطباء متخصصين.
كما أن الطاقة الاستيعابية لهذه العيادة من عدد الأطباء والممرضين والأسرّة والأجهزة لا تكفي بالنسبة لعدد المحكومين في سجن جو على وجه التحديد (يتجاوز عددهم 2000 سجين)، والحوض الجاف (يتجاوز عددهم الـ 500).
وهو ما يجعل المحكومين المرضى بأمراض مزمنة “ينتظرون أوقاتًا طويلة حتى حصولهم على الأدوية والعلاج، وهو ما قد يسبب تداعيات صحية ومضاعفات دون أدوية وعلاج؛ خصوصًا من كبار السن وأصحاب الأمراض الخطيرة”. حسب ما أوضح الناشط والباحث الحقوقي سيد يوسف المحافظة.
وقال المحافظة إن “هناك نظام بيروقراطي غير مرن ولا يراعي الحالة الصحية للمساجين؛ حيث يتطلب من المحكومين تعبئة استمارة طلب الحصول على العلاج، تحول لطبيب الطوارئ الذي قد يستدعي المريض أم لا”.
وأوضح أنه قد يطول ذلك لأيام وتارة أسابيع، وعندما يتم تحويل السجين المريض إلى طبيب مختص خارج السجن؛ فإن ذلك قد يتم إعاقته من قبل الضابط الأمني التابع للبحث والتحريات، والذي قد لا يوافق، وفي حالات أخرى يرفض جهاز الأمن الوطني خصوصًا للمحكومين في قضايا كبيرة، وهو ما يؤدي لخسارة الكثير من المرضى لمواعيدهم، بما فيهم مواعيد عمليات جلدية وقسطرة وغيرها.
كما تشكو عائلة أكبر السجناء السياسيين عمرًا في البحرين، حسن مشيمع، (٧٦ سنة) من هذه البيروقراطية التي تؤخر عرضه على الأطباء في الوقت الذي يحتاجهم فيه، كتب ابنه علي: “يعاني والدي من آلام حادة في الركبة، مع مماطلة من إدارة السجن لعرضه على الطبيب المختص، والذي عالج ركبتيه سابقًا، والاكتفاء بإعطائه حبوبًا مهدئة ذات فعالية محدودة”.
كما قال مشيمع الابن إن “الطبيب العام أكد لوالدي أن عرضه على الأخصائي لمباشرة العلاج المطلوب متوقف على صدور أمر من وزارة الداخلية”،
وأضاف: “في كل مرة يتعرض الوالد لأزمة صحية جديدة يماطل المعنيون في توفير العلاج، وتضطر العائلة للاحتجاج في الشارع، ثم تتفاعل القضية مع الرأي العام والإعلام وعلى مستوى المنظمات وغيرها، مع أن حلها بسيط ولا يستدعي كل هذا الجهد!”.
ودعا المحافظة أن تكون قرارات الحصول على العلاج طبية وليست أمنية، “الحصول على علاج هو حق، ولا يجب أن يتدخل الضابط الأمني في السماح للمريض من عدمه في الحصول على الرعاية الصحية خارج أو داخل السجن، ويجب أن يكون دورهم هو ضمان وحماية هذا الحق وليس تقييده”.
وشكت عائلة أحد أشهر الحقوقيين المحكومين بالسجن لفترة طويلة في البحرين، عبدالهادي الخواجة، تعطيل عرضه على الأخصائيين الذين يحتاجهم الخواجة بسبب مضاعفات التعذيب الذي تعرض له، وأيضًا أمراض أصيب بها في السجن خلال الثلاثة عشر عامًا الماضية.
تقول نيكو جعفرنيا الباحثة في هيومن رايتس وتش، والتي تحقق في انتهاكات حقوق الإنسان في اليمن والبحرين: “وثقنا علامات واضحة على وقائع متكررة، تشير إلى أن السلطات البحرينية في السجن تمنع السجناء من الوصول بسهولة للرعاية الصحية المناسبة”.
فيما تقول ابنته، الناشطة الحقوقية مريم الخواجة: “على الرغم من أن وفاة حسين خليل هي أمر كئيب للغاية، إلا أنها للأسف لم تكن مفاجئة؛ فقد استخدم النظام البحريني منذ فترة طويلة أداة الحرمان من العلاج الطبي كأحد أشكال العقاب الفردي أو الجماعي ضد سجناء الرأي في البحرين؛ فقد حرم والدي من الحصول على العلاج الطبي المناسب طوال معظم السنوات الـ 13 الماضية التي قضاها في عقوبة السجن مدى الحياة، بسبب عمله في مجال حقوق الإنسان الذي كرس حياته من أجله”.
وتبيّن الخواجة: “كنا قريبين جدًا من خسارته في عدة مناسبات، كان من الممكن أن يكون حسين خليل هو والدي، ويمكن أن يكون أيًا من الـ 2000 سجين سياسي في البحرين في أي وقت من الأوقات”.
وطالبت بـ”إنهاء هذا الانتهاك الخطير لحقوق الإنسان الأساسية، وإطلاق سراح جميع السجناء السياسيين دون قيد أو شرط، وإذا لم يكن الأمر كذلك؛ فإن الوضع لن يؤدي إلا إلى التصعيد”.
وهو أمر اتفق معها فيه الحقوقي سيد يوسف المحافظة، الذي طالب بإطلاق سراح سجناء الرأي وإغلاق هذا الملف السياسي الشائك.
ووثّق المحافظة 10 محكومين مرضى، أفادوا بمنعهم من العلاج في فترات مختلفة، ومن ثم فقدوا حياتهم في السجن أو بعد الإفراج عنهم بفترة بسيطة جدًا، “وكانت وزارة الداخلية قد أعلنت أن وفاتهم جميعًا كانت طبيعية وليس بها شبهة جنائية”.
وهو ما اعتبره “إهمالاً طبيًا يؤدي لمضاعفات صحية تصل في نهاية المطاف إلى الوفاة؛ حيث لا يوجد تفسير لظاهرة موت شباب؛ العامل المشترك بينهم هو إفاداتهم التي تفيد بمنعهم من العلاج أو الإهمال الطبي المتعمد”.
ودعا الحقوقي البحريني لتحقيق بدلًا من مسارعة الداخلية والنيابة العامة بالتنصل من المسؤولية والخروج ببيان أن المتوفين نتيجة وفاة طبيعية، حسب تعبيره، بالإضافة لزيادة عدد الأطباء بما فيها أطباء مختصون؛ خصوصًا في الأمراض المزمنة، ويكون عددهم متناسبًا لعدد المرضى والمحكومين.
كما دعا شقيق المتوفى حسين خليل لتوفير دورات إسعافات أولية للسجناء، وطالب المحافظة بتوفير معدات طبية تعمل، وأطباء ومسعفين مؤهلين يصلون إلى أي حالة طارئة بسرعة، وكذلك ضمان أن يكون المسعف مؤهلاً لمواجهة الحالات الخطرة، وألا تتكرر حالة حسين خليل الذي لم يحصل على إسعافات أولية سريعة عندما سقط مغشيًا عليه، وكان من الممكن أن لا يفقد حياته لو حصل على إسعافات أولية فور سقوطه.
وقد اعتبر المحافظة أن: “إدارة السجن الحالية غير مؤهلة وغير كفؤة لتولي مسؤولية توفير الخدمات للمساجين، وحماية أرواحهم وسلامتهم وضمان حقوقهم، ويجب استبدال الإدارة بعد إخضاعها للمساءلة والتحقيق على كل التجاوزات والإخفاقات والإهمال الطبي”.
وأكد أن العلاج حق دستوري أصيل، ويجب على السلطة التنفيذية توفير هذا الحق بدلاً من استخدامه كوسيلة من أجل إلحاق الضرر وتعقيد المضاعفات الصحية ضد المحكومين في قضايا سياسية، وهو ما يُعرف بسياسة الموت البطيء المتعمدة ضد السجناء السياسيين.
وبموجب قواعد مانديلا، يجب نقل السجناء المحتاجين إلى علاج متخصص، إلى مؤسسات متخصصة أو مستشفيات مدنية.
ووجد تقرير لمنظمة هيومان رايتس ووتش صادر في العام ٢٠١٩ أنه منذ فرار ١٠ سجناء من سجن جو في الأول من يناير/كانون الثاني 2017، صارت السلطات تقيّد جميع السجناء عند مغادرتهم لزنزاناتهم، فيما اعتبرت الآليات الدولية لحقوق الإنسان أن فرض قيود على السجناء المسنين أو المرضى الذين لا يشكلون خطرًا أو قدرة على الهروب، معاملة سيئة.