اتفاقيات التطبيع لم تجلب السلام الموعود.. الشركاء الجدد لإسرائيل في حرج شديد
حين وقعت الإمارات في آب/ أغسطس الماضي ومن بعدها البحرين والسودان والمغرب، اتفاقيات تطبيع مع إسرائيل، تعرضت لانتقادات وإدانة بأشد العبارات من قبل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والمرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران آية الله علي خامنئي.
في حين التزمت معظم الدول العربية الصمت أو لم تقم بإدانة التطبيع بشدة كما فعلت أنقرة وطهران التي وصفته بالخيانة.
بعد التطورات الأخيرة والاعتداءات الإسرائيلية في القدس، قال خامنئي، وحسب وكالة الأنباء الإيرانية “إنسا” إن أي عملية تطبيع مع إسرائيل هي “طعنة في ظهر الفلسطينيين”، في حين وصف المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم كالين، ما يحدث في تغريدة بـ “العدوان الإسرائيلي الذي لا ينتهي”.
فمن خلال هكذا تصريحات يمكن الحصول على التأييد الشعبي في الشارع العربي.
وفي هذا السياق تقول سينزيه بيانكو، الباحثة لدى معهد “المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية” في سياسات دول الخليج “ستحاول تركيا وإيران الحصول على رصيد سياسي مما يحدث، لمهاجمة خصومها الإقليميين الذين يتعاملون مع إسرائيل”.
فرصة لتركيا وإيران!
ومن الواضح أن ما يحدث يخدم أهدفا أخرى: إذ يحاول أردوغان وخامنئي جعل بلديهما قوة إقليمية رائدة جديدة في الشرق الأوسط.
ومن أجل ذلك يستغلان الوضع الراهن للسعودية الدولة السنية الأكثر أهمية في العالم العربي، والتي حسنت علاقاتها مع إسرائيل بتكتم ولكن بنجاح.
وبهذا تفسح السعودية المجال لكل هؤلاء الذين يحاولون ترسيخ أنفسهم كقوى رائدة جديدة في المنطقة من خلال انتهاجهم سياسة معاكسة أي بمعارضة إسرائيل أو حتى معاداتها.
وهكذا يصبح الوضع أصعب بالنسبة للبحرين والإمارات والدول الأخرى التي تريد بعد عقود من العداء، إقامة علاقات والسلام مع إسرائيل والاستفادة من ذلك اقتصاديا أيضا.
وتوضح ذلك كرستين مولر، سكرتيرة وزارة الخارجية سابقا وكبيرة الباحثين في الجمعية الألمانية للسياسات الخارجية: “هناك الأمر يتعلق بمواضيع أخرى، مثل العلاقات الاقتصادية وبناء تحالف مشترك ضد إيران. فالاتفاق ليس له أي علاقة بالصراع الفلسطيني- الإسرائيلي”.
تأييد مفقود
وبما أن العلاقات الجديدة مع إسرائيل لا تحظى بالتأييد لدى شعوب تلك الدول والدول العربية الأخرى، فقد حاول حكامها تبرير توقيعهم للاتفاقيات مع إسرائيل، بمحاولة نزع فتيل الصراع في الشرق الأوسط.
وهكذا قال ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة، بمناسبة توقيعه على اتفاقية التطبيع. حيث زعم أن تطبيع بلاده العلاقات مع إسرائيل “إنجاز تاريخي يساهم في دفع عملية السلام والاستقرار في الشرق الأوسط”.
بينما قال ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، إنه تحدث هاتفيا مع الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، واتفق معهما على وقف إسرائيل اقتطاع أجزاء جديدة من الأراضي الفلسطينية.
في المقابل صادف يوم الاثنين “يوم القدس” السنوي والذي تحتفل فيه إسرائيل بسيطرتها على القدس الشرقية في حرب حزيران عام 1967، وكان من الواضح أنه مناسبة لمزيد من التصعيد.
والمشكلة الأساسية حسب كرستين مولر “أن منظمات المستوطنين الراديكالية تستغل هذا اليوم بتنظيم مسيرات احتجاجية تجوب الأحياء العربية في القدس الشرقية بهدف الاستفزاز. وقد تم التصعيد هذه المرة ويمكن أن يؤدي لاندلاع حريق”.
وفي عواصم الدول الشريكة الجديدة لإسرائيل، ينبغي على المرء أن يدرك آثار التوتر الأخير، في ضوء المزاج العام المؤيد للفلسطينيين في تلك الدول أيضا والضغوط التي تتعرض لها حكوماتها بسبب ذلك.
ويجب النظر بقلق ليس إلى التعليقات المعادية لإسرائيل في مواقع التواصل الاجتماعي، بل وإلى التعليقات في وسائل الإعلام الموجهة إلى العالم العربي بأسره.
فمثلا كتبت صحيفة “العربي الجديد” التي يمولها قطريون، لقد “سقطت كل الأوهام” ووصفت بشكل غير مباشر كل “الذين يجعلون التطبيع مع العدو واجبا” بالخائن.
وهذا الكلام موجه لهؤلاء الذين وقعوا اتفاقيات مع إسرائيل بدفع من ترامب إلى جانب إغراءات اقتصادية.
ولهذا سارعت هذه الدول إلى التحرك، حيث أدانت وزارة الخارجية البحرينية على استحياء اقتحام الشرطة الإسرائيلية للمسجد الأقصى، وطالبت إسرائيل بوقف التصعيد.
عواقب محتملة
على الحكومة الإسرائيلية الآن تهدئة الوضع في القدس الشرقية، حسب رأي الباحثة السياسية، كرستين مولر، التي تقول إذا استمر التوتر ستتعرض مصالح إسرائيل للخطر ومنها “مساعي التطبيع مع العالم العربي”.
لكن ما مدى إمكانية انعكاس ذلك على إسرائيل ومصالحها؟ الخبيرة في العلاقات الدولية سينزيه بيانكو، تجيب على ذلك بأن مصالح البحرين والإمارات مع إسرائيل استراتيجية أكثر منها تكتيكية.
و”يعني ذلك أنه ليس من المحتمل تراجع عملية التطبيع”.
ولكن بيانكو ترى أنه وارد جدا تجميد المشاريع القائمة مادام التوتر شديدا. وهي تعني بذلك أن دول التطبيع تبقى يقظة للوضع والمزاج العام في الشارع العربي. ولكنها لن تترك ذلك يملي عليها سياستها الإقليمية.