دلالات إحياء ذكرى ثورة 14 فبراير في البحرين
حمل إحياء ذكرى ثورة 14 فبراير في البحرين عبر تظاهرات شعبية وحملات الكترونية دلالات صريحة على استمرار النضال السلمي ضد النظام الخليفي المستبد وحكمه القمعي.
وقد كان للشعب البحريني موعدا مع ذكرى عزيزة على قلوب أبنائه، فعاشها لحظة بلحظة، واحتفى بها بشكل لائق، وكشف خواء رهان الخليفيين وداعميهم على تلاشي الرغبة في الثورة والتغيير بحسب حركة أحرار البحرين الإسلامية.
وقالت الحركة في بيان تلقى “بحريني ليكس” نسخة منه “مرة أخرى تهتف الجماهير بحماس كبير وقلوب ثابتة لا تخشى بغي الطغاة وقمعهم: الشعب يريد إسقاط النظام”.
وأضافت “ما أشبه الليلة بالبارحة، حتى لكأن اثني عشر عاما لا تعني شيئا في حساب الزمن، أو لكأن تدمير نصب اللؤلؤة لم يكن إلا تعبيرا عن غضب وتخلف وحقد وجهل، وليس ضمن خطة قادرة على منع تكرر ما حدث بعد اندلاع الثورة المظفرة”.
فماذا يعني ذلك؟ وما دور دماء الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم في بقاء الثورة خصوصا دماء شهيدها الأول على عبد الهادي مشيمع.
يصعب تقديم تفسيرات مقنعة لما جرى في الأيام القليلة الماضية سوى أن شعب البحرين هزم الخليفيين وأرغمهم على البحث عن دعم من أطراف خارجية، وساوم على سيادة البلاد، وتحالف مع أعداء الأمة ورهن وجوده بالخارج.
يؤكد ذلك ما يتردد هذه الأيام عن ارتكاب الطاغية وعصابته واحدة من أبشع الجرائم بحق الوطن والشعب. مفاد ذلك أنهم باعوا أراضي بحرانية للمحتلين، ومنها جزيرة لم يفصح عن موقعها. فإن صحت هذه الأنباء فسيكون ذلك كارثة سياسية وأيديولوجية وأخلاقية غير مسبوقة.
الثورة كانت إعلانا جماهيريا عن انتهاء الحكم الخليفي بعد ان فشل في إدارة البلاد بما يحقق أمنها واستقرارها وسيادتها وما يوفر لمواطنيها الحرية والكرامة والعيش الآمن.
كان زحف الجماهير نحو دوار اللؤلؤة في الأيام الأولى بعد انطلاقها طوفانا بشريا هادرا، دفع الطاغية لإصدار الاوامر بإطلاق النار واستخدام الذخيرة الحية لفض التجمع.
كان ذلك في ذروة ثورات الربيع العربي، الامر الذي اضطر الرئيس الامريكي آنذاك، باراك اوباما، لشجب الخليفيين علنا وإصدار أمر لهم بعدم استخدام القوة ضد المواطنين العزّل.
فنجم عن ذلك عودة مظفرة للميدان تحولت الى تجمع بشري هائل أسس لثورة جماهيرية شاملة غيرت موازين القوى لغير صالح الاستبداد والحكم القبلي. وبرغم تكرار الطاغية قرار فض التجمع بميدان اللؤلؤة بالقوة، فقد بدأ في البلاد عهد جديد لم يعد السلاح الخليفي فيه هو العامل الحاسم للأمور.
وهنا تشكلت ثقافة عميقة في اللاوعي الشعبي عبّر عنها الشباب الثائر بقول كل منهم: أنا الشهيد التالي. فلم يعد لدى الطاغية سلاح رادع بعد ان تعمقت روح الشهادة في نفوس شباب الثورة، فأصبح مستعصيا على الاحتواء او الخوف.
ثم جاء الاحتلال السعودي – الإماراتي الغاشم ليضيف بعدا آخر للحراك الشعبي وليجعل من ثووة البحرين حدثا متميزا عن كافة الثورات العربية الأخرى. هنا ترسخت قناعة الشعب بان استمرار الخليفيين في الحكم سيضاعف ويلاتهم ويؤدي لفقدان السيادة بشكل كامل، وأن الخليفيين لا يعودوا مؤتمنين على البلاد والعباد.
هنا أصبح الوضع أكثر وضوحا للخليفيين. فقد اخترقوا خطوطا حمراء عديدة بحماقاتهم منها ما يلي: أولا أنهم أراقوا الدماء البريئة منذ الساعات الاولى بعد اندلاع الثورة في 14 فبراير 2011، وأزهقوا أرواحا طاهرة، الامر الذي رسخ القناعة بضرورة التخلص من هذه الجرثومة الخطيرة.
ثانيا: أنهم أسقطوا سيادة البلاد باستدعاء الأجانب للتصدي للمواطنين ولم يكن الوضع يستدعي ذلك. ومنذ ذلك الوقت فقدت البحرين سيادتها وأصبحت ألعوبة لدى الجهات التي أنقذت الخليفيين من غضب الشعب.
ثالثا: أن الطاغية أضاع فرصا عديدة للتحاور مع الشعب الثائر، وفوّت على نفسه وعائلته فرصة البقاء فترة أطول في الحكم بالتفاهم مع المواطنين والابتعاد غن أساليب القمع والإكراه ومنطق الغلبة.
رابعا: أن غرورهم دفعهم لتوسيع دائرة الحرب مع الحق وأهله، فدخلوا في حرب مع الله، فهدموا المساجد واعتقلوا العلماء وسعوا لتزوير التاريخ، وبهذا أصبحوا أعداء ألدّاء للوطن والتاريخ والحق.
خامسا: بعد أن فشلت كافة محاولاتهم كسر شوكة الثورة والثوار، ارتكبوا الخيانة العظمى بإعلان الانحياز لمحتلي فلسطين، وتكفي هذه الجريمة للمفاصلة الكاملة ليس مع البحرانيين فحسب، بل مع الأمة كلها.
سادسا: إن ثورة البحرين تميزت منذ بدايتها بأمور عديدة: السلمية والوعي والوضوح والإصرار. كما أنها استمرت طوال السنوات الماضية ولم تتراجع أو تنحسر، بينما انتهت الثورات الأخرى بعد ان تم حرف مسار بعضها نحو العنف والارهاب، وبعد ان استطاعت قوى الثورة المضادة حرف بوصلتها وإبعادها عن المطالب الأساسية التي كانت الشعوب تسعى لتحقيقها عندما انطلقت في ثورات الربيع العربي.
وهكذا فرضت الثورة واقعا جديدا بمعالم جديدة منها ما يلي: أولا حدوث طلاق أبدي بين أهل البحرين والعصابة الخليفية المحتلة، وهو طلاق لا رجعة فيه، فأصبح أحد الطرفين دخيلا على بيت الزوجية وعليه أن يخرج منه عاجلا.
ثانيا: استعادة شعب البحرين المبادرة السياسية بإعلانه، للمرة الأولى في تاريخه المعاصر عزمه على “إسقاط النظام” وهو شعار رفعه الثوار منذ الأيام الأولى للثورة المظفرة، وما يزال مرفوعا من خلال اللافتات التي رفعت في المسيرات الاخيرة.
ثالثا: حدوث استقطاب سياسي وفكري حاد غير مسبوق بين قوى الحرية والوطنية والاستقلال وعناصر القمع والعمالة للأجنبي والتبعية، وهذه ظاهرة كان بعض معالمها موجودا من قبل ولكن ليس بالوضوح والشمولية الحالية.
رابعا: ظهور جيل جديد من الشباب يتصدر الاحتجاجات بشكل يومي ويصر على نيل الحرية الكاملة ويرفض أي حوار مع الخليفيين إلا إذا كان بعنوان تسليم السلطة للشعب وأنهاء عقود الاستبداد القبلي المقيت.
خامسا: أن تجربة السنوات الاثنتي عشرة الأخيرة بلورت مشروعا سياسيا واضح المعالم يتأسس على حق الشعب في كتابة دستوره وانتخاب نظام حكمه ورفض الوصاية من أية جهة، وسحب الاعتراف بالحكم الخليفي بعد ان مزق الطاغية وعصابته كافة الاتفاقات السابقة.
لذلك لم يكن غريبا ان تتوسع دائرة الاحتفاء بالذكرى الثانية عشرة للثورة البحرانية المظفرة. وقد تفاجأ الخليفيون وداعموهم بحجم الزخم الذي تميزت به الفعاليات الشعبية الحالية، وتكفي الإشارة إلى أن أكثر من 20 مسيرة خرجت كل يوم خلال الاسبوع الأخير، بالإضافة للكتابة على الجدران وفي وسائل التواصل الاجتماعي.
ولا شك ان استمرار اعتقال رموز الشعب منذ شهر مارس 2011 ساهم في بلورة الموقف الشعبي المبدئي انطلاقا من الإيمان باستحالة إصلاح الحكم الخليفي وعدم جدوى البحث عن أية صيغ للتعايش معهم، ولذلك لم يتلاش الشعور بضرورة الاستمرار في الثورة الهادفة للتغيير.
وما أكثر العائلات المفجوعة التي تشعر بالغضب تجاه الطاغية وعصابته خصوصا مع غروره وصلفه وإصراره على مواصلة الاستمرار. وما الاعتقالات العديدة التي حدثت في الأيام الاخيرة إلا تأكيد لاستحالة تغيير السياسات الخليفية وان الطريق الوحيد لحماية البحرين وضمان أمن أهلها يتمثل بالسعي المتواصل لتغيير نظام الحكم المهترئ.
لقد قدم الشعب البحريني البطل أروع ملاحم الصمود والثبات، وسيستمر في مواقفه باحياء الذكريات المرتبطة بالثورة ومنها ذكرى الاحتلال السعودي الاماراتي في 14 مارس المقبل. لقد ارتضى هذا الشعب طريق النضال وأفشل كافة محاولات تمييعه أو تهميشه أو تضليله، فلم يعد امامه سوى الثبات والصمود والإصرار.