تحقيق: فساد فاضح في توزيع البعثات الدراسية في البحرين
تثار شبهات فساد فاضح في توزيع البعثات الدراسية في البحرين وسط جدل سنوي حول شفافية وعدالة التوزيع وغياب التدخل الحكومي لإنصاف المظلومين.
وتوفر وزارة التربية والتعليم البحرينية للخريجين من طلاب/ طالبات المدارس الثانوية في المدارس الحكومية والخاصة، كل عام، بعثات ومنح دراسية لمواصلة دراساتهم الجامعية “وفقاً للتخصص الذي يرغبون فيه، ووفقاً لمعايير وشروط معيّنة”، حسبما جاء على موقع الوزارة الإلكتروني.
وهنالك فرص أخرى موفّرة للطلاب والطالبات كبرنامج ولي العهد للمنح الدراسية العالمية، ومنح مؤسسة المبرة الخليفية التي تقرر بنفسها الأشخاص الذين تمنحهم بعثات دراسية.
وتتحكم وزارة التربية في بعثات الكلية الملكية للجراحين في جامعة ايرلندا الطبية في البحرين، والجامعة البريطانية في البحرين، ومنح الحكومة الصينية، وجامعة برمنغهام، فيما تتحكم وزارة الخارجية في المنح والبعثات التي تقدّمها السفارات والحكومات الأجنبية، بموجب تعميم معمول به منذ نيسان/ أبريل 2017.
ويتم رصد مشكلة في توزيع البعثات والمنح الدراسية على الطلاب والطالبات المتفوقين والمستحقين لها وسط غياب شفافية في عملية الاختيار والاستحقاق، خصوصاً في ظل امتناع وزارة التربية والتعليم البحرينية عن نشر أسماء الطلبة الحاصلين على بعثات ومنح منذ عام 2012.
شكاوى وإحساس بالظلم
في دراسة أجراها فريق التعليم في جمعية الوفاق الوطني الإسلامية (حلّتها الحكومة عام 2016)، على عيّنة من المتفوقين معدلاتهم تفوق الـ95%، عام 2015، تبيّن أن 34% من هؤلاء الطلبة حرموا من البعثات وعددهم 49 طالباً، وأن 82.2% منهم حرموا من الرغبة الأولى.
تقدّمت خريجة متوفقة حاصلة على معدل 94.9% في الثانوية العامة، تخصص “كيمياء وأحياء”، بطلب بعثة لدخول كلية العلوم الصحية، لدراسة تخصص الأشعة.
تقول “هذا حلمي منذ طفولتي، إلا إنني مُنحت رغبتي الخامسة وهي دراسة اللغة العربية”، وأضافت: “هذا ظلم بحقي”.
الطالبة طلبت عدم ذكر اسمها، خوفاً من استهدافها، ولكن تتوفر لدينا مستندات تثبت تفوقها وحصولها على رغبتها الخامسة.
بدوره، تخرّج الطالب حسين العرادي عام 2019، بمعدل 86%، وهو من ذوي الإعاقة المتعددة، حسب مستند قدّمه لرصيف22، ولكنّه خسر بعثة مخصصة لذوي الإعاقة. “عندما ذهبتُ إلى الوزارة، كانت المسافة بين السيارة والباب قصيرة، فلم أحمل معي العكاز الذي يساعدني في المشي، وعندما دخلت اعتبروا أن إعاقتي بسيطة لذلك لا أستحق البعثة”.
يدرس العرادي اليوم بكالوريوس لغة عربية في جامعة البحرين، على حساب عائلته، إذ لم تعترف وزارة التربية بالتقرير المقدم من وزارة الصحة والذي يثبت إصابة الشاب بإعاقة متعددة، وحرمته من البعثة.
كل سنة، وعلى مدار عشر سنوات، تصدر الجمعية البحرينية للشفافية، وهي جمعية أهلية تعمل على تعزيز الشفافية ومناهضة الفساد في البحرين، بياناً سنوياً تطالب فيه وزارة التربية والتعليم بنشر نتائج توزيع البعثات الدراسية في الصحافة المحلية.
وذلك تنفيذاً لمبدأ الشفافية وحق الحصول على المعلومات وللتحقق من أن الوزارة اتّبعت المعايير المهنية العادلة والمنصفة في توزيع البعثات على الطلبة المستحقين بدون تمييز أو محاباة، سواء تلك الممنوحة من الوزارة نفسها أو تلك التي تقدّمها شركات كبرى أو تمنحها حكومات أجنبية عن طريق سفاراتها في البحرين.
ترى الجمعية أن حرمان المتفوقين من فرص دراسة التخصصات التي يرغبون فيها يخالف تعهدات البحرين كما وردت في اتفاقية مكافحة التمييز في مجال التعليم المنبثقة من المؤتمر العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة، والتي صادقت عليها البحرين، وأصبحت جزءاً من منظومتها القانونية الوطنية.
يقول مستشار مجلس إدارة الجمعية البحرينية للشفافية للسياسات والعلاقات السيد شرف الموسوي “نحثّ أولياء الأمور والطلبة على التظلم من نتائج توزيع البعثات لدى الوزارة، كما أننا طالبنا الوزارة وناشدناها تغيير نهجها في توزيع البعثات، ولكن للأسف لم نرَ تجاوباً منها في تغيير طريقة التوزيع أو الإعلان عن نتائج توزيع البعثات”.
وقالت الوزارة إن تخصيص البعثات يتم إلكترونياً وفق المعدل التراكمي. وأفادت إدارة الاتصال في الوزارة بأن رغبات الطلبة تُفرَز إلكترونياً في نظام مخصص لاستقبال طلباتهم، وذلك وفق معيار المعدل التراكمي فقط، بما يحقق تكافؤ الفرص.
وأشارت إلى أن الوزارة تقوم سنوياً بحصر حاجة سوق العمل في مختلف التخصصات التي تشكل الملامح الأساسية لخطة البعثات الطلابية، وطرحها للتنافس بين الطلبة، وفقاً للمعايير المعتمدة وبحسب الإمكانيات المتاحة.
كما أشار مركز الاتصال في ردّه إلى المادة 19 من الدستور البحريني والتي تنص على أن الحرية الشخصية مكفولة وفقاً للقانون، “وعليه فإن نشر نتائج البعثات والمنح الدراسية يتعارض مع حق الفرد في المحافظة على أسراره وخصوصياته”.
عيب في الآلية
تصف عضوة المجلس التنفيذي لمنظمة “الدولية للتعليم”، وهي أكبر اتحاد نقابي عالمي يمثّل العاملين والعاملات في قطاع التعليم، ونائبة رئيس جمعية المعلمين البحرينية سابقاً، جليلة السلمان، آلية توزيع البعثات في البحرين بأنها “غير واضحة أبداً.
إذ يُجمع مسؤولو الوزارة على أن نسبة الطالب هي الحَكَم الأول لقبول طلبه في البعثة من عدمه، ومع ذلك فإن الشواهد على أرض الواقع تعكس أموراً مغايرة، فقد رأينا كيف يشتكي أصحاب المعدلات العالية جداً من الإجحاف بحقهم وعدم حصولهم على مبتغاهم من البعثات”.
وتضيف السلمان أن استمارة الرغبات التي يملأها الطالب/ة المتقدم للبعثة، والتي لا تُقبل إلا بعد أن يختار 12 تخصصاً، فيها “تهرّب من المسؤولية، فلا يمكن لأي إنسان عند رسم مستقبله أن يحدد هذا العدد الكبير من التخصصات ليدرسها، ويحدد عليها كيف سيكون مستقبله.
فالطلبة يحددون هدفهم برغبة واحدة أكيدة ويجتهدون لتحقيقها وإنْ كان الشخص غير واثق مما يريد فهو سيحدد تخصصيْن أو ثلاثة على الأكثر عند رسم مستقبله، أما أن يحدد 12 تخصصاً فهذا ما لا يمكن أبداً”.
وترى السلمان أن هذه الاستمارة هي أساس الخطأ والظلم في توزيع البعثات، “كما أنها في الوقت ذاته مخرج قانوني للوزارة، بحيث تعطي الطالب أحد خياراته، دون ذكر إجباره على هذه الخيارات”.
وتنتقد السلمان خطة البعثات، وتقول: “ليست هناك خطة وإنما هناك شواغر في الجامعات يتم تجميعها في شكل خطة، وإلا فما معنى أن يُبتعث طلاب لدراسة تخصصات يوجد فيها فائض خريجين عاطلين عن العمل؟”.
وتتفق السلمان مع مطلب جمعية الشفافية في “الرجوع إلى الطريقة السابقة في نشر أسماء المتفوقين ونسبهم عند إعلان النتائج، وبعدها إعلان الأسماء مع البعثات الممنوحة لمعرفة الحقيقة بشفافية”.
كما تقترح أن تكون هناك جهة شعبية وزارية مشتركة تعمل على موضوع خطة البعثات ومعايير توزيعها لتثبيت معايير الحصول على البعثة للجميع والالتزام بها وتوزيعها بشكل لا يقبل التشكيك في النتائج.
فضائح البعثات الدراسية في البحرين
ويصف سيد يوسف المحافظة، نائب رئيس منظمة سلام للديمقراطية وحقوق الإنسان، وهي منظمة أهلية حقوقية قريبة من المعارضة ومسجلة في بريطانيا، توزيع المنح والبعثات الدراسية في البحرين بأنه “غير منصف ولا يتمتع بالشفافية وفيه تمييز ممنهج وواضح، وهو محبط لآمال الطلبة المتفوقين وعوائلهم”.
ويقول المحافظة إن الحل هو “أن تكون هناك آلية قانونية بنص قانوني صادر عن السلطة التشريعية يحدد وينظّم عملية توزيع البعثات بشكل شفاف عبر جهة مشتركة بين مؤسسات حكومية ومؤسسات من المجتمع المدني مع نشر نتائج أعمالها”.
وعن الطريقة التي تجعل عملية التوزيع أكثر شفافية وعدلاً، قال شرف الموسوي: “الإفصاح عن معايير الاختيار بوضوح، والرد على تظلمات الأهالي بوضوح أيضاً وبالتفصيل”، و”الشفافية في توزيع البعثات، كما قبل عام 2011، عبر نشر نتائج توزيع البعثات لتكون معلومة للجميع”.
وبرأيه، يجب إقناع الطلبة المتفوقين الذين لا يحصلون على رغباتهم الأولى، وإقناع أهاليهم، بخيارات بديلة، و”لا بد من الاهتمام بهؤلاء الشباب لأنهم أفنوا عمرهم في الدراسة من أجل تحقيق رغباتهم في التخصص الذي يرغبون فيه، وليس من المعقول أن تأتي لجنة في مقابلة قصيرة وتقضي على أحلامهم بدون أن تعمل على إقناعهم”.