بعد 11 عاماً من انتفاضة البحرين: لا يزال الإفلات من العقاب سائداً
أبرز الناشط الحقوقي البحريني سيد يوسف المحافظة الواقع الحقوقي المتدهور في البحرين، مشيرا إلى أنه بعد 11 عاما من الانتفاضة الشعبية في البلاد لا يزال الإفلات من العقاب سائداً.
جاء ذلك في مقال نشره المحافظة في منظمة الديمقراطية الآن للعالم العربي “DAWN” بمناسبة الذكرى السنوية 11 لاندلاع انتفاضة مدنية تدعو إلى الديمقراطية والعدالة واحترام حقوق الإنسان في البحرين.
وذكر المحافظة أن انتفاضة البحرين كانت مستوحاة من الاحتجاجات في مصر وتونس، وقد اجتاحت هذه الحركة السلمية شوارع المدن والبلدات في جميع أنحاء الدولة الجزرية الصغيرة، وحولت دوار اللؤلؤة المركزي في المنامة إلى مخيم احتجاج لفترة وجيزة.
وقوبلت هذه المظاهرات بقمع ممنهج، واقتحمت الشرطة البحرينية دوار اللؤلؤة، مما أسفر عن مقتل المتظاهرين وهدم مخيمهم.
وبحلول الوقت الذي سحقت فيه الانتفاضة بمساعدة القوات السعودية و الاماراتية – عندما أعلن الملك حمد بن عيسى آل خليفة حالة الطوارئ – قتلت قوات الأمن في البحرين عشرات المتظاهرين واعتقلت مئات آخرين، كما تعرض العديد منهم للتعذيب أثناء احتجازهم. وفي وقت لاحق، فصل آلاف العمال لمجرد مشاركتهم في الاحتجاجات.
رداً على الإدانة الدولية في أعقاب حملة القمع، أعلن الملك حمد عن إنشاء لجنة مستقلة للتحقيق في هذه الانتهاكات برئاسة محمود شريف بسيوني، أستاذ القانون المصري في جامعة دي بول.
وثقت اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق التعذيب على أيدي قوات الأمن البحرينية وانتقدت “ثقافة الإفلات من العقاب”.
قدمت اللجنة تقريرها في نوفمبر/تشرين الثاني 2011 في جلسة عامة أمام الملك، الذي قبل النتائج ووعد بتنفيذ توصياتها المتعلقة بالإصلاحات الأساسية لحقوق الإنسان.
ولكن منذ ذلك الحين، لم يتم فعل الكثير على أرض الواقع. وعلى الرغم من استنتاجات التقرير، ووعود الحكومة بالتصرف بشأنها، لم تحاسب الحكومة قط أفراد الأجهزة الأمنية على عمليات القتل خارج نطاق القانون والقضاء. ويتعرض المحتجزون باستمرار لسوء المعاملة بل والتعذيب، وفقاً لادعاءات موثوقة.
وتم استعادة صلاحية وكالة الأمن الوطني المسيئة بالإعتقال، والتي ألغيت بموجب مرسوم ملكي في أواخر عام 2011، كما أوصت اللجنة، ثم ما لبثت وأعيد العمل بها في وقت لاحق بموجب مرسوم ملكي في عام 2017.
كما أن المبادرات التي اتخذتها الحكومة البحرينية لتنفيذ توصيات اللجنة لم تلعب دوراً حقيقياً في تحسين وضع حقوق الإنسان في البلاد.
وبدلاً من معالجة المخاوف المتعلقة بحقوق الإنسان، سعت بدلاً من ذلك إلى تحويل أنظار العالم عن هذه الانتهاكات في البحرين.
وآخر تلك المراوغات ما أعلنت عنه الحكومة في سبتمبر/أيلول من عام 2020 من أنها بصدد وضع خطة وطنية لحقوق الإنسان 2022 – 2026.
ولو كانت الحكومة البحرينية جادة في إعداد وتنفيذ مثل هذه الخطة الوطنية، لما استبعدت الأمم المتحدة، بما في ذلك مكتب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، ومنظمات المجتمع المدني في البحرين.
وتواصل الحكومة تجاهل لب المسألة: إيجاد حلول لأزمة حقوق الإنسان والأزمة السياسية في البلاد، والأمران سيان.
بعد وفاة رئيس الوزراء السابق خليفة بن سلمان آل خليفة في نوفمبر/تشرين ثاني 2020، تم تعيين ولي العهد سلمان بن حمد آل خليفة رئيساً للوزراء.
وأعرب العديد من البحرينيين والمراقبين الدوليين عن أملهم في أن يقوم أخيراً بعملية إصلاح حقوقي وسياسي حقيقي في البلاد وإيفاء وعود اللجنة المستقلة، لكن هذا التفاؤل لم يكن في محله.
ومنذ توليه منصبه، لم يتخذ رئيس الوزراء الجديد أي خطوات جديرة بالاهتمام للتصدي لانتهاكات حقوق الإنسان أو الانتهاكات السياسية، إنما صب جهوده على الملف الاقتصادي، لتبقى البلاد غارقة في أزمتها.
إن الحكومة البحرينية ما زالت غير قادرة على معالجة الأسباب الكامنة وراء هذه الأزمة، مثل قضية المعتقلين السياسيين وإجراء تحقيقات جدية في جرائم القتل خارج نطاق القضاء والتعذيب الممنهج، من أجل منع تكرار هذه الانتهاكات.
وعندما تسلم الملك حمد تقرير اللجنة المستقلة عن الانتفاضة التي سحقت في أواخر عام 2011، قال: “إننا عاقدون العزم، بإذن الله تعالى، على ضمان عدم تكرار الأحداث المؤلمة التي مر بها وطننا العزيز. بل سنتعلم منها الدروس والعبر”.
البحرين بحاجة ماسة لإصلاح حقوقي جاد وعاجل تدفعه إرادة سياسية صادقة، بدءاً بالاعتراف بجذور هذه الأزمة. إن تركيز الحكومة على التنمية الاقتصادية لا يمكن أن يكون مستداماً ما لم يكن هناك مجتمع يدعمها واستقرار داخلي حقيقي.
إن الطريق إلى الإصلاح واضح ولا يحتاج إلى إضاعة سنوات أخرى. وينبغي الإفراج عن المعتقلين السياسيين وإلغاء أحكام الإعدام الصادرة بحقهم.
كما ينبغي على الحكومة التراجع عن قراراتها بسحب الجنسية من العديد من المعارضين، وينبغي لها أن تضع حداً للتمييز الطائفي.
يجب أن تكون مؤسسات المجتمع المدني قادرة على العمل بحرية في البحرين، في بيئة حيث توجد حرية الرأي والتعبير والمعتقد والصحافة، وحرية التجمع السلمي. وكل ذلك يمكن أن يمهد الطريق لمشروع وطني للعدالة الانتقالية.
هناك أمثلة ناجحة لقوانين العدالة الانتقالية وإنشاء لجان الحقيقة والمصالحة في العالم العربي – أي في تونس والمغرب – مستوحاة من دروس جنوب أفريقيا.
استفادت الحكومة البحرينية خلال الأربع سنوات الماضية من رئاسة دونالد ترامب في الولايات المتحدة، حيث أعطى ترامب الأولوية لصفقات الأسلحة والعلاقات التجارية، لا سيما مع دول الخليج الثرية، على حساب حقوق الإنسان.
وتعهد الرئيس جو بايدن بوضع حقوق الإنسان “في صميم السياسة الخارجية للولايات المتحدة”، لكن منظمات المجتمع المدني في البحرين وعلى الصعيد الدولي لا تزال تنتظر الإيفاء بهذا الوعد. هل ستفي إدارة بايدن بتعهداتها في مجال حقوق الإنسان، دون أن يخضع هذا الملف للمساومة على حساب المبادئ؟
إن حقوق البحرينيين مكفولة في القانون البحريني، بموجب دستور البلاد، وكذلك في الاتفاقيات والمواثيق الدولية التي صادقت عليها الحكومة البحرينية.
وختم المحافظة مقاله بالقول “نطمح إلى أن يتم تطبيق هذه الحقوق بشكل دائم وألا تخضع لأهواء الحكومة، أو مصادرتها لمجرد أننا نحمل مواقف أو آراء سياسية لا تتفق معها السلطات”.