أدت ملاحقات قضائية وقانونية على مدار سنوات إلى سحق حرية الرأي والتعبير في البحرين وتعظيم الرقابة الذاتية للصحافيين خشية من بطش النظام الخليفي.
ومنذ العام 2011، تستند النيابة العامة في البحرين على مجموعة من التهم مثل “عرقلة السلام وتهديد الأمن“، “التحريض على كراهية النظام الدستوري للمملكة“، “بُغض طائفة من الناس”، و”إهانة وزارة الداخلية”، “إهانة القضاء” وغيرها في استهداف نشطاء المجتمع المدني والمعارضين/ات والصحافيين/ات في البحرين.
وقالت رابطة الصحافة البحرينية إن هذه الملاحقات القضائية والقانونية ساهمت في تراجع حرية الرأي والتعبير والصحافة داخل البحرين.
وأوضحت أن بعض هذه النصوص القانونية مُررت عبر مجلس النواب (البرلمان) الحالي الذي تتهمه قوى المعارضة بتبعيته للحكومة وعدم قدرته على تمثيل صوت شريحة واسعة من المواطنين، وتطالب بأن يكون له كامل الصلاحيات.
وتلك النصوص تم استخدامها بشكل خاص، ضد المعارضين/ات والمنتقدين/ات مستندين على تعريفات مطاطية وعامة تسهل عملية الاستهداف والانتقام.
وقمعت السلطات في البحرين التعبير السلمي عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، وحاكمت المنتقِدين/ات حسب منظمة هيومن رايتس ووتش.
وهو ما خلق حالة من الخوف والتراجع في الأصوات المعارضة داخل البلاد، بالإضافة لحالة من المراقبة الذاتية لدى الصحافيين/ات ومنظمات المجتمع المدني التي تعمل داخل البحرين على وجه الخصوص تفاديا للاعتقال والتحقيق والإغلاق وسحب التراخيص والتضييق.
وتمكنت حكومة البحرين باستخدام المضايقات والاحتجاز التعسفي والتعذيب، من سحق المجتمع المدني الذي كان من قبل نشيطاً ومزدهرًا، ما تبقى هي مجرد أصوات قليلة منفردة لديها من الشجاعة ما يكفي للمجاهرة بآرائها، بحسب فيليب لوثر مدير البحوث وكسب التأييد للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية.
وجد الصحافيون/ات أنفسهم في مواجهة المنع والتضييق أو المراقبة الذاتية لما يكتبون ويقولون سواء عبر عملهم/ن في وسائل إعلام تقليدية أو حديثة أو حساباتهم/ن الشخصية على وسائل التواصل الاجتماعي.
وكذلك ناشطو/ات المجتمع المدني الذين واجهوا/ن أحكامًا بالسجن لخمس سنوات لانتقاد الحرب على اليمن، فيما واجه آخرون/أخريات الحكم بالسجن للتغريد عن مزاعم التعذيب في السجن.
وفي الوقت الذي أغلقت فيه السلطات الصحيفة الوحيدة (صحيفة الوسط) المستقلة في البلاد في العام ٢٠١٧، لم يبق داخل البلاد إلا صوت واحد هو صوت السلطة، عبر خمس صحف يومية مملوكة جزئيا لأفراد من العائلة الحاكمة ومحطات إذاعة وتلفزيون رسمية.
وجميعها تنشر وتنقل صوتا واحدا أحاديا، ويلتزم الصحافيين/ات العاملين/ات في هذه المؤسسات بالخط التحريري/ السياسي مقابل البقاء في وظائفهم/ن دون وجود بديل.
وتمكن الصحافيين/ات الذين/اللواتي فقدن أعمالهم/ن الصحافية بسبب التسريح أو إغلاق مكان العمل أو بسبب انتماءاتهم/ن السياسية، من خلق مساحة على الفضاء الأوسع، الإنترنت، عبر خلق حسابات إخبارية تتابع الأخبار المحلية والإقليمية والدولية، ترصد هذه المنصات الأحداث وتجني الأموال من مردود الإعلانات التجارية التي ينشرها الحساب.
بقاء هذه الحسابات كمصدر للدخل لهؤلاء الصحافيين/ات مرهون بسيرهم/ن على خط التماس دون اجتياز الحدود التي وضعتها السلطة، مما يجعل الكثير من هذه الحسابات شبيهة بمجموعات أخبار محلية محدودة عبر تطبيق الواتساب أو نسخة طبق الأصل عن الصحف المحلية.
خلال عدة سنوات تلت العام ٢٠١١، كانت النافذة الوحيدة للأخبار و التغطيات التي تنقل ما يحدث من على أرض الواقع في البحرين هم المراسلون/ات الصحافيون/ات.
إلا أن ذلك تقلص لأدنى مستوياته عندما سُحب ترخيص غالبية المراسلين/ات لوكالات الأنباء العالمية بين العام ٢٠١٦ و٢٠١٧، حيث أصبحت رخص العمل كمراسل/ة مع الوكالات الدولية تمنح و تحجب على أسس غير مهنية وذات صلة بتشديد قبضة الحكومة البحرينية لتوجيه التغطيات الإعلامية الدولية للمواضيع المحلية.
أما من بقوا/ين يحملون ترخيصا للعمل كمراسلين/ات، فإنهم يتحركون ضمن خط غير مرئي من الرقابة الذاتية، ابتداءً من اختيار الموضوعات التي يغطونها.
وحتى المصطلحات التي يستخدمونها مرورا بالضيوف الذين يمنحونهم الفرصة للحديث والتصريح عن ما حدث ويحدث، درءً لخطر سحب الترخيص وخسارة العمل ومصدر الرزق كما حدث مع زملائهم.
وأصبح طلب تأشيرة دخول البحرين بغرض العمل الصحافي أمرا معقدا بالنسبة للصحافيين/ات الأجانب، يضطروا في بعض الأحيان للالتفاف حوله، لصعوبته وتعقيده وتحكم السلطة بتفاصيل الموضوعات التي يغطونها والأشخاص الذين يقابلونهم/ن، حتى إنها في بعض المرات لاحقت الصحفيين/ات للتعرف على تحركاتهم/ن داخل البلاد.
ينطبق ذلك أيضا على المعارضين/ات والناشطين/ات في المجتمع المدني الذين/ اللواتي أغلقت/ حُلّت جمعياتهم/ن ومنظماتهم/ن، أو أولئك الذين/اللواتي يمنعهم/ن قانون العزل السياسي من ممارسة النشاط المدني أو السياسي.
فأصبحوا عاجزين عن التصريح عن مواقفهم والتعليق على الشأن الداخلي إلا من خلال كلمات مواربة وبطريقة غير مباشرة هنا وهناك مع حذرهم الشديد من التصريح لوسائل الإعلام الأجنبية أو المشاركة في برامج تلفزيونية خارجية، وهو ما شكل حصانة للحكومة والمؤسسات التابعة لها من النقد وكشف مواقع الفساد والانتهاكات.
كما عبر أكثر من صحافي/ة وناشط/ة يعيشون في المنفى المفروض أو الاختياري عن خوفهم/ن من استهداف والانتقام من أهاليهم/ن داخل البحرين في حال وجهوا انتقادات حادة للسلطات البحرينية، أو تسليط الضوء على موضوعات تعتبر بالنسبة للسلطات خطا أحمر.
وهو ما حدث للناشط الحقوقي أحمد الوداعي الذي يتخذ من بريطانيا ملجئً له، وسُجنت والدة زوجته وأخيها، بالإضافة لأبن خاله في تهم وُصفت الانتقامية، وكاد السيناريو يتكرر مع الناشط يوسف عمران بعد اعتقال والده وأخته، إلا إنه تم إطلاق سراحهما في وقت لاحق.
ساهمت هذه الرقابة الذاتية في تقليص المزيد من مساحات التعبير وحرية الصحافة التي تتحمل مسؤوليتها المباشرة السلطات في البحرين.
فقد عملت عبر التضييق القانوني والمنع والحجب على ترهيب من تبقى لديهم رأي ليبدوه ومن لا زال يحمل قلما أو ميكروفونا لممارسة عملهم الصحافي، خصوصا وأن عددا من المدونين، الصحافيين والمصورين لا يزالون وراء القضبان لممارسة حرية التعبير السلمي أو الصحافة بأحكام بالسجن تصل إلى المؤبد في بعض الحالات.
ولذلك، استطاعت البحرين – بجدارة – ضمان موقعها ضمن آخر 12 دولة في ترتيب مؤشر حرية الصحافة العالمي للعام 2021 الذي تصدره منظمة مراسلون بلا حدود من أصل 180 دولة.