البحرين في 2025: قمع متصاعد لحرية الصحافة والتعبير يرسّخ دولة بوليسية

منذ مطلع عام 2025، شهدت البحرين تصعيدًا غير مسبوق في استهداف لحرية الصحافة والنشطاء والمعارضين، وفق ما وثّقته رابطة الصحافة البحرينية في تقريرها نصف السنوي الأخير.

ويقدّم التقرير صورة قاتمة عن أوضاع حرية التعبير والصحافة في المملكة، حيث سُجّل أكثر من 2000 حالة قمع خلال ستة أشهر فقط، في مشهد يعكس تغوّل الدولة على الحقوق الأساسية واستمرار نهجٍ ممنهج منذ انتفاضة 2011.

وبحسب التقرير، رُصدت 2037 حالة انتهاك لحرية التعبير بين يناير ويونيو 2025. ويعزو التقرير هذا التصاعد إلى القانون الجديد الذي أقرّه البرلمان البحريني في 8 مايو 2025، والذي عدّل المرسوم بقانون رقم (47) لسنة 2002.

وقد فرضت هذه التعديلات قيودًا صارمة على العمل الصحفي والإعلامي، ما جعل من الرقابة أمرًا واقعًا رغم النصوص الدستورية التي تحظرها.

الترخيص الإجباري: أداة رقابة مقنّعة

أخطر ما جاء في التعديلات هو المادة 3، التي تفرض على كل من ينشر محتوى عبر أي وسيلة إلكترونية – بما في ذلك المدونات وحسابات التواصل الاجتماعي – أن يحصل على ترخيص من وزارة الإعلام.

وتحول هذه الصياغة الفضفاضة كل نشاط رقمي إلى مجال قابل للرقابة، بما يمنح الدولة سلطة كاملة لتحديد من له حق التعبير ومن يُحرم منه.

ورغم أن المادة 67 من القانون تنص على منع الرقابة على وسائل الإعلام، فإن نظام الترخيص يمنح الحكومة القدرة الفعلية على التدخل في السياسات التحريرية وفرض أجندتها الرسمية. بهذا الشكل، يصبح النص القانوني مجرد واجهة شكلية تخفي خلفها منظومة قمع مُحكمة.

حالات موثقة للقمع

لم يقتصر القمع على النصوص، بل تجسّد في ممارسات ميدانية:

خلال الحرب بين إسرائيل وإيران، استُهدف صحفيون وناشطون أبدوا تعاطفهم مع طهران. المصوّر سيد باقر الكامل استُدعي للتحقيق ولم يُفرج عنه إلا بعد أن تعهّد بعدم النشر عن الحرب.

في فترة عاشوراء، اعتُقل الشابان قاسم محمد وحسين هلال بعد رفعهما لافتة عاشورائية، فيما حوصرت مدينة الدراز ومنع رجال الدين من دخولها. كما أصيب الشاب حسن العنفوز بجروح خطيرة إثر قمع أمني.

هذه الوقائع تكشف أن القمع لا يستهدف فقط النشاط الإعلامي والسياسي، بل يمتد أيضًا إلى المناسبات الدينية التي تعتبرها السلطات مساحة محتملة للمعارضة.

والقمع الحالي ليس معزولًا، بل امتداد لسياسة بدأت منذ احتجاجات فبراير 2011، حين اعتمدت الحكومة البحرينية نهجًا يقوم على تفكيك الحركات المعارضة وإسكات الأصوات المستقلة وفرض الرقابة على الإعلام المحلي والدولي إلى جانب استخدام الاعتقال التعسفي والتعذيب، وصولًا إلى أحكام الإعدام، لترهيب المعارضين.

اليوم، ومع القانون الجديد، وصلت هذه المنظومة إلى مرحلة المأسسة، حيث أصبحت الرقابة مكرّسة بالنصوص القانونية وتُمارس بشكل علني لا لبس فيه.

الأثر على المجتمع والإعلام

إن إلزام الصحفيين بالحصول على إذن رسمي لممارسة عملهم يقوّض جوهر الصحافة الحرة، ويحوّلها إلى أداة بيد السلطة. أما المواطنون، فإنهم يجدون أنفسهم عرضة للملاحقة لمجرد كتابة منشور على وسائل التواصل.

النتيجة هي مناخ من الخوف الذاتي (Self-Censorship) يجعل كل فرد يتردّد قبل التعبير عن رأيه، مخافة الاعتقال أو الملاحقة القضائية.

وفي الجانب الديني، يؤدّي القمع المتكرر في مناسبات عاشوراء إلى تأجيج الانقسام الطائفي، حيث يُنظر إلى استهداف الطقوس الشيعية بوصفه حرمانًا لمكوّن أساسي من ممارسة حقه في التعبير والعبادة.

البحرين بين القانون الدولي والواقع المحلي

تتناقض هذه السياسات مع التزامات البحرين الدولية، خصوصًا العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي يكفل حرية التعبير والتجمع.

لكن الحكومة البحرينية تواصل التحجج بـ”الأمن القومي” لتبرير القيود، في وقت يرى فيه المراقبون أن الهدف الحقيقي هو إسكات المعارضة وإعادة إنتاج دولة بوليسية.

وعليه تكشف أحداث النصف الأول من 2025 أن البحرين تسير بخطى متسارعة نحو مزيد من تكميم الأفواه. ومع استمرار القمع، وتوسيع نطاق الترخيص الإجباري، واعتبار حتى الأنشطة الدينية مصدر تهديد، يصبح المجال العام في البلاد شبه مغلق.

الحل، كما يشير التقرير، لا يكون إلا عبر:

إلغاء نظام الترخيص وإتاحة حرية النشر.

إصلاحات قانونية شاملة تضمن استقلالية الإعلام.

محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات.

حماية الحق في ممارسة الشعائر الدينية والتعبير عنها بحرية.

من دون ذلك، ستبقى البحرين عالقة في دائرة قمع متجددة تُضعف ثقة المواطنين بالدولة وتُقوّض أي آفاق للاستقرار السياسي والاجتماعي.

Exit mobile version