كشف تحقيق عن علاقة مالية مشبوهة مع البحرين سبقت إصدار كتاب “أوراق قطر” المثير للجدل للصحافيين الفرنسيين كريستيان شيزنو وجورج مالبرونو.
وأظهر التحقيق الذي نشره موقع mediapart الإليكتروني وترجمه المجهر الأوروبي لقضايا الشرق الأوسط، أن شيزنو ومالبرونو أودعا مبلغ 29 ألف يورو في حساب ميلان إيرزن، رئيس فريق الدراجات البحريني، ومستشار أحد الأمراء في البحرين، التي دخلت في صراع مع قطر.
وبحسب الموقع يؤكد الاثنان أنهما دفعا لإيرزن هذا المبلغ، مقابل ترجمة الوثائق السرية التي استخدماها في كتابهما “أوراق قطر”.
ونشر شيزنو مالبرونو عام 2019، كتابهما بعنوان “أوراق قطر”، الذي صدر عن دار “ميشيل لافون” Michel Lafon.
وقد قامت تحقيقاتهما على أساس تسريب بيانات تكشف تمويل الإمارة مئة وأربعين مشروعاً شملت مساجد ومراكز إسلامية ومدارس في أوروبا وفرنسا، معظمها تشرف عليها هيئات مقرّبة من جماعة الإخوان المسلمين.
وأثبتت تحقيقات ووثائق أن الصحفيين الفرنسيين بادرا إلى إصدار الكتاب المذكور بتمويل وتحريض من خصوم لقطر أبرزهم الإمارات العربية المتحدة.
لكن الجديد في المعلومات أنه في 8 تشرين الأول/ أكتوبر 2020، أجرت دار “ميشيل لافون” تحويلًا مالياً بقيمة 20,000 يورو بخصوص بكتاب “أوراق قطر” إلى شركة بحرينية تُدعى 25th Hour Consulting.
وأرسلت الناشرة مبلغاً إضافياً قدره 9,403 يورو إلى هذه الشركة في 4 نيسان 2022، هذه المرة عن كتاب آخر من كتب شيزنو ومالبرونو بعنوان “تراجع فرنسي -Le déclassement français”، ليصبح إجمالي التحويلات 29,403 يورو.
لكن المفاجأة، أن مالك 25th Hour Consulting هو ميلان إيرزن، السلوفيني مدير فريق الدراجات البحريني، الذي احتل المركز الثالث في سباق فرنسا الأخير (le Tour de France ) والمركز السادس في السباقات الفرديّة بفضل الدراج الإسباني بيلو بيلباو.
يعتبر إيرزن مستشاراً للأمير ناصر بن حمد آل خليفة، أحد أبناء ملك البحرين، وقد اقترح عليه إنشاء فريق الدراجات في عام 2016، ومساعدته في شؤون تربية الخيول والإبل الخاصة بالسباقات.
سمعة الرجلين ليست نظيفة بحسب ما كشفته صحيفة “لو موند” الفرنسيّة، فثمة شبهات حول تورط إيرزن في قضية “أدرلاس-Aderlass ” التي تتعلق بشبكة كبيرة مشتبه بأنها تتاجر بالمنشطات الدموية. فتح مكتب المدعي العام في مرسيليا بعد سنتين، تحقيقاً مبدئياً بتهمة “اقتناء ونقل وحيازة واستيراد مادة محظورة، للاستخدام الرياضي، من دون تبرير طبي”، ما أدى إلى تعرض مقر فريق البحرين الناجح لمداهمتين: الأولى في تموز/ يوليو 2021، والثانية في تموز 2022، وتم تفتيش منزل إيرزن، الذي وصف كل التهم بأنها “كاذبة تماماً”.
أما رئيسه، الأمير ناصر آل خليفة، فيدير السياسة الرياضية في البحرين، بالإضافة إلى الحرس الملكي.
وشارك في القمع العنيف للتظاهرات السلمية التي هزت المملكة في عام 2011. واتهمته منظمات غير حكومية عدة بأنه كان متورطاً، شخصياً، في أعمال التعذيب التي ارتُكبت آنذاك.
لكن، لماذا أودعت دار “ميشيل لافون” 29,403 يورو في حساب شركة إيرزن البحرينية؟ أجابت محامية دار النشر بأنها كانت مستحقات مؤلفيّ الكتاب، اللذين اقترحا عليها تحويل المال إلى 25th Hour Consulting لسداد دين.
وأكدت أن دار النشر “لا علاقة لها بشركة 25th Hour consulting خارج سياق التحويلات الماليّة”، وأضافت ناصحةً: “في ما يخصّ العلاقة بين الشركة والكتّاب… أدعوكم إلى مساءلة زملائكم”.
وزعم مالبرونو عبر مكالمة سريعة، عندما سئل عن الصلة بينه وبين رئيس فريق الدراجات البحريني: “ليست لدينا أي علاقة بهذا الشخص. لا نعرفه. هذا كل شيء”.
وبعد ذلك، أفاد الصحافيان بإجابة أخرى عن أسئلتنا المكتوبة: إن الدفع لإيرزن يتعلق، بـ”مساعدة في ترجمة آلاف الوثائق السرية باللغة العربية، والتي كانت جزءاً من تسريب بيانات منظمة قطر الخيرية، والتي استخدمت كأساس لكتاب “أوراق قطر””.
وأكد مالبرونو أنه تلقى هذه الوثائق على ناقل بيانات USB تم إرساله إليه عبر البريد في صحيفة “لو فيغارو”.
أوضح الصحافيان أيضاً، “تعهدنا بدفع تكلفة الترجمة عبر حسمها من أجر (حقوق المؤلف)، التي ستكون موزعة على كتابين. لذلك، طلبنا من دار ميشيل لافون، ناشرنا، تحويل المال إلى هذه الشركة”.
هذا التفسير مدهش. لا تشير هوية مؤسسة 25th Hour Consulting إلى أي نشاط في مجال الترجمة.
وقد أعلنت الشركة في سجل التجارة في البحرين، أنها تنشط في “الاستشارات الإدارية” و”تنظيم وترويج الفعاليات الرياضية”، الدور المنسجم تماماً مع وظيفة ميلان إيرزن الذي يدير تلك النشاطات لصالح الأمير ناصر آل خليفة.
بالإضافة إلى ذلك، لا يعتبر رئيس فريق البحرين للدراجات متخصصاً في الترجمة؛ إذ لا يتحدث اللغة العربية أو الفرنسية كلغة أم، ولا يتمتع بأي مهارات معروفة في الترجمة، بل إنه أثناء المقابلات معه في سباق Tour de France للدراجات، يجيب عن أسئلة الصحافيين الفرنسيين بالإنكليزيّة حصراً.
وفي النهاية، من المدهش أن يختار شيزنو ومالبرونو، اللذان يتمتعان بخبرة واسعة في الشرق الأوسط، تقديم وثائق سرية عن دولة قطر لمستشار دولة عدوة لها، كانت في وقت الدفع، تحاصرها إلى جانب الإمارات والمملكة العربية السعودية.
كما أنه بالطبع، هناك مترجمون فرنسيون كثر في باريس يمكنهم أن يتمتعوا بحيادية وكفاءة أكثر من رئيس فريق الدراجات البحريني.
استجاب الصحافيان عندما سئلا عن هذه النقاط بقولهما، “لم ندفع أي نقود للحصول على هذه الوثائق”. كما رفضا أن يشرحا لنا لماذا اختارا شركة ميلان إيرزن لترجمة الوثائق القطرية، واكتفيا بالقول بأنها “سرية مصدر المعلومات الصحافية”، التي يجب أن يحافظا عليها.
وهذا التبرير مدهش، فالمترجم ليس مصدراً، ويحظر ميثاق أخلاقيات الصحافيين الفرنسيين دفع مكافآت للمصادر.
وعندما تمت مراسلتهما بشأن هذه المفارقة، لم يجب كل من كريستيان شيزنو وجورج مالبرونو، أما ميلان إيرزن فقد فضّل الصمت: رفض الرد علينا بحجة أن أنشطة شركته “غير عامة و سرية”.