إسقاط الجنسية في البحرين: 4 صحافيين ينتظرون العدالة والإنصاف

أبرزت رابطة الصحافة البحرينية قصة معاناة أربعة صحافيين ينتظرون العدالة والأنصاف في البحرين بعد كعاقبتهم بإسقاط الجنسية عنهم.

وأشارت الرابطة إلى أن عام 2015 سجل أكبر حملة تطويق ومواجهة للصحافة والصحافيين في البحرين، واستهدفت السلطات الحكومية أربعة من الصحفيين والنشطاء في ملف الدفاع عن الحريات العامة وأسقطت جنسياتهم بمرسوم ملكي.

ورغم مصادقة البحرين على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية عام 2006 الذي يضمن حرية الرأي في المادة 19 منه، إلا أن السلطات انتهجت بعد الحراك السياسي في منتصف فبراير 2011 نهجاً متشدداً في التعاطي مع حرية الرأي والتعبير ومع الصحافة والصحافيين واستهدفت عدداً من الصحافيين والنشطاء لمجرد الإدلاء بآرائهم السياسية، وذلك من خلال التضييق عليهم بشتّى الوسائل كالتحقيق والاعتقال والمحاكمات وإسقاط الجنسية.

وإذ يشترط دستور البحرين في المادة 17، ارتكاب جريمة الخيانة العظمى لإسقاط حق الجنسية البحرينية و“أحوال أخرى يحددها القانون”.

حدد قانون الجنسية لعام 1963 في المادة العاشرة منه شرط الإسقاط كالتالي: “يجوز بأمر عظمة الحاكم إسقاط الجنسية البحرينية من كل من يتمتع بها في الحالات الآتية: إذا دخل الخدمة العسكرية لإحدى الدول الأجنبية وبقى فيها بالرغم من الأمر الذي يصدر له من حكومة البحرين بتركها ، أو: إذا ساعد أو انخرط في خدمة دولة معادية ، إذا تسبب في الإضرار بأمن الدولة”.

والحق في الجنسية مكفول في المادة 15 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تقول أن لكل فرد حق التمتع بجنسية ما وأنه لا يجوز، تعسُّفًا، حرمانُ أيِّ شخص من جنسيته ولا من حقِّه في تغيير جنسيته.

ورغم أن دستور البحرين أحاط هذه الحق بسياج يكفل لكل فرد حق الجنسية، إلا أنه وضع حالات لفقدانها حتى لو لم يحصل على جنسية دولة أخرى.

واعتبر أن الخيانة العظمى هي السبب لإسقاط الجنسية، وبالمفهوم القانوني، تتطلب هذه الجريمة لإثباتها محاكمةً عادلة بكافة درجاتها وحق الدفاع وضمانات حقوقية عادلة. رغم ذلك، لم يتمكن أي من الصحافيين المُسقطة جنسياتهم من أن يدافعوا عن أنفسهم أمام القضاء.

الاستهداف الممنهج للصحافة

منذ عام 2011 وحسب احصائيات أعدتها رابطة الصحافة البحرينية، ارتفعت حصيلة الانتهاكات المتعلقة بحرية الرأي والتعبير، لتسجل 1721 انتهاكاً طالت الصحافيين والناشطين على التواصل الاجتماعي.

وإسقاط الجنسية كان أحد أبرز الانتهاكات المستخدمة لاستهداف الصحفيين.

إذ تعرض 7 صحافيين لسحب وإسقاط جنسياتهم، كان ثلاثة منهم يقضون عقوبات بالسجن و4 آخرين يعيشون في المنفى.

كما صنّفت منظمة مراسلون بلا حدود البحرين في المرتبة 167 بين 180 بلداً في حرية الصحافة وهو دليل آخر على قمع حرية الرأي والتعبير وعدم تقبل الرأي السياسي الناقد أو المُعارض.

وأدت العقوبات المتتالية وانتهاك إسقاط الجنسية إلى امتناع غالبية الصحافيين وخاصة المعارضين من نقل الأخبار والمعلومات والتعبير عن آرائهم بحرية ونشر التقارير والحقائق التي تتناول الشأن السياسي أو قضايا الرأي العام.

وكانت، ولا تزال، عقوبة إسقاط الجنسية تمثل شبحاً على الصحافيين في البحرين لما يترتب على هذا الإجراء من فقدان لكامل الحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية على الصحافي وأسرته.

ومن أهم هذه النتائج السلبية المترتبة:

الحرمان من خدمات الدولة في السكن والتعليم والصحة وغيرها.

الحرمان من الحق في الحصول على عمل لائق.

الحرمان من الوصول إلى المعاملات المصرفية.

الحرمان من السفر.

حرمان المواليد الجدد من الجنسية بعد إسقاط جنسية الأب.

الحرمان من حق التصويت والترشح في الانتخابات البلدية والتشريعية

الحرمان من الحصول على المعاش التقاعدي.

الحرمان من تسجيل الأموال المنقولة وغير المنقولة.

الإبعاد والنفي من البلاد.

بالإضافة إلى ذلك فإن التفسيرات الملتوية للقوانين جعلت السلطات الحكومية تحاكم الصحافيين بتهم فضفاضة من أهمها الإخلال بأمن الدولة والإرهاب، وبموجب المرسوم رقم (8) لسنة 2015، اسقطت السلطات في البحرين الجنسية عن 72 شخص من بينهم 4 صحافيين بعد اتهامهم بالإرهاب وبذريعة الإضرار بأمن المملكة.

من هم الصحافيون الأربعة الذين استهدفتهم الحكومة البحرينية؟

علي الديري: باحث وصحافي بحريني، له عدة مؤلفات منشورة. كتب لصحيفتي الأيام و الوقت في البحرين.

وبسبب كتاباته المعارضة للسلطة، أُجبر علي الديري على مغادرة البلاد بعد اندلاع الاحتجاجات الشعبية عام 2011 لتفادي الاعتقال. انتقل إلى لبنان حيث كتب لصحيفة الأخبار اللبنانية.

بعد صدور قرار إسقاط الجنسية في مرسوم رقم 8 لسنة 2015، تم تسريع طلب لجوئه إلى كندا حيث رحب القنصل الكندي في لبنان بنشاط علي النقدي والمعارض، ووعده بتوفير المساعدة بالاستقرار في نضاله الثقافي والسياسي والمدني.

في أوائل عام 2016، هاجر الديري إلى كندا والتحقت عائلته به بعد غياب دام 5 أعوام و نشر كتاب بعنوان “لا هوية: إسقاط الجنسية كما شرحتها لأماسيل” في أغسطس 2017.

وشدد الديري في كتابه على أنه أراد أن يشرح لأبنائه معنى إسقاط الجنسية بكل دلالاته ومعنى الجنسية والمواطنة ومعنى عدم وجود وطن ينتمي إليه المرء قانونًا. كما أراد أن يشرح سبب سحب جنسية والدهم، ولماذا لن يُمنح الجنسية لإخوانهم الذين ولدوا بعد هذا التاريخ.

يعمل الديري حالياً كمقدم لبرنامج الكتب على بودكاست قناة الميادين.

عباس بوصفوان: صحافي بحريني، عمل في البحرين كرئيس تحرير لصحيفة أسواق الاقتصادية، وكذلك نائباً لمدير التحرير في صحيفة الأيام و رئيساً لقسم الأخبار المحلية في صحيفة الوسط.

هاجر من البحرين عام 2011 بعد إعلان تطبيق قانون الطوارئ في البلاد واستقر في المملكة المتحدة. كان واحداً من 100 ناشط بحريني أسسوا “جمعية الوفاق الوطني الإسلامية”.

أسس “مركز البحرين للدراسات في لندن” عام 2012، ويكتب مقالات في صحيفة الأخبار اللبنانية وصحف أخرى، كما عمل مديراً للأخبار والبرامج في قناة اللؤلؤة.

بعد إسقاط جنسيته بمرسوم رقم 8 لسنة 2015، أسس عباس مع ناشطين آخرين شبكة “أنا بحريني” التي تعنى بالمواطنين البحرينيين الذين أسقطت جنسيتهم (434 مواطنا).

علي عبدالإمام: مدون استهدفته السلطات البحرينية منذ أن أسس “ملتقى البحرين” وهو منتدى على الإنترنت يهدف إلى توفير مساحة للبحرينيين للتعبير عن آرائهم. اعتقل عام 2005م بتهمة تأسيس المنتدى والتحريض.

اعتقل مرة أخرى عام 2010 بتهمة نشر معلومات كاذبة بالإضافة الى إغلاق موقعه الإلكتروني في نفس اليوم. حُكم عليه غيابيا بالسجن 15 عاما بتهمة “التخطيط لانقلاب”.

في مايو 2013م تبين أن عبد الإمام فر من البحرين إلى المملكة المتحدة ومنح حق اللجوء في بريطانيا بعد وقت قصير من وصوله.

كان عبدالإمام من ضمن الصحافيين في قائمة المرسوم رقم 8 لسنة 2015 للمواطنين المسقطة جنسياتهم. كتب عبر موقع (إنديكس أون سينسرشيب) رداً على صدور المرسوم أنه ليس من حق الحكومة أن تعطي أو تأخذ هويته، كما أنه ليس من حقها أن تقتلعه من جذوره.

وأضاف أنه لن يقبل بأن يكون شخصًا غير معترف به من قبل العالم. وقال: “أنا الآن من دون جنسية، ولا أعلم ما إن كنت سأتمكن من زيارة أمي الكبيرة في السّن وأخوتي وأصدقائي. هناك الكثير من الأماكن التي أحبها في البحرين ولا أتخيل أن أموت قبل زيارتها مرة ثانية”.

حسين يوسف: صحفي ومدون، عمل في المنتدى الذي أسسه علي عبدالإمام وتعرض لضغوطات عدة إثر الكشف عن اسمه كأحد مسؤولي المنتدى.

اعتقل مع علي عبدالإمام سنة 2005 و افرج عنه لاحقاً. غادر حسين يوسف البحرين في 2011 لتجنب الاعتقال واستقر في لبنان قبل مغادرته إلى منفاه في كندا.

تعرض حسين يوسف أيضاً لإسقاط الجنسية في المرسوم رقم 8 لسنة 2015، حيث حُرِم من العودة إلى البحرين بالإضافة إلى حرمانه من حقوقه المدنية والسياسية.

التوصيات: باعتبار إسقاط الجنسية تم عبر “مرسوم ملكي”، فهو ما يتطلب ذات الآلية لتصحيح الوضع وإعادة الجنسية لهؤلاء الصحافيين.

وعليه، فالمؤمل هو أن تستمر الضغوط والمخاطبات نحو إصدار مرسوم عن ملك البلاد بإلغاء مرسوم رقم 8 لسنة 2005 بشكل مباشر أو إصدار مرسوم جديد بهذا الخصوص.

لا يمكن التعويل على أي من المسارات القانونية أو القضائية إذ أنه، بحسب القانون في البحرين، لا يحق للمؤسسات القضائية أن تلغي أي مرسوم ملكي على اعتبار بأنها من أعمال السيادة، وكذلك هو الحال بالنسبة للسلطة التشريعية التي ليس ليس من صلاحياتها أن تراقب أو أن تلغي أي مراسيم ملكية.

تضرر هؤلاء الصحفيون الأربعة على خلفية هذا الإجراء التعسفي مدنياً وسياسياً واقتصادياً واجتماعياً خلاف غيرها من الأضرار التي تتضاعف يومًا بعد يوم، وهو ما يجعل حقهم في التعويض ورد الاعتبار قائماً وثابتاً.

Exit mobile version