ملف كارثة مجمع شركة بابكو في البحرين.. فشل مؤسسي ممنهج

في مداخلة حازمة خلال الدورة التاسعة والخمسين لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، سلطت منظمة أمريكيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين (ADHRB) الضوء على الكارثة الصناعية الأخيرة التي شهدها مجمع شركة بابكو لتكرير النفط في البحرين.

واعتبرت المنظمة أن الكارثة المذكورة تعد مؤشرًا خطيرًا على فشل مؤسسي ممنهج في مجال السلامة المهنية، وانتهاكًا صارخًا لحقوق العمال، ومثالاً على غياب الشفافية والمساءلة في بيئة الشركات داخل المملكة.

تسرب قاتل.. وثلاث ضحايا

وقعت الكارثة في 2 مايو 2025، حين أدى تسرب غاز سام في إحدى وحدات التكرير التابعة لشركة بابكو إلى وفاة ثلاثة موظفين، فيما نُقل آخرون إلى المستشفى جراء تعرضهم لاختناق حاد.

وعلى الرغم من إعلان السلطات البحرينية عن فتح “تحقيق داخلي” وتكليف “محقق مستقل”، لم تُكشف حتى الآن هوية هذا المحقق ولا مؤهلاته، مما أثار شكوكًا واسعة حول جدية التحقيق واستقلاليته.

وأكدت ADHRB في مداخلتها أمام المجلس، تحت البند الثالث المتعلق بحقوق الإنسان والآليات المؤسسية للمساءلة، أن غياب الشفافية في التحقيقات يقوّض الثقة العامة ويزيد من احتمالات التستر على الإهمال، بدلًا من محاسبة المسؤولين ومنع تكرار المأساة.

سجل مقلق من الحوادث الصناعية

ليست هذه الحادثة الأولى التي تُسجل داخل منشآت بابكو. إذ أشارت ADHRB إلى أن تكرار الحوادث الصناعية داخل الشركة يكشف عن فشل مستمر في الالتزام بمعايير السلامة المهنية، ويطرح تساؤلات خطيرة حول مدى احترام الشركة لحقوق العاملين وحقهم في بيئة عمل آمنة.

وقد وثّقت منظمات حقوقية خلال السنوات الماضية وقوع عدة حوادث مشابهة، بعضها أدى إلى إصابات بالغة، وبعضها الآخر جرى التعتيم عليه إعلاميًا.

هذا النمط الممنهج، وفق ADHRB، يُبرز غياب الرقابة المستقلة، واستمرار ثقافة الإفلات من العقاب داخل المؤسسات الصناعية البحرينية، حتى في الحالات التي تنتهي بموت عمّال أبرياء.

تحقيقات وطنية خارج المعايير الدولية

في كلمتها، طرحت ADHRB سؤالًا مباشرًا على المجلس وفريق العمل المعني بالأعمال التجارية وحقوق الإنسان، جاء فيه: “ما هي التدابير التي يمكن اتخاذها لضمان المساءلة والشفافية في انتهاكات حقوق الإنسان المرتبطة بالشركات، لا سيما عندما لا تفي التحقيقات الوطنية بالمعايير الدولية؟”

ويعكس هذا التساؤل قلقًا متزايدًا من أن التحقيقات التي تديرها الجهات الوطنية في البحرين، وبخاصة في الحوادث التي تمس مصالح شركات مملوكة للدولة أو مرتبطة بها، نادرًا ما تتسم بالحياد أو الشفافية، بل تُستخدم في كثير من الأحيان كوسيلة لامتصاص الغضب العام دون اتخاذ خطوات جادة لمعالجة الخلل المؤسسي.

حقوق العمال على المحك

انتقدت ADHRB ضعف الالتزام الحكومي في البحرين بضمان الحد الأدنى من معايير حماية حقوق العمال، وخصوصًا في القطاعات الصناعية والنفطية، حيث يُوظف مئات العمال – المحليين والأجانب – في ظروف عمل توصف في بعض التقارير بـ”الخطرة والمجحفة”.

وشددت المنظمة على أن وفاة ثلاثة موظفين نتيجة تسرب غاز يُعد انتهاكًا مباشرًا للحق في الحياة وللحق في بيئة عمل آمنة، مشيرة إلى أن استمرار الصمت الرسمي، والتأخر في نشر نتائج التحقيقات، يؤكد أن حقوق الضحايا وذويهم ليست أولوية لدى الجهات المعنية.

ودعت منظمة ADHRB إلى اتخاذ خطوات ملموسة على المستويين الوطني والدولي، لتحقيق العدالة ومنع تكرار المأساة. وشملت المطالب:

نشر نتائج التحقيق فورًا مع الكشف عن هوية المحقق والمشاركين في العملية.

إجراء تحقيق دولي محايد إذا ثبتت عدم شفافية أو نزاهة التحقيق المحلي.

تعويض عائلات الضحايا تعويضًا عادلاً وشاملاً.

إلزام الشركات البحرينية، وخصوصًا المملوكة للدولة، بتنفيذ معايير السلامة الدولية ومراقبة تنفيذها بشكل دوري من قبل أطراف مستقلة.

ربط سياسات الاستثمار والتعاون مع البحرين بتطبيق معايير حقوق الإنسان، بما في ذلك الشفافية والمساءلة في الحوادث الصناعية.

نموذج لكيفية انهيار الثقة المؤسسية

اعتبرت ADHRB أن ما جرى في بابكو ليس حادثًا معزولًا، بل نموذج متكرر يعكس ثقافة تجنب المساءلة في المؤسسات البحرينية، التي تُدار في كثير من الأحيان بطريقة تُعلي مصالح رأس المال والسلطة على حساب أرواح الناس وسلامة بيئة العمل.

وفي وقتٍ تسعى فيه البحرين إلى الترويج لصورة دولة “حديثة وجاذبة للاستثمار”، تُظهر هذه الكارثة الهوّة الكبيرة بين الخطاب الرسمي والممارسات الواقعية على الأرض، ما يستدعي تدخلًا دوليًا أكثر فاعلية لحماية حقوق الإنسان في البلاد.

Exit mobile version