أبرزت منظمة سمكس الحقوقية أهمية خسارة البحرين حصانة الدولة في دعوى تجسس على معارضين وما يشكله القرار من تسليط للضوء على انتهاكات المنامة في الرقابة الالكترونية والتجسس.
وأشارت المنظمة إلى رفض المحكمة العليا في بريطانيا استخدام الحكومة البحرينية حصانة الدولة للامتناع عن الدعوى المرفوعة عليها من قبل معارضين بحرينيين.
ففي 8 شباط/فبراير 2023، رفضت المحكمة العليا في لندن استخدام الحكومة البحرينية استثناء حصانة الدولة للامتناع عن الرد على الدعوى المرفوعة عليها من قبل المعارضين البحرينيين الشهابي ومحمد.
وقالت المحكمة إنّ البحرين “لا يمكنها أن تتخذ من حصانة الدولة سبباً لعرقلة دعوى قضائية رفعها معارضان في بريطانيا قالا إن حكومة البحرين اخترقت أجهزة الكمبيوتر المحمولة الخاصة بهما ببرمجية تجسّس”.
وذكرت سمكس أنه بعد أيام من القرار عمد النائب البريطاني كيني ماكاسكيل إلى مساءلة وزير الداخلية البريطاني توماس توجندهات والحكومة البريطانية، حول الخطوات التي تتخذها الحكومة لحماية مواطني/ات المملكة المتحدة والمقيمين فيها من الهجمات الإلكترونية والقرصنة الخبيثة التي تمارسها حكومة البحرين من خلال استخدام برامج تجسس.
جاء جواب الوزير ليشكّل فسحة أمل للناشطين/ات البحرينيين/ات. “بات الآن بإمكاني التواصل مع الصحافيين/ات من دون الخوف من أن تكون أجهزتي مخترقة وأو محيطي معرضاً للخطر”، كما يقول لـ”سمكس”، المصور والناشط البحريني، موسى محمد، والذي رفع الشكوى ضد السلطات في لندن إلى جانب أمين عام “حركة البحرين” سعيد الشهابي.
مسيرة طويلة مرّت بها القضية، بدءاً من اكتشاف برمجيّات خبيثة على الهواتف والأجهزة، وتأكيد حصول التجسس، وصولاً إلى مرحلة رفع حصانة الدولة عن البحرين في بريطانيا التي تعتبر داعمة للسلطات في البحرين.
“ما حدث انتصار كبير للناشطين/ات الذين تلاحقهم السلطات البحرينية نتيجة مواقفهم السلميّة المعارِضة وحتّى الإعلامية”، يضيف محمد، مؤكّداً “الاستمرار في الكفاح للوصول إلى العدالة، بحيث سنواصل متابعة القضية إلى حين صدور الحكم على السلطات في البحرين وإرغامها على دفع التعويضات للمتضرّرين”.
جاء في جواب الوزير أنّ “الحكومة تقدّم برنامج عمل استراتيجيٍ لمنع الهجمات التي تصل إلى المواطنين/ات والمنظمات على نطاق واسع. ويشمل ذلك مجموعة من التدخلات مثل تحديد المواقع الإلكترونية الضارة وإزالتها، وبناء قدرة وطنية لمشاركة البيانات لتمكين الصناعة من حجب مواقع الويب والهجمات الضارة”.
تشمل هذه الحماية المعارضين البحرينيين أمين عام “حركة البحرين” سعيد الشهابي والمصور والناشط موسى محمد، اللذان حملا الجنسية البريطانية بعد لجوئهما إلى بريطانيا نتيجة نفي السلطات لهم وحرمانهم من الجنسية.
ما قصة التجسّس المرتبطة بالبحرين؟
في عام 2011، اكتشف الناشط البحراني موسى محمد أن تطبيق “مسنجر” من “فيسبوك” (Facebook Messenger) على جهاز “آيفون” (iPhone) الخاص به يفتح من تلقاء نفسه. ما رآه كان مخيفاً: شخص آخر يكتب باسمه لصديق ناشط له في البحرين، حيث كانت يرسل من حسابه أسئلة تستهدف الحصول على معلومات شخصية.
في الوقت نفسه، تسرّبت معلومات عن اختراق بعض أجهزة الناشطين/ات. يقول المدوّن البحراني والمدافع عن حقوق الإنسان، علي عبد الإمام، والذي تابع قضايا التجسّس على هواتف الناشطين/ات، في حديث مع “سمكس”، إنّه “من خلال متابعتنا موضوع الاختراق في أجهزة الناشطين/ات في الداخل أو في الخارج، تبيّن اختراق جهازين، فأبغلنا صاحبيهما”.
ولكن في المرة الأولى، لم يتمكّن عبد الإمام وزملاؤه من إجراء فحصٍ دقيق بسبب حذف جميع بيانات الهواتف من قبل أصحابها خوفاً من أيّ تسريب.
ولكن، في المرّة التالية، “أجرينا عملية فحصٍ عشوائي لأجهزة الناشطين/ات، فاكتشفنا أنّ جهاز موسى كان من ضمن الأجهزة المخترقة، فسلّمناه الأدلة الفنيّة واستخدمها في متابعته القضائية”، يشرح عبد الإمام.
تبيّن إذاً أنّ السلطات في البحرين تمكّنت من دسّ برنامج مراقبة وتجسس يحمل اسم “فينسباي” (FinSpy) على أجهزة المعارضين سعيد الشهابي وموسى محمد، ممّا سمح لعملاء بالسيطرة على أجهزة الكمبيوتر المحمولة الخاصة بهما والوصول إلى ملفاتهما ومراقبة اتصالاتهما.
وأشارا أيضاً أن البرنامج يسمح لمستخدميه أيضا بتشغيل الميكروفونات والكاميرات على الأجهزة الإلكترونية لإجراء مراقبة حية وتتبع للموقع، كما شرحا في مقابلة سابقة.
وصلت برمجية التجسّس إلى أجهزة الكمبيوتر الخاصة بمواطنين معارضين في عام 2011، ما سمح للسلطات بمراقبة عملهما مع سجناء سياسيين في البحرين، وفقما يضيف المعارضان البحرينيان المقيمان في بريطانيا، واللذان يطالبان قضائياً بالحصول على تعويضات عن “الأضرار النفسية” التي لحقت بهما.
في المقلب الآخر، نفت السلطات البحرينيّة اختراق أجهزة الكمبيوتر المحمولة الخاصة بالشهابي ومحمد، وقالت إنّهما “لم يقدّما أي دليل على كيفية إصابة أجهزة الكمبيوتر الخاصة بهما ببرمجيات خبيثة”.
وبعد الموقف المُتخذ من قبل القاضي البريطاني جوليان نولز الذي رفض طلب البحرين باستخدام حصانة الدولة، قال المتحدّث باسم حكومة البحرين إنّ “الحكومة تشعر بخيبة أمل من الحكم وتعتزم الاستئناف”.
حملات تجسّس متكرّرة
ليست هذه المرّة الأولى التي توجّه فيها الاتهامات لحكومة البحرين بالتجسّس على معارضيها. تقول الناشطة البحرينية والمدافعة عن حقوق الإنسان، ابتسام الصايغ، والتي تعرّض هاتفها للاختراق عام 2019، إنّ “منظمة ’فرونت لاين ديفندرز‘ اكتشفت اختراق هاتفي كأول ناشطة حقوقية في البحرين لثماني مرّات، من خلال مختبراتها والمتخصّصين/ات المعنيين/ات في المنظمة”.
ازدادت وتيرة عمليات التجسّس في البحرين خلال سنوات انتشار وباء “كورونا”. “وجدت السلطات فرصة كبيرة لزيادة الهجوم مع توسّع انتشار تكنولوجيا الاتصالات مثل الإنترنت والهواتف الذكية المحمولة والأجهزة العاملة بالاتصال اللاسلكي بالإنترنت كجزء من الحياة اليومية في المجالات الصحية والتعليمية والحقوقية وغيرها”، كما تقول رئيسة لجنة الرصد والمتابعة في “الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان”، زينب آل خميس.
وثّقت “منظمة العفو الدولية” (Amnesty) استمرار استهداف السلطات البحرينية للناشطين/ات عبر برامج التجسّس في تقريرها الذي صدر في شباط/فبراير 2022.
بحسب التقرير، “واصلت السلطات البحرينية قمعها للمعارضة في السنوات الأخيرة، وشددت مراقبتها لوسائل الإعلام الرقمية التي كانت الفضاء الوحيد المتبقي للنقاش المفتوح، بعد أن حظرت الحكومة جماعات المعارضة القانونية.
ويأتي هذا الانتهاك المروّع للحق في الخصوصية في سياق مضايقات ضد المدافعين/ات عن حقوق الإنسان، والصحافيين/ات، وقادة المعارضة، والمحامين/ات”، على حدّ قول نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في “منظمة العفو الدولية”، لين معلوف، في بيان حول التقرير.
انعدام الخصوصية والأمان والرقابة الذاتية هي ضمن مخاوف كثيرة تعبّر عنها الناشطة الصايغ، إذ تقول إنّ “اختراق هاتفي جريمة كبرى! ليس لدي أيّ عداوات، ولكنّ مشكلتي مع السلطة هي أنّني أرفض الانتهاكات التي تقوم بها وأمارس نشاطي الحقوقي على الرغم من استهدافها الواضح للناشطين/ات”.
توظيف الحكم القضائي
يأمل المعارضون/ات البحرينيون/ات الوصول إلى موقفٍ دوليٍ صارم يمنع تزويد السلطات البحرينية بهذه البرامج التي توظُف في التجسس عليهم وملاحقتهم بغية إسكاتهم.
“نحن سعيدون بالحكم، فالناشطون/ات كانوا يعيشون رهبة سواء كانوا داخل البلاد أم خارجها بعدما تركوها خوفاً من ملاحقة الأجهزة الأمنية”.
يأمل عبد الإمام أن تكون هذه بدايةً لمنع بيع برمجيات التجسّس للسلطات البحرينية تمهيداً لإيقاف أعمال التجسس، لا سيما أن الدعوى التي كنا قد رفعناها على شركة ’غاما‘ البريطانية -التي زوّدت حكومة البحرين ببرمجيات تجسّس- لم تؤتِ أكلها.