تحقيق: سيادة ومصير البحرين رهن نفوذ المال السعودي والإماراتي

يرهن النظام الخليفي سيادة ومصير البحرين إلى نفوذ المال السعودي والإماراتي في ظل تبعيته المالية للبلدين للتغطية على فساده وإخفاقاته الشاملة في إدارة البلاد.

في احتفالات البحرين بمناسبات مثل اليوم الوطني في البحرين، عادة ما يتم إضاءة المباني الشاهقة بالعاصمة المنامة بأضواء باللونين الأبيض والأحمر بقيمة ملايين الدولارات.

ينطبق ذات الشيء على الآلاف من أشجار النخيل المشذبة بعناية والتي تُزيّن الطرق الرئيسية. كما تتزين كل إشارة مرور وتقاطع بلوحةٍ إعلانية ضخمة تهنئ الملك وولي العهد وترفرف الأعلام الحمراء والبيضاء فوق المباني الحكومية والمنازل.

لكن لا يتم رصد أياً من هذه المظاهر الاحتفالية في القرى الشيعية، التي تصل إلى قرابة الـ30 قرية منتشرةً في جميع أنحاء الجزيرة.

هناك، ترفرف الأعلام السوداء التي تركت منذ شهر محرّم، إلى جانب ملصقاتٍ لرجال الدين والأولياء الشيعة. لا يمكن رؤية الأضواء الاحتفالية في أي مكانٍ هناك.

الثابت أن النظام الخليفي لا ينفق فلساً واحداً لزخرفة قراها، ويبدو الأمر مضيعةٌ للمال، لأن البحرينيين لا يملكون الكثير للاحتفال به هذه الأيام في ظل القمع الي يعانوه.

إذا ما تغيّر شيء فهي أوضاعهم التي ازدادت سوءاً، فالتمييز في قطاع العمل آخذٌ في الارتفاع، كما يتم إسكات أعضاء المعارضة وتجريدهم من جنسيتهم.

القرى مهملة، والطرقات والمنازل تفتقر إلى الصيانة، كما باتت المزيد والمزيد من الأراضي العامة، مثل الشواطئ، تقع في أيدي القطاع الخاص، مما يعوّق وصول القرويين.

لكن، لماذا تستمر الحكومة في معاداة واستبعاد غالبية السكان الأصليين؟ قد يكون المال أحد الأسباب الجذرية لذلك.

ففي بلدٍ مفلسٍ تقريباً، قد يتساءل المرء من أين تم إنفاق الأموال على هذه الزخارف والإضاءة. أو مثلاً من أين تم بناء المراكز التجارية الفاخرة مثل ذا أفينيوز ومول المملكة، أو فنادق الخمس نجوم والمجمعات السكنية الفارهة.

الجواب: بأموالٍ من الخارج، معظمها من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة اللتان تدعمان اقتصاد البحرين المتداعي لعدة سنوات من خلال ضخ مليارات الدولارات.

يتم تمويل مراكز التسوق وغيرها من المشاريع المرموقة من قبل مستثمرين من القطاع الخاص، ومعظمهم سعوديون وإماراتيون.

فبعد سحق الانتفاضة الشعبية عام 2011 بدعم سعودي وإماراتي، عمل النظام الخليفي على جذب استثماراتٍ أجنبية مباشرة كبيرة من البلدين.

ولكن من الذي ينفق بالفعل الأموال في مراكز التسوق والفنادق هذه؟ “بالنسبة لمعظم البحريين هذه المراكز التجارية باهظة الثمن.

يمكن أن تظهر جولة في الأفينيوز أن معظم الزوار من السعودية، إذ قال زوجان كبيران في السن يتجولان على طول الواجهة البحرية إن أحد عوامل الجذب الرئيسية هو درجة الحرية الأكبر هنا.

لم يعد الشباب فقط من يعبرون الجسر بين البلدين لتناول المشروبات ومرافقة الفتيات، فقد أصبحت البحرين وجهة عائلية أيضاً.

هناك حاجة ماسة للعملة الأجنبية، لكن اعتماد البلاد على مصدرٍ أو اثنين (يلعب الإماراتيون دورهم أيضاً) أمرٌ محفوفٌ بالمخاطر السياسية.

فقد أصبحت البحرين بالفعل الفناء الخلفي للمملكة العربية السعودية، إذ بات بقاؤها معلقاً بالحكومة السعودية والمستثمرين السعوديين والسياح السعوديين.

ومع اعتماد القطاعين العام والخاص بكثافة على الأموال من هذا الجار بعينه، فليس من المستغرب ألا تستطيع عائلة خليفة الحاكمة التفكير في السعي إلى التقارب مع الأغلبية الشيعية.

فالمملكة العربية السعودية لن تدع هذا يتم دون عقابٍ أيضاً. يحتاج المرء فقط إلى التفكير في قطر، التي واجهت حصاراً برياً وبحرياً تقوده السعودية منذ منتصف عام 2017، لإدراك الخطر. فالبحرين لا تملك المال لتحمّل غضب هذا الجار، وبالتالي فالأمر غير واردٍ على الإطلاق.

قد يأتي الإنقاذ المحتمل من حقول النفط البحرية المكتشفة حديثًا، على الرغم من أن الإنتاج سيحتاج لسنواتٍ قبل أن يوّلد دخلاً ذو أهمية. ويبقى أيضاً أن نرى من سيستفيد من هذا “الذهب الأسود.” هل سيخدم السكان الشيعة الفقراء؟

هذا ممكن، ولكن بشرطين: أولهما، نية حقيقية من آل خليفة لإيجاد حلٍ سلمي للأغلبية الساخطة؛ وثانياً، يجب أن يولد النفط ما يكفي من المال لتصبح البلاد مستقلة مالياً. فيما يتعلق بالشق الأول، كانت هناك دلائل في الماضي أن النية موجودة، على الأقل لدى البعض في الحكومة.

أما بالنسبة للشق الثاني، إن لم يكن المال كافياً، سيواصل الجيران تقديم المال وإملاء سياسات البلاد. وعلى هذا النحو، سيبقى آل خليفة دون حولٍ ولا قوة.

ومن الناحية النظرية، يمكن لهذا العجز أن يعود بالفائدة على الشيعة، ففي نهاية المطاف، سيضر خلق اضطراباتٍ بالحكومة، وبالتالي، سينأى المستثمرون الجدد والسائحون بأنفسهم عن البلاد، ولن يتم إنجاز المشاريع وما إلى ذلك.

Exit mobile version