قدّمت منظمة حقوقية مداخلة قوية خلال الدورة الستين لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، ضمن المناقشة العامة للبند الرابع، سلّطت فيها الضوء على الانتهاكات المنهجية التي يتعرض لها السجناء السياسيين المفرج عنهم، مؤكدة أن الإفراج لا يعني نهاية المعاناة، بل بداية مرحلة جديدة من الانتقام السياسي والاجتماعي الممنهج.
وقال ممثلو منظمة أمريكيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين (ADHRB) أمام المجلس الدولي إن السلطات البحرينية تستخدم الإفراج المشروط كأداة لإدامة السيطرة والترهيب، من خلال الفصل التعسفي من العمل، وحرمان السجناء المفرج عنهم من فرص إعادة الاندماج الاجتماعي والاقتصادي، إلى جانب الاستدعاءات المتكررة والقيود على السفر والانتقام من عائلاتهم.
وقدمت المنظمة نماذج محددة لضحايا هذه السياسة الانتقامية، من بينهم الناشطة نجاح يوسف والناشط العمالي علي مهنا، اللذان تحولا إلى رمزين للاضطهاد الممنهج بعد خروجهما من السجن.
فبحسب المداخلة، فُصل الاثنان تعسفيًا من وظائفهما فور الإفراج عنهما، وتعرضا بعد ذلك إلى منع تعسفي من العمل في مؤسسات حكومية وخاصة نتيجة “التعليمات الأمنية”، كما رفضت السلطات إصدار شهادات حسن سيرة وسلوك لهما – وهي وثيقة مطلوبة لأي وظيفة أو معاملة مالية – في خطوة تمثل عقوبة إضافية تهدف إلى تهميشهما من الحياة العامة.
ولم تتوقف الانتهاكات عند هذا الحد، إذ أكدت المنظمة أن السلطات منعت كلاً من يوسف ومهنا من السفر دون مبرر قانوني واضح، بل امتد الانتقام إلى أفراد أسرهما، الذين حُرم بعضهم من فرص التعليم والعمل، وهو ما وصفته ADHRB بأنه “سياسة ترهيب عابرة للأجيال”.
استهداف المدافعين عن حقوق الإنسان
تطرقت المداخلة إلى حالة ناجي فتيل، وهو من أبرز المدافعين عن حقوق الإنسان في البحرين وعضو مؤسس في جمعية شباب البحرين لحقوق الإنسان، معتبرة أن قضيته تكشف الطابع الانتقامي المؤسساتي الذي تمارسه الحكومة ضد الأصوات المستقلة.
فقد أُفرج عن فتيل بعد سنوات من الاعتقال بسبب نشاطه الحقوقي، ليُفصل من عمله بعد أربعة أشهر فقط من تعيينه نتيجة ضغوط من وزارة الداخلية على صاحب العمل.
وأوضحت المنظمة أن السلطات رفضت منحه قرضًا سكنيًا دون مبرر قانوني، كما استُدعي مرتين في غضون شهر واحد للاستجواب الأمني بهدف الترهيب والتضييق على تحركاته.
وأشارت المنظمة إلى أن خبراء الأمم المتحدة في الإجراءات الخاصة كانوا قد خاطبوا الحكومة البحرينية سابقًا بضرورة إعادة الاعتبار لناجي فتيل وتعويضه عن الفصل التعسفي، إلا أن السلطات لم تلتزم بأي من التوصيات الدولية واستمرت في استهدافه، ما يعكس – بحسب المنظمة – “استهتار البحرين بالتزاماتها الدولية وانتهاكها الواضح لمبادئ العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.”
عقوبات انتقامية بعد الإفراج
كما تناولت ADHRB في مداخلتها قضية المدافع عن حقوق الإنسان علي الحاجي، الذي لا يزال تحت رقابة أمنية لصيقة رغم انتهاء فترة محكوميته.
وذكرت المنظمة أن الحاجي اعتُقل مرارًا بعد الإفراج عنه بسبب نشاطه الحقوقي ومطالبته بتحسين أوضاع السجون البحرينية، وقد وُجهت إليه مؤخرًا تهم تتعلق بالتجمهر غير المرخص بعد أن وثّق احتجاجًا تضامنيًا مع فلسطين، ما يعكس – وفق المنظمة – محاولة تجريم التعبير السلمي عن الرأي.
وأكدت ADHRB أن هذه الممارسات تشكل “نمطًا واضحًا من العقاب الممنهج ضد من تجرأوا على تحدي الخطاب الرسمي”، مشيرة إلى أن السلطات البحرينية “تتعامل مع الإفراجات كأداة سياسية لإعادة إخضاع المعارضين بدل تحقيق العدالة الانتقالية.”
دعوة أممية للتحرك العاجل
في ختام المداخلة، دعت المنظمة مجلس حقوق الإنسان إلى التحرك العاجل لوضع حد لانتهاكات ما بعد الإفراج، وطالبت الدول الأعضاء بـتشكيل آلية رقابية مستقلة لمتابعة أوضاع السجناء السياسيين السابقين في البحرين، وضمان حقهم في العمل والسفر والتعليم دون قيود سياسية أو أمنية.
وشددت على ضرورة إدراج الانتهاكات بحق المفرج عنهم ضمن تقارير المقررين الخاصين المعنيين بالتعذيب وحرية الرأي والتمييز، وكذلك الضغط على الحكومة البحرينية لتعديل قوانين “السجل الأمني” التي تُستخدم لتبرير الفصل من الوظائف ومنع التوظيف.
كما طالبت المنظمة المجتمع الدولي بربط التعاون الاقتصادي والسياسي مع البحرين بمدى احترامها لحقوق الإنسان، محذّرة من أن استمرار هذا النمط من الانتقام “يكرس ثقافة الإفلات من العقاب ويقوّض أي أمل في الإصلاح السياسي الحقيقي.”
وتؤكد مداخلة ADHRB أن ما بعد السجن في البحرين ليس حرية، بل شكل جديد من السجن المفتوح، حيث يُحرم المفرج عنهم من أبسط حقوقهم الإنسانية ويُعاملون كمجرمين سياسيين دائمين.
وفي ظل صمت رسمي بحريني وتراخٍ دولي متزايد، يبدو أن الانتهاكات بحق السجناء السياسيين السابقين باتت جزءًا من سياسة ممنهجة لإبقاء المجتمع تحت السيطرة والخوف – وهي الرسالة التي أرادت المنظمة إيصالها بوضوح إلى مجلس حقوق الإنسان في جنيف، مطالبة العالم بأن يتوقف عن غضّ الطرف عن واحدة من أكثر صور القمع استمرارية في الخليج.