أبرزت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية في افتتاحيتها هذا الأسبوع الشواهد على الربيع البحريني المتعثر وتصاعد المطالب بضغوط دولية على النظام الخليفي.
وتناولت الصحيفة مطالبة السلطات البحرينية بإطلاق سراح السجناء السياسيين، وفي مقدمتهم الناشط الحقوقي عبد الهادي الخواجة (61 عاماً)، بمناسبة زيارة ولي العهد البحريني سلمان بن حمد إلى واشنطن الأسبوع الحالي.
وبحسب الصحيفة نالت البحرين، أخيراً، مركزاً دولياً متميزاً لدى الإدارة الأميركية بعد تطبيع علاقتها مع إسرائيل، وهو ما ساهم بعض الوقت في التعتيم الدولي على ملفات إنسانية داخلية عالقة منذ الصدام الأشهر الذي عاشته البحرين بين السلطة والحراك السياسي والاجتماعي لعام 2011.
في هذا السياق أعلنت الناشطة مريم الخواجة، ابنة عبد الهادي الخواجة، والمقيمة في الدنمارك، عن زيارتها لبلدها برفقة ممثلين عن منظمات حقوقية دولية، منها “فرونت لاين دفندرز” الأيرلندية، والتي عمل فيها الخواجة سابقاً، في محاولة للفت الانتباه الدولي إلى قضية اعتقاله؟
وتستهدف الزيارة الضغط على السلطات البحرينية لإطلاق سرا الخواجة، مع ورود تقارير عن تدهور أوضاعه الصحية في سجن جو المركزي، بعدما أعلن 500 سجين سياسي، في الشهر الماضي (أغسطس/ آب)، خوضهم إضراب جوع في هذا السجن، احتجاجاً على ظروف احتجازهم القاسية.
وعبد الهادي الخواجة منذ أكثر من 12 عاماً في السجن، على خلفية دوره القيادي في الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت في البحرين بالتزامن مع ثورات الربيع العربي.
وقد حُكم عليه بعقوبة السجن المؤبد بعد محاكمته أمام محكمة عسكرية. وتقديراً لدوره النضالي ودعماً لقضيته، فاز بجائزة مارتن إينالز الدولية المرموقة للمدافعين عن حقوق الإنسان عام 2022.
ويعد الخواجة من رواد حركة حقوق الإنسان في البحرين، وهو الذي تلخص مسيرة حياته محطات تاريخ الحركة الإصلاحية والحقوقية في بلده.
قد لا يعلم كثيرون المسار الذي خاضته هذه الحركة الديمقراطية والحقوقية في البحرين منذ السبعينيات، وهو مسار استثنائي في منطقة مجلس التعاون الخليجي، حتمته ظروف تاريخية اجتماعية واقتصادية.
وفي البال أن حياة سياسية ووطنية قصيرة برزت في البحرين، لكنها كانت ثريه متنوعة خلال سنوات ما قبل الاستقلال عن بريطانيا وبعده، لكنها انتهت بتجميد البرلمان وبعض من مواد الدستور وفرض تدابير أمنية استثنائية غليظة، استمرت حتى حدوث انفتاح سياسي خلال السنوات الأولى من القرن الواحد والعشرين.
تبلورت حركة حقوق الإنسان بشكل جديد أكثر احترافية في السنوات التي اضطر فيها نشطاء بحرينيون كثيرون إلى مغادرة البلاد والاستقرار في المنفى في الثمانينيات والتسعينيات.
انتقل الخواجة إلى الدنمارك في عام 1989 لاجئا سياسيا وحصل على جنسيتها لاحقاً، وبدأ في أوروبا مع آخرين تأسيس واحدة من المنظمات الحقوقية التي نشطت بكثافة على مستوى دولي خلال هذه الفترة.
ومع العهد السياسي الجديد في البحرين، عاد الخواجة وآخرون من قيادات العمل السياسي والحقوقي إلى البلاد، وأسس مركز البحرين لحقوق الإنسان، والذي سيستمر واحداً من أهم المؤسسات الحقوقية في المنطقة العربية. نشط الخواجة والمركز من داخل البلاد قبل اندلاع ثورات الربيع العربي.
وقد استندت الحركة الحقوقية في البحرين إلى دعم شعبي عريض، قليلاً ما تمتعت به منظمات حقوق الإنسان في بلدان عربية أخرى.
وليس غريباً أن تتصدر قيادات هذه الحركة، ومن بينهم الخواجة، الاحتجاجات الشعبية في البحرين عام 2011، والتي جرى احتواؤها بالقوة، وانتهت باعتقالات ومحاكمات واسعة لشخصيات سياسية وحقوقية كثيرة، ما زال كثيرون منهم في السجون.
حاولت السلطات في وقت لاحق لهذه الاحتجاجات الشروع في سلسلة من الإصلاحات، لتخفيف حدة التوتر السياسي الداخلي، وللتخفيف من الانتقادات الدولية لها في هذه الفترة.
وكان من أهم هذه الخطوات تشكيل اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق، والتي ترأسها الفقيه القانوني المصري الراحل محمود شريف بسيوني، وانخرط في عضويتها خبراء دوليون بارزون.
ويرصد تقرير بسيوني ويوثق الانتهاكات في هذه الفترة، ويقدم توصيات كثيرة مهمة نفذ بعضها، لكن السلطات البحرينية، في المجمل، لم تتعامل بجدية مع خلاصات التقرير وتوصياته، ومنها الإفراج عن سجناء الرأي والسجناء السياسيين.
تعثرت حركة حقوق الإنسان في البحرين بعد أحداث 2011 وما تلاها من إجراءات حادة، دفعت كثيرين إلى العودة إلى المهجر، منهم أبناء عبد الهادي الخواجة.
انحسرت الضغوط الداخلية والخارجية على الحكومة بشكل كبير، لكن السلطات سعت، من حين إلى آخر، إلى العفو عن السجناء السياسيين، خصوصا بعد إصدار قانون عام 2017 والذي يسمح للمحاكم بفرض عقوبات بديلة بعد قضاء المسجونين نصف مدة العقوبة.
وقد استفاد من هذه الإجراءات سجناء سياسيون كثيرون، لكنها لم تشمل كثيرين آخرين.
سيجعل استمرار اعتقال الخواجة السلطات البحرينية تحت مرمى الضغوط والانتقادات الدولية، المتجددة من حين إلى آخر.
وعلى الرغم من مساعي البحرين إلى إعادة التموضع دولياً، وقربها من واشنطن، فإنها لن تكون في منأى عن هذه الانتقادات.
وذلك لما للخواجة ومسيرته من رمزية أخلاقية وحقوقية على المستويين الدولي والعربي، ونظراً إلى تدهور صحته في السجن.
وقد يكون من الأنسب في هذه اللحظة التعامل مع ملف السجناء السياسيين في البحرين من منظور إنساني صرف، بعيداً عن الخصومة السياسية التي خلفتها احتجاجات 2011، وسوف تمثل العودة إلى توصيات تقرير بسيوني، الذي دعمته الحكومة البحرينية ذاتها، خطوة صحيحة في هذا الاتجاه.