في قلب البحرين، حيث تُمنح الجنسية وتُسحب حسب الولاء السياسي، تتكشف صورة قاتمة لحقوق الإنسان والمواطنة في دولة تدّعي الديمقراطية والعدالة.
وبينما تُعتبر الجنسية في دول أخرى حقًا إنسانيًا طبيعيًا، فإن البحرين حولت هذا الحق إلى أداة تستخدمها الحكومة لتحقيق أهداف سياسية وأمنية، مما يجعل الموقف في البحرين نموذجًا سلطويًا خطيرًا.
ففي الدول التي تحترم حقوق الإنسان، تُمنح الجنسية بناءً على الانتماء إلى الأرض أو عبر عملية عادلة للتجنس. لكن في البحرين، لا تُمنح الجنسية بناءً على الانتماء أو الكفاءة، بل على أساس الولاء السياسي.
إذ يتم منحها لمن يخدم النظام ويعمل في الأجهزة الأمنية، حتى لو كان شخصًا أجنبيًا، بينما تُسحب من المواطنين الذين يعارضون السلطة أو يطالبون بحقوقهم.
في عام 2018، ألغت السلطات البحرينية جنسية 738 شخصًا، فيما زاد العدد إلى أكثر من 900 حالة حتى عام 2019. هذا الرقم المرتفع يعكس سياسة ممنهجة تهدف إلى كبح أي نوع من المعارضة السياسية داخل البلاد، ما يجعل الجنسية أداة قمع أكثر منها حقًا.
الهندسة الديموغرافية السياسية
في البحرين، لا يقتصر التجنيس على إجراء إداري بل هو جزء من سياسة ممنهجة تهدف إلى تغيير التركيبة السكانية لصالح الجماعات الموالية للنظام. تمثل هذه السياسة محاولة لتخفيف الضغط على الطائفة الشيعية التي تُشكل الأغلبية في البحرين، وهي الطائفة التي تعاني من التهميش السياسي والاجتماعي.
كما تُستخدم هذه الممارسة لتوفير قاعدة انتخابية للنظام في الانتخابات الشكلية التي يتم تنظيمها.
بحسب تقارير منظمات دولية مثل هيومن رايتس فيرست ومركز الخليج لحقوق الإنسان، تجنّس البحرين جنودًا سابقين من جيوش دول أخرى، مثل باكستان، مقابل ولائهم للنظام.
هؤلاء الأفراد، الذين يُمنحون الجنسية من أجل ضمان ولائهم، يُعتبرون أدوات لإعادة هندسة الساحة السياسية لصالح الحكومة البحرينية.
المواطن البحريني غريب في وطنه
يشعر المواطن البحريني الشيعي، رغم كونه الأقدم تاريخيًا في الأرض، بأنه غريب في وطنه.
يُحرم هذا المواطن من العديد من الحقوق التي يتمتع بها الأجانب والمجنسون، من بينها شغل المناصب السيادية، العمل في الأجهزة الأمنية، الحصول على السكن العادل، والترقي في الوظائف الحكومية العليا.
في العديد من الحالات، تتجنب السلطات تعيين الشيعة في المناصب الأمنية بحجة “الحساسية الطائفية”، وهو ما يخلق شعورًا لدى المواطنين الشيعة بأنهم أقل من المواطنين الآخرين.
هذه الممارسات تفضح حقيقة التمييز الطائفي الذي يعاني منه المواطن البحريني، وتحول البحرين إلى مجتمع لا يُحترم فيه التساوي بين جميع المواطنين.
من المواطن إلى المُراقَب
في البحرين، يُنظر إلى المواطن على أنه مشتبه دائمًا. يتم مراقبة كل حركة له، من حساباته البنكية إلى تغريداته على منصات التواصل الاجتماعي، وحتى أماكن عبادته. يُعتبر أي شخص يعبر عن اعتراضه على السياسات الحكومية مُحتملًا للتهديد، وأحيانًا يُستدعى للتحقيق دون إذن قضائي.
عندما يُعامل المواطن بهذه الطريقة، يتحول إلى شخص يعيش في حالة من الرقابة المستمرة، وهو ما يشكل تهديدًا لحقوقه الأساسية في الخصوصية والحرية.
المواطنة كحق مقاوم
في مواجهة هذا الانحدار المستمر، تُبرز الحاجة إلى إعادة تعريف المواطنة في البحرين. لا ينبغي أن تُعتبر الجنسية مجرد صك يُمنح وفقًا للولاء السياسي أو الأمني، بل يجب أن تُمنح كحق مقاوم، أي حقٌ ثابت للمواطن في العيش بكرامة، مع احترام حقوقه في التعبير والمشاركة السياسية.
ويتعين على المواطنين البحرينيين، بمن فيهم الشيعة، أن يكون لديهم حق التمثيل والمشاركة في الحياة السياسية، وأن لا يُحرموا من حقهم في العيش على قدم المساواة مع الآخرين. كما يجب أن تُستبعد كل أشكال التمييز الطبقي والطائفي من سياسات الدولة.
كذبة المواطنة في البحرين
ما يحدث في البحرين ليس مجرد نظام سياسي يقمع المعارضة، بل هو نموذج مروع لاستخدام المواطنة كأداة للولاء السياسي. تحت شعار “التعايش والتسامح”، يختبئ واقع مرير من التمييز والاضطهاد، حيث يتم منح الجنسية لمن يخدم السلطة ويُحرم منها من يقاومها.
إن البحرين بحاجة إلى حل جذري لهذه الأزمة من خلال معالجة التمييز الطائفي والطبقي في قوانينها وسياساتها. لن يكون هناك أي تقدم حقيقي في البحرين ما لم تُعد الحكومة النظر في كيفية منح الجنسية وإعادة بناء النظام السياسي على أساس العدالة والمساواة بين جميع المواطنين.