شكلت أعمال الدورة 17 من القمة الأمنية الإقليمية المعروفة باسم “حوار المنامة” التي اختتمت أعمالها مؤخرا جسرا مشبوها لتعزيز التطبيع برعاية النظام البحريني.
وكما حدث مراراً في دورات سابقة حتى قبل انخراط البحرين في التطبيع مع إسرائيل والانضمام إلى اتفاقيات أبراهام، كان حضور الوفد الإسرائيلي طاغياً سواء من حيث العدد والوظائف الرفيعة للمشاركين، أو من حيث النشاطات المحمومة التي انهمك فيها الوفد على أصعدة رسمية مباشرة وأخرى غير مباشرة عن طريق وسائل الإعلام الإسرائيلية.
وعلى سبيل المثال الأول تمكنت قناة إسرائيلية من إجراء حديث قصير مع وزير الخارجية العراقي، جرى استغلاله على الفور في وسائل إعلام إسرائيلية أو صديقة لدولة الاحتلال وتصويره كمؤشر على استعداد العراق للشروع في خطوة ملموسة نحو التطبيع.
وزارة الخارجية العراقية سارعت إلى نفي أي غرض تطبيعي خلف الواقعة، وتأكيد موقف بغداد الداعم لحقوق الشعب الفلسطيني الكاملة ورفض التطبيع، وهذا ما أكد عليه الوزير خلال كلمته أمام المؤتمر، وأن القناة الإسرائيلية انتحلت صفة مؤسسة أخرى.
ورغم ذلك فإن الغرض من الانتحال تحقق جزئياً من حيث إثارة اللغط داخل العراق حول احتمالات التطبيع، خاصة وأنه يدخل أيضاً في سياق مؤتمر شهدته مدينة أربيل في أيلول/ سبتمبر الماضي دعا إلى التطبيع مع الاحتلال ورفضته الحكومة العراقية، كما أصدر مجلس القضاء الأعلى في العراق مذكرات توقيف بحث ثلاثة من المشاركين فيه.
المثال الثاني كان الحوار العابر الذي أجراه سفير دولة الاحتلال لدى البحرين مع وزير الدفاع الأندونيسي، ولم يتردد الإعلام الإسرائيلي في امتداحه وتضخيمه إلى مستوى الإجراء التطبيعي الصريح مع جاكرتا والدولة الإسلامية الأكبر في العالم، خاصة وأن الوزير المعني هو زعيم حزب “حركة إندونيسيا العظمى” وكان مرشح المعارضة للانتخابات الرئاسية سنة 2019.
وفي هذه الحالة أيضاً لم تتأخر وزارة الدفاع الأندونيسية في نفي أي محتوى تطبيعي للحديث القصير، مؤكدة على دعم أندونيسيا الكامل للشعب الفلسطيني وحقوقه بما في ذلك إقامة دولة مستقلة، وهذا ما شدد عليه الوزير في كلمته أمام المؤتمر.
وقد يساجل البعض بأن من الطبيعي أن تنشط دولة الاحتلال لتحقيق أي مكاسب دبلوماسية أو إعلامية في مؤتمرات كهذه.
وهذا صحيح بالطبع ولا يخرج عن سياق أعرض يخص انقلاب دول التطبيع العربية إلى سكك ميسرة لتسيير قاطرات التطبيع بشتى الوسائل، التي لا تغيب عنها استراتيجية جديدة خبيثة تتمثل في إشراك دولة الاحتلال كشرط لتمويل المشاريع الإقليمية والاقتصادية والإنمائية.
وإذا كان الهدف الواضح هو إشاعة مناخات التطبيع في المنطقة والمساعدة على تجميل صورة الاحتلال الإسرائيلي، فإن الهدف الأبعد هو دفع الحقوق الفلسطينية إلى خلفية المشهد والتعتيم عليها أو حتى إنكارها تماماً.
وفي التلاقي حول أهداف كهذه لا يكون مؤتمر المنامة حواراً حول الأمن الإقليمي وسلام الشعوب وتنمية مجتمعاتها، بقدر ما يخدم المزيد من التنازل عن الحقوق المشروعة وتسليم المقدرات إلى دولة الاحتلال ورعاتها وأصدقائها.