أصدر ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة أمرًا ملكيًا بتعيين أعضاء مجلس مفوضي المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان لمدة أربع سنوات جديدة.
وقد شمل القرار أربعة أعضاء متفرغين هم: علي أحمد الدرازي، مال الله جعفر الحمادي، محمد جمعة فزيع، ومها صالح آل شهاب، إضافة إلى سبعة أعضاء غير متفرغين، بينهم أسماء من خلفيات أكاديمية وقانونية واجتماعية مثل دانيال مارك كوهين، روضة سلمان العرادي، وعبدالله خليفة الذوادي.
من حيث الشكل، يُفترض أن يشكل هذا التعيين خطوة تنظيمية في مجال حقوق الإنسان. لكن القراءة العميقة تكشف أن الأمر ليس أكثر من إعادة إنتاج للمشهد المعتاد منذ إنشاء المؤسسة عام 2009، حيث يتم اختيار الأعضاء بأمر ملكي مباشر، بعيدًا عن أي مشاركة شعبية أو تمثيل مستقل للمجتمع المدني.
تعيينات شكلية لا انتخاب ديمقراطي
لم يخضع الأعضاء الجدد لأي عملية انتخابية أو مشاورات عامة، بل جرى تعيينهم وفق الصيغة ذاتها التي اعتُمِدت في السنوات السابقة. هذا النهج يجعل المؤسسة أقرب إلى جهاز رسمي تابع للسلطة التنفيذية منها إلى هيئة مستقلة تدافع عن الحقوق.
ويرى النقاد أن الأعضاء الذين تم تعيينهم لا يملكون صلاحية حقيقية لتحدي قرارات الحكومة أو مساءلة مؤسساتها الأمنية والقضائية. وغالبًا ما يُنظر إليهم على أنهم “أحجار شطرنج” تُحرك وفق الرغبة السياسية، في انسجام تام مع خطاب الدولة، بدلًا من أن يكونوا صوتًا للضحايا والمهمشين.
الأهداف السياسية وراء التعيين
يمكن فهم هذه الخطوة في سياق ثلاثة أهداف رئيسية تسعى إليها السلطات البحرينية:
الإيحاء الخارجي: إرسال رسالة للمجتمع الدولي، خصوصًا للدول الغربية والمنظمات الحقوقية، بأن البحرين تمتلك مؤسسة وطنية نشطة تُعنى بقضايا السجناء السياسيين والمعتقلين.
التظاهر بالاستجابة للمعايير الدولية: إعطاء انطباع، ولو شكليًا، بأن البحرين تعمل على مواءمة تشريعاتها وإجراءاتها مع الالتزامات الدولية في مجال حقوق الإنسان.
تحسين السمعة والتصنيف الدولي: محاولة رفع مكانة المؤسسة في تصنيف التحالف العالمي للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان (GANHRI)، الذي يقيم مدى التزام الدول بمبادئ باريس الخاصة باستقلالية المؤسسات الوطنية.
تصنيف ضعيف يعكس واقعًا هشًا
حتى الآن، تحتل المؤسسة البحرينية المرتبة B في تصنيف التحالف العالمي (GANHRI). هذا التصنيف يعكس مجموعة من أوجه القصور:
آلية التعيين: اعتماد الأوامر الملكية المباشرة في اختيار الأعضاء، وهو ما يُضعف أي ادعاء بالاستقلالية.
غياب التمثيل المتنوع: ضعف مشاركة المجتمع المدني المستقل والنقابات المهنية.
سجل حقوقي مثقل: استمرار التضييق على حرية التعبير، واعتقال النشطاء، وحظر الجمعيات السياسية، ما يُقوض مصداقية المؤسسة على الساحة الدولية.
ضعف الشفافية: ندرة إصدار تقارير علنية تنتقد أداء السلطات أو تسلط الضوء على الانتهاكات بشكل صريح.
هذا التصنيف يعني عمليًا أن المؤسسة لا ترقى إلى مستوى “المؤسسات الوطنية المستقلة”، بل تُعتبر هيئة شبه رسمية تحتاج إلى إصلاحات جوهرية كي تصبح مؤهلة للحصول على التصنيف A.
التناقض بين الصورة والواقع
رغم حرص الحكومة البحرينية على تقديم هذه التعيينات كخطوة “إصلاحية”، إلا أن الواقع على الأرض يُظهر فجوة عميقة بين ما يُعلن وما يُمارس.
ففي السجون لا تزال تقارير المنظمات الدولية تتحدث عن سوء المعاملة، التعذيب، الحرمان من الرعاية الصحية، إضافة إلى استمرار محاكمات المعارضين السياسيين بتهم تتعلق بحرية التعبير أو النشاط السلمي.
إزاء ذلك، تبدو المؤسسة الوطنية أقرب إلى “واجهة تجميلية” تُستخدم في المحافل الدولية أكثر من كونها جهازًا رقابيًا حقيقيًا.
ولكي تكتسب المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان في البحرين مصداقية حقيقية، لا بد من تغييرات هيكلية عميقة، أبرزها:
اعتماد انتخابات شفافة لاختيار الأعضاء بمشاركة المجتمع المدني والنقابات.
تعزيز الاستقلالية بإبعاد المؤسسة عن إشراف السلطة التنفيذية أو توجيهها.
نشر تقارير دورية تتضمن بيانات دقيقة حول شكاوى حقوق الإنسان، والإجراءات المتخذة لمعالجتها.
إشراك خبراء دوليين مستقلين لمراقبة أداء المؤسسة وتقييمه.
بدون هذه الخطوات، ستظل المؤسسة مجرد وسيلة لتحسين الصورة الخارجية، بدلًا من أن تكون خط الدفاع الأول عن الحقوق والحريات داخل البلاد.
وبينما تسعى البحرين إلى إقناع المجتمع الدولي بجدية التزامها الحقوقي، تظل الوقائع على الأرض – من اعتقالات وضغوط على النشطاء وقمع للحريات – شاهدًا على أن الطريق ما يزال طويلًا أمام أي إصلاح حقيقي.