أعلنت البحرين حزمة إصلاحات مالية جديدة تهدف، وفق الحكومة، إلى احتواء أزمة الدين المتفاقمة وعجز الموازنة، إلا أن تفاصيل الإجراءات تكشف عن توجه واضح لتحميل المواطنين والقطاع الخاص الكلفة الأكبر، عبر تقليص الدعم ورفع الأسعار، في وقت تتفاقم فيه الضغوط المعيشية وتتراجع قدرة الدولة على توفير شبكة أمان اجتماعي فعالة.
وبحسب ما نقلته وكالة بلومبيرغ الدولية، أقرت الحكومة البحرينية تغييرات مالية تشمل فرض قانون جديد لضريبة دخل الشركات، وخفض الإنفاق الحكومي، ورفع أسعار الوقود والغاز الطبيعي، إلى جانب تقليص النفقات الإدارية بنسبة 20%، وزيادة توزيعات الأرباح من الشركات المملوكة للدولة.
ولم تكشف السلطات تفاصيل قانون ضريبة الشركات، ما يثير تساؤلات حول نطاقه وتأثيره المحتمل على الاستثمار والوظائف.
وتأتي هذه الخطوات في سياق ضغوط متزايدة من مؤسسات دولية، من بينها صندوق النقد الدولي ووكالات التصنيف الائتماني، التي حذرت مرارًا من المسار غير المستدام للمالية العامة في البحرين، في ظل مستويات دين مرتفعة وعجز مزمن.
غير أن تركيز الحكومة على خفض الدعم ورفع الأسعار يعكس غياب خيارات سياسية بديلة، واعتمادًا شبه كامل على إجراءات تمس مباشرة حياة المواطنين.
ويمثل رفع أسعار الوقود والغاز الطبيعي أحد أكثر الإجراءات حساسية، نظرًا لارتباطه المباشر بتكاليف النقل والكهرباء والسلع الأساسية.
ومن المتوقع أن يؤدي هذا القرار إلى موجة تضخم إضافية، تنعكس على أسعار الغذاء والخدمات، وتضغط على دخول الأسر ذات الدخل المحدود والمتوسط، التي تعتمد تاريخيًا على الدعم الحكومي لتعويض ضعف الأجور.
كما أن خفض النفقات الإدارية الحكومية بنسبة 20% يثير مخاوف من تقليص الخدمات العامة أو تقليل التوظيف في القطاع الحكومي، الذي لا يزال يشكل مصدر الدخل الرئيسي لعدد كبير من البحرينيين.
وفي اقتصاد محدود الفرص، يعتمد بشكل كبير على الدولة، قد تؤدي هذه التخفيضات إلى ارتفاع معدلات البطالة المقنّعة أو تراجع جودة الخدمات الأساسية.
وتكشف بيانات صندوق النقد الدولي عمق الأزمة التي تواجهها البحرين. فالصندوق قدّر أن المملكة تحتاج إلى أسعار نفط تقارب 140 دولارًا للبرميل لتحقيق توازن في ميزانيتها، وهو أعلى سعر تعادل بين دول مجلس التعاون الخليجي، وبفارق كبير عن الأسعار الحالية التي تدور حول 61 دولارًا.
ويعكس هذا الرقم اختلالًا هيكليًا عميقًا في نموذج الإيرادات والإنفاق، لا يمكن معالجته فقط عبر خفض الدعم.
ويبلغ الدين العام في البحرين نحو 140% من الناتج المحلي الإجمالي، ما يجعلها الدولة الأكثر مديونية في الخليج، رغم كونها الأصغر حجمًا من حيث المساحة والموارد.
ومع هذا المستوى من الدين، تصبح قدرة الحكومة على المناورة المالية محدودة للغاية، وتزداد كلفة خدمة الدين على حساب الإنفاق الاجتماعي والاستثماري.
وحذّر صندوق النقد الدولي، قبل إعلان الإصلاحات، من أن نسبة الدين مرشحة لمزيد من الارتفاع خلال السنوات المقبلة، ما لم تعتمد البحرين حزمة ممتدة من الإجراءات المالية والإصلاحات الهيكلية.
غير أن الصندوق، في تقاريره السابقة، شدد أيضًا على ضرورة حماية الفئات الضعيفة، وهو ما لا يظهر بوضوح في الإجراءات المعلنة.
وتعيد هذه التطورات إلى الأذهان أزمة عام 2018، عندما اضطرت البحرين إلى طلب خطة إنقاذ بقيمة 10 مليارات دولار من جيرانها الأكثر ثراءً، وعلى رأسهم السعودية والإمارات.
ورغم أن تلك الخطة منحت البحرين متنفسًا مؤقتًا، فإنها لم تعالج جذور الأزمة، بل ربطت السياسات المالية بشروط تقشفية استمرت آثارها حتى اليوم.
ويرى مراقبون أن الإصلاحات الحالية تمثل امتدادًا لهذا النهج، القائم على ضبط الإنفاق عبر تقليص الدعم بدلًا من معالجة الاختلالات البنيوية، مثل ضعف الإنتاجية، وضيق القاعدة الاقتصادية، والاعتماد المفرط على النفط والدعم الخارجي.
كما أن فرض ضرائب جديدة دون شفافية كافية يزيد من حالة عدم اليقين لدى القطاع الخاص.
ويثير توقيت هذه الإجراءات تساؤلات إضافية، في ظل تراجع الثقة العامة واتساع الفجوة بين الخطاب الرسمي حول “الإصلاح” والواقع المعيشي للمواطنين. فبينما تتحدث الحكومة عن الاستدامة المالية، يواجه المواطنون ارتفاعًا متسارعًا في تكاليف الحياة، دون مؤشرات واضحة على تحسين الأجور أو توسيع برامج الحماية الاجتماعية.
وفي غياب إصلاح سياسي واقتصادي شامل يعيد توزيع الأعباء بشكل عادل، تبدو حزمة الإصلاحات الأخيرة أقرب إلى إدارة أزمة قصيرة الأمد، تعتمد على جيوب المواطنين كحل سريع، بدلًا من بناء نموذج اقتصادي أكثر توازنًا واستدامة.
