أثار اعتقال القيادي المعارض والأمين العام السابق لجمعية وعد، إبراهيم شريف، موجة من القلق على مستوى حقوق الإنسان في البحرين، مؤكدًا استمرار الحكومة في استخدام سياسة القمع والتخويف ضد الأصوات المعارضة.
فقد أقدمت السلطات البحرينية في 12 نوفمبر 2025 على توقيف شريف فور وصوله إلى مطار البحرين الدولي قادمًا من بيروت، بعد مشاركته في أعمال المؤتمر القومي العربي، حيث أدلى بتصريحات داعمة للقضية الفلسطينية، رفض فيها التطبيع مع إسرائيل وانتقد العدوان على غزة.
وقد تم اقتياد شريف مباشرة من صالة الوصول دون مذكرة توقيف أو توضيح رسمي، فيما أعلنت وزارة الداخلية البحرينية أن الناشط متهم بـ”نشر أخبار كاذبة عبر وسائل التواصل الاجتماعي” و”إطلاق عبارات مسيئة لدول عربية شقيقة وقياداتها”، وأمرت النيابة العامة بحبسه احتياطياً على ذمة التحقيق.
وأوضح مدير عام الإدارة العامة لمكافحة الفساد والأمن الاقتصادي والإلكتروني أن شريف خالف القانون من خلال “بث أخبار كاذبة وإطلاق عبارات مسيئة”.
وأثار هذا الاعتقال غضبًا واسعًا بين منظمات حقوق الإنسان، فقد دعت هيومن رايتس ووتش السلطات البحرينية للإفراج الفوري عن شريف، معتبرة أن ملاحقته على خلفية ممارسة حقه في التعبير والتجمع السلمي تمثل انتهاكًا صارخًا للحريات الأساسية.
في المقابل، شنت حسابات إلكترونية موالية للسلطة حملة تحريض ضد شريف، اتهمته بدعم “رموز الفتنة والإرهاب”، ما يعكس حجم التعبئة الإعلامية الممنهجة ضد الأصوات الحرة.
ويقبع شريف حاليًا في مركز التوقيف في الحوض الجاف تحت ظروف قاسية، حيث يقتصر الوصول إلى العنبر على ساعة واحدة يوميًا، بينما اضطر للنوم على الأرض خلال الليالي الثلاثة الأولى.
وأكد الناشط أن تمسكه بتصريحاته حول فلسطين لم يتغير، قائلاً: “فلسطين تستحق”. وفي 20 نوفمبر، قررت النيابة إحالة شريف إلى المحاكم، مع تحديد جلسة أولى أمام المحكمة الجنائية الصغرى في 26 نوفمبر بتهمتي “إذاعة أخبار كاذبة عمدًا” و”إهانة دول أجنبية علنًا”.
وتجدر الإشارة إلى أن هذا الاعتقال ليس الأول من نوعه، إذ يُعدّ هذا الاعتقال العاشر لإبراهيم شريف منذ 2011، جميعها مرتبطة بممارسة حقه في التعبير السلمي والتجمع.
فقد سبق أن اعتُقل في 25 مارس 2024 بعد انتقاده استحواذ صندوق الثروة السيادي على ملكية مجموعة “مكلارين” للسيارات، كما احتجز في ديسمبر 2023 إثر تغريدة انتقد فيها الانضمام البحريني للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في البحر الأحمر، ورفض التطبيع مع إسرائيل، مؤكدًا تضامنه مع الشعب الفلسطيني.
ويُظهر سجل شريف الطويل تعرضه لملاحقات قضائية متكررة، إذ سبق اعتقاله خلال الحراك المؤيد للديمقراطية في 2011، حيث خضع للتعذيب والاحتجاز الانفرادي لمدة 56 يومًا، ثم حُكم عليه بالسجن خمس سنوات من قبل محكمة عسكرية.
وفي سنوات لاحقة، تعرض للاعتقال عدة مرات بسبب مقابلات إعلامية أو منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي، تشمل تهم “التحريض على كراهية النظام” و”إهانة دول أجنبية”، ما يوضح سياسة الدولة في معاقبة أي صوت نقدي مهما كان سلميًا.
ويؤكد خبراء حقوق الإنسان أن هذه الاعتقالات تعكس استراتيجية متعمدة لإسكات المعارضة، وإرسال رسالة تحذيرية للمجتمع بأسره، ما يضع حرية الرأي والتجمع تحت تهديد دائم في البحرين.
كما تشدد هذه الحملة على الطبيعة الانتقائية للقانون، الذي يُستغل لتكميم الأفواه وملاحقة أي نشاط سياسي مستقل، سواء تعلق بالسياسات الداخلية أو القضايا الإقليمية مثل فلسطين.
وفي ضوء ذلك طالبت منظمة أمريكيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين (ADHRB) بالإفراج الفوري وغير المشروط عن إبراهيم شريف، ووقف استخدام الاستدعاءات المتكررة كأداة للقمع، وضمان ممارسة جميع المواطنين لحقوقهم في التعبير والتجمع السلمي دون خوف من العقاب.
كما دعت المنظمة المجتمع الدولي لممارسة الضغط على البحرين لاحترام التزاماتها الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان وحماية النشطاء والمدافعين عن الحريات الأساسية.
ويعتبر ملف إبراهيم شريف مثالًا صارخًا على استمرار قمع حرية التعبير في البحرين، ويبرز الحاجة الملحة لمراقبة المجتمع الدولي لسياسات السلطة البحرينية في التعامل مع المعارضين السلميين، وضمان أن الحقوق الأساسية للمواطنين لا تُستهدف لمجرد التعبير عن آرائهم.
